الجمعة، 31 مارس 2017

و تركت المكان






حزمت حقائبي الثقيلة ورحلت
لملمت أشيائي الكثيرة ورحلت
تدثرت سنيني الطويلة ورحلت 

عند الرحيل بقي شئ واحد ما زلت أحاول أن أحمله معي. طويته على قدر استطاعتي وحاولت أن أضعه في أي من حقائبي فلم أستطع. بسطته أمامي وأخذت أتأمله طويلاً. حاولت أن أختزل من أطرافه قدر ما أمكنني ثم طويته مرة أخرى بعناية فائقة ثم حاولت مرة أخرى أن أضعه في أعظم حقائبي بعدما أفرغت كل ما فيها فلم تتسع له أيضاً. 

أعيتني محاولاتي في طي المكان وحمله معي في رحلتي القسرية المرتقبة. 

هناك أشياء كثيرة علقت بالمكان والتصقت به لم أستطع فصلها عنه جعلت طيه مستحيلاً. 

هناك أشياء طولها طول المكان  
هناك أشياء عمرها عمر المكان
هناك أشياء لونها  لون  المكان 
هناك أشياء شكلها شكل المكان 

ولإن القطار كان على وشك الرحيل تركتها جميعاً وتركت المكان.

الأماكن بساكنيها.
ما قيمة الأماكن بدون سكانها
الأماكن تموت إذا تركها سكانها

القطار الذي ركبته يسرع حثيثاً نحو محطة الوصول. وعلى عكس ما يتمنى كل الركاب تمنيت أن يتمهل ... أن يبطئ ... أو أن يضل عن الطريق و يتعثر في الوصول.

عرفت كيف يتغير مقياس الزمن وكيف يختلف عمر اللحظات. 
لحظة عمرها لحظة 
لحظة عمرها لحظات 
لحظة عمرها أيام 
لحظة عمرها سنوات 
ولحظة عمرها كل العمر

وصل القطار رغماً عني. غادرته وأنا أنوء بحمل حقائبي الثقيلة.

القطار الذي نزلت منه والذي أنهكته الرحلة الطويلة قد وصل إلى آخرمحطاته. لايمكنه السفر إلى أبعد من ذلك ولا يمكنه أيضاً العودة من حيث بدأ رحلته.   لذا إختفى السائق لحظة الوصول وتبدد جميع الركاب.






الطقس في محطة الوصول خانق لا يطاق. لم أستطع أن أتبين إن كان حاراً أم بارداً. لكنني شعرت بضيق شديد ورغبة عارمة في أن أخلع ردائي. وضعت حقائبي وحاولت أن أخلعه لكنني لم أستطع. تلمست أطرافه فلم أجدها. لم أتنبه إلى أنه قد نفذ تحت جلدي أثناء رحلة سفري الطويلة.

الفراغ من حولي شاسع جداً. أحاول جاهداً أن أملأ هذا الفراغ. أفتح حقائبي أخرج أشيائي أقوم بصفها من اليمين إلى اليسار ... مازال الفراغ من حولي كما هو لم يتغير. أحاول صفها مرة أخرى ولكن من اليسار إلى اليمين ثم من أسفل إلى أعلى أو من أعلى إلى أسفل. أحاول تنسيقها بطرق أخرى مختلفة لكنها في كل الأحوال لا تشكل أي صورة ذات مغزى ولا ينبثق منها أي معنى. 

فشلت محاولات ملأ  الفراغ
الأشياء لا تتشكل  في الفراغ
الأشياء لاتصطف في الفراغ

الأشياء تحتاج إلى المكان لكي تكتمل الصورة.
الأشياء تحتاج إلى المكان لكي  ينبثق المعنى.

وأنا ...
حزمت حقائبي ورحلت
لملمت أشيائي ورحلت
تدثرت سنيني ورحلت

والأشياء لم يعد لوجودها أي معنى.
لأنني ...
 تركت المكان ورحلت.