الاثنين، 25 فبراير 2019

الغرفة القاتلة


هذي الغرفة فيها نهايتي وهي قاتلتي لا محالة من ذلك.



لأنه الفريسة الوحيدة المستباحة في هذا الفراغ المعتم الضيق الكئيب. فإن أسراب الكائنات الماصة للدماء تزحف إليه  في جماعات من شقوق السقف المثقوب فوق رأسه. جماعات من فصائل أخرى تنبثق من الفراش تحت جسده الضامر النحيل. جميعها إتفقت على أن تستمر في تعذيبه طالما هو حي في يقظته وفي منامه. لا سبيل إلى مقاومتها لأنها هي الأصل في هذا المكان. كانت تقطن هنا قبل مجيئه وسوف تظل بعد رحيله كغيره ممن جاءوا وذهبوا. أنا الغريب على المكان على الرغم من سنين الألم الطويلة التي قضيتها فيه رغماً عني.

إذا تمددت على الفراش المسكون تحتي يرقبني هذا السقف المهترأ من فوقي ويتحين مني إغفاءة  ليعلن عن حنينه المكبوت للإلتصاق ببلاط الغرفة فيبدأ في هبوطه التدريجي المستمر مقلصاً المسافة بينه وبين الأرض غير عابئ بالجثة الملقاة في ما بينهما حتى أحس بأنفاسي ترتد ساخنة على وجهي. أفتح عيناي لأجده قد لامس أنفي. لذا أنام دائماً بنصف عين مفتوحة أو لا أنام.

عندما أقف أو أسير حافياً على البلاط  العاري ذو النقر السوداء وأنا شارد الذهن كعادتي أفيق على  جدران الغرفة المتشحة بالبقع المتقيحة من الأرض إلى السقف تزحف نحوي من كل الإتجاهات وتكاد تطبق على عظام صدري وتهشمها. لا أجد الهواء الكافي لكي أتنفس داخل هذه الغرفة  التي ليس لها نوافذ وبابها الذي يتجه ناحية الشرق خشبه ردئ قد نخر قلبه السوس ولا يكاد يسد منفذها. أكاد أختنق في هذه الغرفة بلا هواء.

الغرفة تقتات على البقية الباقية من عقلي والحشرات اللزجة على ما بقي في أوردتي من دم قد تعكر لونه.

أهرب من الغرفة إلى فراغ السطوح الضيق أمامها. لابد وأن أضع حداً لهذة التعاسة التي تحيط بي أنا وحدي. لا يمكنني الإستمرار على هذا النسق مهما حاولت أو أعدت المحاولة فمثلي لا مكان لهم في هذا العالم القمئ. لابد أن أضع النهاية بنفسي ولا أنتظرها. الإنتظار أقسى من المواجهة الآف المرات. أنظر حولي أصعد السور الذي يعلو البناية العالية التي أقطن في غرفة فوق سطوحها أقف منتصباً أنظر إلى الأسفل البعيد حتى أرى الأشجار والمارة والسيارات أحس بدوار في رأسي فأنا مصاب بداء الخوف من الأماكن المرتفعة وأسقط أنا في الفراغ بينما يسقط هو إلى الداخل فوق الأرض.

فزعت قليلاً وأنا أبدأ في السقوط الحر ولكنني تماسكت عندما أحسست على الفور بنسمة خفيفة باردة تحملني برفق وأنا متجه إلى الأسفل. في سقوطي بدأت أراقب البناية من الخارج. النوافذ الزجاجية تشي بما  وبمن وراءها. غرفة جلوس تشغلها عائلة مجتمعة تأكل الحلوى وتشاهد التلفاز. غرفة أطفال يلهو من بداخلها بهمجية طفولية  بريئة مبعثرين كل محتوياتها وهم يضحكون. غرفة نوم جديدة في أثاثها وقاطنيها. يظهر ذلك بوضوح من المسافة المتناهية في الصغر بين جسديهما المكشوفين. حمام كبير حمام صغير مطبخ. قاربت رحلة السقوط على النهاية. ليتني كنت أستطيع التغلب على الجاذبية الأرضية ولو للحظات قليلة لأكمل بعض التفاصيل الهامة في مشاهداتي المتلاحقة إلى الأسفل.

كان أول إرتطام رقيق لي بغصن شجرة خضراء. هنا تخلت عني تلك النسمة الرقيقة التي حملتني إلى أسفل. غادرتني مبتسمة ولوحت لها شاكراً. 

بدأ شعاع من الضوء يتخلل الأغصان موقظاً بعض الكائنات من حولي. بدأت أراقبها في صمت وهي تغادر مكامنها في نشاط وتفاؤل لتبدأ رحلتها اليومية في البحث عن رزقها الذي قدره الله لها تاركة خلفها صغارها على أمل العودة السريعة. تبادلت هذه الكائنات أصوات جميلة ملأت المكان سعادة وهي تحيي بعضها تحية قدوم الصباح. رفرف أحدهم بجناحيه مغادراً الفرع الذي وجدتني فوقه محدثاً تياراً من الهواء حملني إلى الأسفل ولكن هذه المرة على الأرض.

وقعت بجوار جحر صغير يقطنه "إبن عرس" مع صغاره. يلهو الصغار داخل الجحر فرحين بقدوم النهار وما يتبعه من طعام ومشاهدات كثيرة مسلية من هذا الثقب الذي يدخل منه الضوءالآن ويغادر منه الكبار ومنه يعودون. يروقني تكوين جسد هذا الكائن الذي يعيش بين الناس في ذكاء وحصافة ليس لهما مثيل. جسده الطويل نسبياً بالمقارنة لأرجله القصيرة يجعلان مشيته السريعة الخاطفة مسلية جداً. والأكثر تسلية هو منظره وهو يقف الآن على رجليه الخلفيتين فقط رافعاً كل جسده لأعلى وممسكاً بشئ في يديه يبحث في داخله عن طعام له ولصغاره. وهو لذكائه لايثير حفيظة الأطفال فيهاجمونه كلما شاهدوه بل يبتسمون لمرآه وهو يجري مسرعاً عابراً للطريق ومختفياً تحت السيارات  الساكنة.

قط أبيض ذو رأس وذيل أسودين وشوارب طويلة يصحو من نومه متثاقلاً. يتمطى يفتح عينيه في كسل واضح ليستقبل أشعة الشمس المنعشة على وجهه وجسده.
يراني لأول وهلة فلا يأبه بي وعندما بدأت أتحرك بدأ في الإنتباه محاولاً التعرف على هويتي. وضع بطن كفه الناعم فوقي وانتظر قليلاً ثم رفع كفه عني و بقيت ساكناً للحظات وهو يرقبني وعندما هممت بالحركة مرة أخرى عاد ووضع كفه فوقي.عندما تكرر هذا المشهد عدة مرات تيقنت أنه يريد أن يلهو قليلاً قبل أن ينهض باحثاعن رزقه هو الآخر  وأن اللعبة تروق له. أخيراً أصابه الملل مني وتركني وانصرف عني. 

على الجانب الآخر كلب أنثى ينام على جنبه وصغاره الكثيرون فوقه يتدافعون لينالوا حظهم من لبن الصباح وهو مستسلم لهم في سرور ظاهر. أخذ الصغار بعد ذلك يلهون على الرصيف وفوق الأسفلت وهم يتابعون حركة المارة حولهم  ويأنسون لمداعباتهم وخصوصاً الأطفال الصغار. 



نسمات أخرى رفعتني قليلاً وهبطت بي إلى اللون الأخضر  الذي يبعث على الراحة والهدوء وبداخله كائنات كثيرة أدق حجماً تجري يميناً ويساراً وتتحرك بنشاط ظاهر ذهاباً وإياباً تريد أن تنجز مهام يومها قبل أن ينقضي ضوء النهار. بعضها يمشي على أرجل عديدة وبعضها يقفز والبعض الآخر يزحف على بطنه. ألوان أخرى ذات سيقان مرتفعة لها رائحة أخاذة تتفتح من حولي حمراء وصفراء وبنفسجية في هدوء رقيق  لا يقطعه إلا أزيز لكائنات أخرى تهبط برفق فوقها لتشرب من داخل تلك الألوان الزاهية الباعثة على البهجة. وكائنات أخرى أرق وأجمل وأبهى ألواناً ترفرف في صمت وتشرب هي الأخرى من نفس الكأس وتغادر مبتهجة.

بعد منتصف النهار إستلقت معظم الكائنات لتستريح من عناء الكدح اليومي تاركة للشمس مهمة إمدادها بالطاقة اللازمة لها لإكمال دورة حياتها.

عاد "إبن عرس لجحره. لاذ إليه صغاره طلباً للدفء والأمان. وانصرفت أنثى الكلب ومعها صغارها من عرض الطريق.

الكائنات فوق الشجر أيضاً بدأت تعود من كدها اليومي لتحتضن صغارها تهيئة للنوم وهي لا تزال تصدر تلك الأصوات الجميلة التي تودع بها النهار المنصرم وتستقبل بها الليل الآتي. أصعد ببصري إلى أعلى أجد النوافذ التي رأيتها في سقوطي قد بدأ ينبعث منها الضوء الداخلي من جديد واحدة تلو الأخرى. وينتهى بصري من الصعود عند السطوح الحزين. لازلت ملقى على الأرض منذ الصباح. الآن فقط  بدأت أفيق. أتحسس رأسي الذي يؤلمني بشدة من أثرالسقوط من فوق السور. أنظر حولي بفزع شديد. الليل يقبل نحوي بسرعة بلا قمر ولا نجوم حاملاً الظلام الكثيف في طياته. أقوم متثاقلاً أحمل رأسي بين كفي أدخل إلى غرفتي ملاذي الوحيد في هذه الدنيا. أستلقي فوق فراشي مقهوراً وأغيب عن الوعي في نوم عميق. 

يبتسم السقف المهترأ المثقوب من أعلى. لقد حانت له الفرصة أخيراً لأن ينفث عن شوقه المكتوم فبدأ هبوطه التدريجي المستمر مقلصاً المسافة بينه وبين الأرض  والتصق ببلاط الغرفة غير عابئ بالجثة الهامدة الملقاة بينهما.

بدأت الكائنات الماصة للدماء في المغادرة  حاملة معها بقايا الدماء العكرة المتجمدة في الجثة المنقطعة الأنفاس.






عاطف شوشه


الأحد، 17 فبراير 2019

إكرام الميت


دخلت "هي"  في كامل زينتها. وعطرها وأنوثتها يسبقانها. تلفتت حولها حددت وجهتها. وبسرعة سارت مباشرة وبدون أدنى تردد إلى الهدف. ذلك القابع في الزاوية البعيدة. الساهي في  غير إنتباه والذي لم يلحظها وهي تتجه نحوه في إصرار كما -ولحظه التعس - لم يلحظ  منذ ثوانٍ قليلة  دخولها السينمائي الرائع والمبهر. 



وعندما أصبحت في مواجهته مباشرة أخرجت من صدرها الجميل ساطوراً ورفعته بيدها اليسرى إلى أعلى - إذ كانت عسراء - وهوت به على رأس الرجل الضئيل أبيض الشعر  فشجتها وشطرتها نصفين. تناثرت بعض الشظايا من جمجمته تحت المقاعد  الوثيرة.

عادت تجلس في المكان المخصص لها بين الحاضرين مبتسمة تلك الإبتسامة التي تنم عن إرتياح صاحبها لأنه أخيراً قد أدى المهمة التي كان ينتظر الجميع منه تأديتها فجلست مفتخرة بفعلتها وهي ترقب في سعادة ورضاَ هذا البركان الهائل من آلاف الأوراق الذي أخذ يفور من الرأس المشطور ويملأ المكان ويغطي كل شئ. 

وبعد أن ساد الصمت لفترة وجيزة. صاح أحد الحاضرين: "إكرام الميت . . .".

 قام حفار قبور عتيق في مهنته واتجه إلى الرجل وهو مازال ينزف بين الحياة والموت. أخذ مقاسات الجثة المستهدفة بدقة أبهرت المشاهدين الذين صفقوا له وذلك تمهيداً لحفر القبر.

قام رجل آخر برسم القياسات على الأرض بالطباشير الأبيض في وسط الغرفة. المقاسات تبدو أنها لا تلائم الحجم المرأي للجثة بأية حال.

أتوا بالكتبة من كل نواحي الأرض. من كل مكان وجنس ولغة ولون وعقيدة ودين. أتوا بالأحياء منهم والأموات وفي أرجلهم السلاسل الحديدية الثقيلة يحملون أقلامهم المدببة الأطراف وأخذوا يحفرون بها الحفرة المقبرة. 
قام أحد الحاضرين متطوعاً يجلدهم بسوطه عندما تململ الحاضرون من تباطؤهم وكسلهم في أداء المهمة التي وكلت إليهم.



ولقتل "الوقت" أيضاً - بعد قتل الرجل - قام أحدهم يلقي مرثية المحتضر ومادام سيدفن الآن هنا تحت أرجلنا بعد قليل فلا مانع من دمج خطبة الدفن مع المرثية. إنتبه المجودون . 
وما أن وقف الخطيب بجوار كرسيه حتى نبت في رأسه زوج من الآذان الطويلة المشرعة فقدموا له على الفور حزمة من البرسيم على سبيل فتح الشهية. 
نهق الرجل كثيراً. لقي نهيقه إستحسان الحاضرين جميعاً وبدا ذلك واضحاً في قسمات وجوههم. عند التصفيق إنحنى الرجل - تسبقه أذناه - ليحيي جمهور المسرح في الصاله ولم ينس إيماءة خاصة لصاحبة العرض والتي تجلس في البنوار. شجعه أحدهم على الإستمرار مذكراً إياه بصوتٍ عالٍ : "إن أنكر الأصوات . . . ". هز الراثي الخطيب رأسه متاثراً بهذا الثناء الحار وهو يجتر بعض أعواد البرسيم التي تناولها مجاملة لمن قدمها له إذ كان جوفه مازال مملوءاً بالتبن مذ ألقى مرثيته السابقة منذ وقت غير بعيد. إستمر في نهيقه بنبرة أعلى من ذي قبل ليكافأ الحضور على استحسانهم لنهيقه فنهقت لهديره كل حمير الأحياء المجاورة وتحركت أذناه الطويلتان طرباً لكلماته. 

أنهى جيش الكتبة العبيد أخيراًعملية الحفرالمنهكة فقام الرجال من فوق كراسيهم المريحة ليؤدوا في عناء ظاهر دورهم المشرف في إكرام الميت. حاولوا إدخاله في الحفرة مع كل الأوراق التي ملأت الغرفة والتي مازالت تفور من الشج في رأسه. لم تتسع الحفرة فأخذوا يطئون الأوراق ويدفعونها بنعالهم ليجبروها على أن تدخل مع القتيل في قبره. 

إلتصقت الكلمات بأحذيتهم فأحسوا بالقرف الشديد يغمرهم وأخذوا يحكون أسفل نعالهم في ظهور المقاعد ليتخلصوا من تلك الكلمات السخيفة اللزجة. بدأت الكلمات الزحف لأعلى لتغطي أجزاءاً من أجسادهم.



تصبب هذا السمين عرقاً وهو يحاول محو  الكلمات العالقة بيده فمدها ليمسح عرقه فالتصقت الكلمات بجبينه وبرأسه الصلعاء. أحضر سائلاً كيمائياً حارقاً مزيلاً للبقع والخطايا حك به جبهته ورأسه فاحترقتا. صار ألم الحريق لا يحتمل  ولا تزال الكلمات الملتصقة في مكانها تغطيه وتمنعه من التنفس. لما أعياه الجهد وهو يصارع الكلمات العنيدة تناول سكيناً وجز به رأسه فتدحرجت على أرض الحجرة وسقطت في الحفرة القبر.


حاول آخر أن ينفض الكلمات من فوق بذلته الأنيقة ولكنها كانت قد إلتصقت بها وغارت بقماشها حتى وصلت إلى جلده. جاء بمقص وأخذ يقص بعصبية الكلمات والقماش وجلده السميك تاركاً حفراً عميقة في جسده أخذت تنزف سائلاً أصفر كريه الرائحة. أخذ السائل يتحرك  كالثعبان في مسارب آخرها فوق الأوراق المقبورة فوق الرجل المقبورفي الحفرة القبر.

تحرك الرجل القتيل ببطء في  قبره  ثم بدأ ينهض نافضاً من فوق صدره الرأس الصلعاء المجزوزة وأكوام الأوراق والكلمات التي إختلطت  بالسائل الأصفر الكريه. 

أخذ يزحف أسفل المقاعد باحثاً تحت النعال عن شظايا جمجمته المشطورة.




عاطف شوشه



السبت، 16 فبراير 2019

الموت حياً أو الحياة ميتاً

شعرت بالراحة والطمأنينة لأول مرة في  حياتي منذ أن آويت إلى داخل هذا الكتاب.



أصبح هوالآن ملاذي الآمن من ضجيج الماكينات التي كانت دائماً ما تزمجر من  حولي. 

أتذكر كالحلم أنني كنت هناك حيث  الهواء النقي بلا ثمن. حيث اللون الأخضر يملأ الفراغ الممتد أمام عيني. حيث اللون الأزرق دائماً فوقي . كنت أخرج أحياناً لأستمتع بضوء الشمس مخاطراً بحياتي إذ  كنت دائماً فريسة منتظرة لهؤلاء العماليق ذووالأجنحة المبسوطة. كنت وقتها  إذا ظهرت إحداها في الأفق أختبئ هارباً إلى الظلام  أراقب ما  يجري في الخارج من ثقب ضيق. مرة فقد صديق لي في هذا الجحر حياته وهو يحاول  الخروج  إلى الشمس وأنا أنظرإليه ولم أستطع إنقاذه. جبنت وضننت بحياتي لما خفت. لا زلت أتذكر نظراته المتوسلة إلي وهو يغيب  في الفضاء العلوي. لم يصرخ أبداً مع  أنه كان يتألم بشدة. أتذكر الآن أنه مثلي لم يكن له حنجرة يصرخ منها.

الضجيج يملأ المكان فجأة  والغبار وعماليق  بلا أجنحة  ولكن أكثر قسوة  وضراوة  نقبت كل  الأماكن وفتشت  حتى تحت الأوراق الذابلة وحملت  كل شئ ورحلت. وحملت أنا رغماً عني وكهفي مع الأنقاض المرتحلة ومع  كل الأشياء  الأخرى . حلقي جاف وجوفي  مليئ  بالغبار الكثيف . إلتفت خلفي أستجدي النظرة الأخيرة لأستبقي المشهد الراحل في ذاكرتي وبكيت.

لا أذكر كم مر علي من الليالي والأيام وأنا في  هذا الكهف المظلم  أموت  جوعاً وبرداً وحرارة  وقيظاً. بعض الخنافس السوداء وجدت طريقها إلى مكمني تستجدي بعض الدفء وبعض الألفة. ظللنا  أصدقاء  لفترة من الزمن فكان هذا أفضل لكل منا من  وعورة الوحدة وقسوتها. تقاسمنا القوت القليل المتبقي ولم يتعد أحد  منا على  الآخر. وجاء وقت رحيل  الخنافس  كما تفعل كعادتها  كل عام فذهبت وتركتني وحيداً أرقب رحيلها الحزين.

ضجيج شديد  يملأ  الجو مرة أخرى. صرت أخاف من الضجيج لأنني لا أعلم ماذا سيأتي بعده. لم يأت الضجيج هذه المرة إلا بضجيج آخر. أختبئ في داخلي أسد أذني ألجأ مرة أخرى إلى الظلام أستجديه لعله ينقذني هذه المرة من الضجيج. أحفر أكثر وأكثر وأغوص في الداخل أعمق وأعمق.أهيل على نفسي  بقايا الحفر والنفايات ليزداد  الظلام حلكة ووحشية.
ينشق المأوى فجأة إلى نصفين أحمد الله أنني كنت في الشق الآخر مشغول باستدعاء مزيد من الظلام من حولي. في الليل وعندما خفت الضجيج وساد السكون هربت خوفاً من إنشقاق آخر قد لا أكون مستعداً له. 

وجدت ملاذاً آخر تفوح رائحته الجديدة بشئ محبب  إلي إفتقدته منذ زمن الإخضرار والزرقة. آنستني هذه الرائحة وخلدت إلى النوم العميق بعد سنين من التنقل والسهر والأرق والقلق والقهر والضجيج. أحسب أن هذه هي نهاية الرحلة. رحت في سُباتٍ عميق. حلمت بصديقي وهو يحلق في الأفق بنظراته المتوسلة. أحن إلى صديق يؤنس وحدتي. ولكن الكائنات هنا من نوع آخر. قد لا تكون من العماليق في حجمها ولكنها أكثر شراهة وبلا رحمة وبلا قلب أيضاَ. ترى إلى أي مدى يمكنني أن أستمر في  العيش بين هذه المخلوقات المريبة وفي عمق هذا الضجيج الذي لا يتوقف عن أن يقتات على ماتبقى من عقلي. 

كم من الوقت سأنجح في الإختباء والإختفاء حتى ينكشف أمري وأتعرى من مأواي ومن كل ما يواريني وأصبح فريسة منتظرة لهولاء الشرهين عديمي القلوب. 

إستيقظت على أصوات غريبة بعدها حُملت وأنا داخل مخبأي المظلم إلى مكان ذو رائحة مختلفة. أتعجب كيف أنني دائماً لا أملك من أمري شيئاً. لماذا خلقت أنا هكذا يحملني الآخرون إلى حيث يريدون بدون إذن مسبق مني. يهدمون مأواي مرات عديدة وفي كل الأحوال يهددون وجودي وأمني  وحقي في الحياة والإستمرار على النهج الذي أرتضيه لنفسي. الجواب على كل هذه الأسئلة سهل وبسيط ولا يحتاج إلى فلسفة كثيرة. لأنني الحلقة الأضعف في سلسلة المخلوقات العملاقة وغير العملاقة أيضاَ. والآن أنت تشيخ وتصبح أكثر ضعفاً وأكثرعرضة للإلتهام المحموم  الذي  تراه يدور من حولك. 

وصلت إلى مكان ما أهدأ قليلاً ولكن المخلوقات حولي من النمل الأبيض والأسود تحيط بي من كل  جانب وتتأملني. أشعر بأنها تنتظر مني أن أغفو كي تلتهمني . على  الأقل ليس  لديها الجرأة على أن تلتهمني وأنا منتبه مفتوح العينين. عملاق  صغير بجناحين معلق في الأعلى يراقبني هو أيضاً كفريسة محتملة جداً. أنتظر قدوم الليل بأعين  مسهدة تحترق من الخوف. يمل النمل بلونيه من الإنتظار وينام من تعب اللاجدوى. العملاق  الصغير يغلق عينيه هو الآخر  وينام  ورأسه يتدلى نحوي.   فرصتي  سنحت للهروب  مرة أخرى. 



منذ أُخرجت  عنوة من مأواي الأصلي وأنا أقوم بالهروب. أصبحت أتقن صنعة الهروب من الخطر وفي الوقت  المناسب ولكنه الهروب إلى الداخل المظلم الشديد الحلكة والوحدة. ماذا يهمني غير أنني مازلت حياً ولو حتى في الظلام أوالوحدة. أعتقد كثيراً أنني من هذا النوع الذي خلقه الله لا يخاف ظلاماً أو وحدة. 

تذكرت هذا التاريخ الطويل من الحياة والهروب وأنا في ملاذي الآمن داخل هذا الكتاب على هذا الرف البعيد بجوار إحدى النوافذ التي مافتئت تذكرني بدورة الليل والنهار فأتذكر أنني مازلت حياً وقليل من القوت حولي يكفيني حتى  يحين موعد فنائي القريب. فأنا أعتقد أيضاً أنني من هذا النوع الذي لا يعيش طويلاً.

لم أعدم الحظ الجيد هذه المرة وهذا ما لم يحدث لي من قبل ذلك. إذ لا تلتفت المخلوقات الجديدة  من حولي  كثيراً إلى هذا الكتاب القديم المغلق على ما بداخله منذ عقوداً بعيدة والذي آوي إليه الآن مطمئناَ. أراهم في بعض الأحيان  وهم يمرون أمامي ولكنهم لا يلتفتون وكأنهم  فقدوا أعينهم التي ترى.  ولذلك أصبحت أكثر جرأة  من ذي قبل إذ أخرج  في  بعض الأيام من ملجأي بل و حتى أنني قد أترك  الكتاب مفتوحاً وأستلقي  في الشمس التي تمر عبر زجاج النافذة المغلقة أو لكي أسير إلى آخر الرف عند الحافة الخطرة. أحاذر ألا أسقط. أستنشق بعض الهواء الجيد.  ويسعدني  كثيراً أنهم يمرون من  أمامي ولا يلاحظون وجودي وسفوري.

أعود من  جديد إلى مكمني. أتمطى قبل أن أدخل وأغلق  الكتاب ورائي.



عاطف شوشه





الأحد، 10 فبراير 2019

إن المساجد لله

دخلت المسجد في يوم الجمعة الماضي والمؤذن يؤذن لصلاة الفجر فظللت واقفاً منتظراً  إنتهاء الآذان  كما هي  العادة  حتى أصلي ركعتي  السنة.  



وما أن إنتهى الآذان وبينما أنا أدعو بدعاء  نهايته إذ بهذا الرجل الضخم بعباءته السوداء القاتمة والذي لاحظت أنه  كان يثبت نظره علي منذ دخلت المسجد يقوم من مكانه ويتجه نحوي مع سبق الإصرار وعينيه الضيقتين لا تخلوان من شر حتى هُيأ لي أنه سوف يقوم بأمرسئ كأن يضربني مثلاً وأنا لا أفهم ما هو سبب هذا السلوك العدائي نحوي وأنا منذ انتظمت للصلاة في هذا المسجد الصغير بجوار المنزل منذ حوالي السنة أو ما يزيد بقليل  لم أزد عن  ترديد السلام بصوت خفيض على من حولي عند دخولي وخروجي من المسجد. 
وصل الرجل في مواجهتي وبدأ يلومني على أمر ما فعلته عند دخولي المسجد مما جعلني أحس بالحرج الشديد بين العدد القليل من المصلين الموجودين حولي وإن كان أي منهم لم يلتفت لينظر ماذا يحدث ولكنه من المؤكد أنهم جميعاً قد سمعوا ما قاله الرجل الضخم الذي كانت نبرة صوته تنم عن الإستياء وكأنه كان قد اختزن ضيقه وكظم غيظه مني منذ مدة ليست بالقصيرة حتى سنحت له  الفرصة أخيراً لكي ينفث  ما بداخله في هذه اللحظة بالذات. 

تأسفت للرجل بسرعة عما بدر مني ولم تكن هذه هي المرة الأولى التي ألاحظ فيها أنه يراقبني بضيق خفي لم أعرف سببه حتى الآن. صليت ركعتي السنة أنا ومن حولي وشغلني عن الصلاة ما حدث لي منذ لحظات قليلة وأخذت قراري وأن أصلي. فما أن انتهيت من الصلاة حتى كنت قد عزمت أمري فقمت مولياً ظهري للجميع وفتحت باب المسجد وخرجت متوجهاً إلى مسجد آخر يبعد بعض الشئ عن المنزل ولم أنظر خلفي عازماً على ألا أعود للصلاة مرة أخرى في هذا المسجد الصغير.

تذكرت وأنا في طريقي إلى المسجد الآخر قصة قرأتها منذ فترة  لرجل لم يقرب أو يدخل أي مسجدٍ طيلة خمسون عاماً وكان ذلك بسبب أحد الشيوخ الذي نهره مرة بشدة وهو طفل صغير داخل أحد المساجد لأمر ما أخطأ فيه فخرج ولم يعد لهذا المسجد أو  إلى أي مسجد آخر مدة خمسون عاماً. وأخذت أفكرعلى عاتق من يقع ذنب هذا الطفل الصغير الذي صار كهلاً وهو لا يستطيع أن يدخل مسجداً بسبب عقدة نفسية سببها له هذا الشيخ ولعله كان من القائمين على ذلك المسجد مثل هذا الذي سبب لي هذا الحرج الشديد بين المصلين مما جعلني أغادر المسجد لا هاجراً لكل المساجد كما فعل هذا الطفل الصغير ولكن لمسجد آخر. وتذكرت على الفور أن من أسماء الله "العدل" فكففت عن التفكير.

وهذا الأمر قد لاحظته كثيراً من قبل. فهولاء الذين يقومون أو القيمون على هذه المساجد  الصغيرة يعتبرون أنفسهم من طبقة أعلى من طبقة المصلين العاديين ويسمحون لأنفسهم بمراقبة المصلين الآخرين كما يسمحون لأنفسهم بأشياء أخرى كأن يرفعوا صوتهم داخل المسجد وأن يناقشوا أموراً فيما بينهم بينما آخرون يصلون أو يقرأون القرآن أو يدعون الله  فيشغلونهم عما هم فيه من العبادة. وإذا لفت أحد نظرهم لهذا الأمر يقومون بالتفكه والتندر عليه بعد خروجه من المسجد كأن يقول أحدهم للآخر بتهكم : "الأستاذ بيقول إن إحنا بنشوش بصوتنا العالي على الناس اللي بتصلي" ويبتسم هذا الآخرابتسامة معناها الوحيد هو السخرية و اللامبالاة.  وقد سمعت هذا التعليق بنفسي في هذا المسجد.

ألم يعلم هولاء بالقول الحكيم الذي يقول: "إذا نصحتني في السر فقد نصحتني وإذا نصحتني على الملأ فقد فضحتني". 

ألم يعلم هؤلاء بأن المساجد لله وإن كانوا هم الذين بنوها أوهم الذين يقومون عليها.  
ألم تكن قريشاً هم  سدنة بيت الله الحرام وهم القائمون بكل أموره وكانوا يفتخرون على العرب بذلك ويحتكرون هذا الأمر ويتشددون فيه حتى أنهم فرضوا ألا يطوف بالبيت إلا من كان يلبس ثياباً قرشية. فما كان من زوار البيت الحرام وحجاجه إلا أنهم أجبروا على أن يشتروا تلك الملابس عند قدومهم إلى مكة. ومن لم يكن يملك المال اللازم للشراء لم يكن أمامه إلا أن يطوف بالبيت عرياناً. حتى أن إحداهن نظمت في حالها شعراً وهي في ذلك الموقف فقالت عن إضطرارها الطواف عارية حول الكعبة :

اليـوم يبدو بعضه أو كله 
ومـا بـدا مـنـه فـلا أحـلـه 
جهم من الجهم عظيم ظله 
كـم مـن لبيب عقـله يضله 
ونـاظـر يـنـظر مـا يـمـلـه


أفكرفي أنني يجب أن أتخذ إجراءاً ما تجاه هذا الرجل الضخم ذو العباءة السوداء إذا لم يكن بسبب ما فعله معي فليكن بغرض ردعه عن تكرار الذي حدث مع شخص آخر أو طفل آخر ولكنني تذكرت قول الله تعالى: "إن الله يدافع عن الذين آمنوا . . ". ولي مع الله عز وجل سابق عهد طويل بالدفاع عني بغير عناء مني. فدعوت الله: "اللهم إني أتبرأ من حولي وقوتي إلى حولك وقوتك. اللهم إن كنت من الذين آمنوا حقاً فإني وكلتك في الدفاع عني"

وصلت إلى المسجد الآخروجال بخاطري وأنا أهم بالدخول خاطرجميل: "إن هذا كله بتدبير وبأمرمن الله سبحانه وتعالى ليجعلك تمشي خطوات أكثر في هذا الطقس البارد إلى مسجد أبعد فتنال ثواباً أكبر".

"وكذلك يريد الله أن يمن عليك  .  ."

حمدت الله كثيراً ودخلت المسجد.










الجمعة، 8 فبراير 2019

قولوا لعين الشمس

 هذه الأغنية الحزينة التي يغنيها الشعب المصري عندما يحين وقت وداع الأحباب لا يعرف التاريخ  من هو مؤلفها الأصلي وهي تعتبر من الأغاني التراثية الجمعية التي غناها أكثر من مغن وأشهرهم بالطبع هي الفنانه شاديه واستخدم كلماتها اكثر من شاعر في أكثر من مناسبة.


والشاعرالمبدع نجيب سرور كتب مسرحية تراجيدية شعرية تحت إسم "قولوا لعين الشمس". وكان لأصوله الريفية وعبقريته الفنية كثيراً ما يستخدم التيمات الشعبية والموروثات الريفية الأصيلة في أعماله الأدبية.
وشاعر العامية  المصرية بيرم التونسي استخدم الكلمات ليودع بها سعد زغلول عند رحيله إلى منفاه والذي قرر الإنجليز أن يكون في جزيرة سيشل. فقال بيرم في وداع سعد: "قولوا لعين الشمس ماتحماش أحسن غزال البر صابح ماشي".


 ولمعرفة حكاية هذه الأغنية علينا  أن نعود بالزمن للوراء لبدايات القرن العشرين، وتحديدا مطلع عام 1910، حيث كانت مصر تحت الاحتلال الإنجليزي، وكان الحاكم وقتها هو الخديوي عباس حلمي الثاني وهو اخر من حمل لقب الخديوي حيث تم خلعه في مايو عام 1914 وتعين عمه حسين كامل سلطان على مصر لينتهي عصر الخديوات.
كان رئيس وزراء مصر هو بطرس باشا نيروز غالي، وكان قد جهز مشروع لمد امتياز قناة السويس لمدة 40 عاما أخرى أي أن الامتياز يمتد حتى عام 2008، ولكن في أكتوبر عام 1909 استطاع الزعيم الوطني محمد فريد ان يحصل على نسخة من المشروع الذي يعده بطرس غالي، لتبدأ حركة وطنية هدفها مناقشة المشروع في الجمعية العمومية للبلاد، وبالفعل يرضخ الخديوي لمطالب الحركة الوطنية بزعامة محمد فريد ليقرر ان يتم مناقشة المشروع في الجمعية العمومية يوم 10 فبراير عام 1910.
ويقول "مؤمن المحمدي في كتابة كل العواطف حكاية 100 غنوة والذي يعد مصدر تلك الحكاية برمتها" إن وقتها كان حاضر اجتماع الجمعية العمومية شاب مصر يدعى إبراهيم ناصف الورداني، وهو وحده توصل لحل جذري ونهائي لتلك المشكلة وأزمة مد امتياز قناة السويس ولكن تلك الفكرة كانت دموية.
إبراهيم الورداني كان يعمل صيدلي درس الصيدلة في سويسرا ثم سافر إلى إنجلترا لدراسة الكيمياء وعاد إلى مصر عام 1909 وانتمى للحزب الوطني الذي كونه مصطفى كامل وزعمه من بعده محمد فريد، وانضم لجماعة سرية لمقاومة الاحتلال وكانت تدعى "جمعية التضامن الاخوي".
حل إبراهيم كان يتلخص ببساطة شديدة في اغتيال بطرس غالي، فمن وجهة نظر الورداني كانت جرائم غالي قد عظمت فمن رئاسة محاكمة فلاحين دنشواي، وقانون المطبوعات الذي كان يصادر الصحف ويغلقها، واتفاقية الحكم الثنائي لإقليم السودان التي جعلت إنجلترا تحكم السودان بالمشاركة مع مصر، فتربص له إبراهيم الورداني يوم 20 فبراير عام 1910، الساعة 1 ظهرا أمام وزارة الحقانية "العدل" وأطلق عليه 6 رصاصات أصابته اثنين في رقبته فمات على الفور وتم إلقاء القبض على إبراهيم الورداني.
لم ينكر إبراهيم الورداني فعلته بل اعترف بها وانه قام بقتل "خائن" كما يقول، لتصبح تلك الحادثة هي اول حادثة اغتيال سياسي في مصر الحديثة، وفي 21 ابريل 1910 عرض الورداني على المحكمة والتي حكمت بإعدامه في 18 مايو وطلبت المحكمة رأي المفتي "بكري الصدفي"، والذي قال أنه لا يجوز إعدام مسلم بدم غير مسلم، ولكن المحكمة قررت رفض رأي المفتي وتنفيذ الحكم الذي تم في 28 يونيو من نفس العام.
وتحولت القضية لرأي عام وكان الشارع المصري كله يتعامل مع الورداني بصفته البطل الذي خلص مصر من أحد الخونة، لدرجة أنه تم تجهيز وتلحين وغناء الاغنية يوم إعدامه.
وبعد مرور أعوام واعوام أعاد مجدي نجيب كتابة كلمات الاغنية ولحنها بليغ وغنتها شادية.
 ولكن ليست تلك نهاية قصة الاغنية، فعقب نكسة يونيو 1967 قامت الإذاعة الإسرائيلية ببث اغنية "قولوا لعين الشمس" بصوت مطربة إسرائيلية بعدما تم تغيير الكلمات إلى " قولوا لعين الشمس ما تحماشي أحسن الجيش المصري صابح ماشي" وبناءا عليه قامت الحكومة المصرية بمنع إذاعة الأغنية المصرية التي غنتها شادية.
قولوا لعين الشمس ماتحماشى
لحسن حبيب القلب صابح ماشى
يا ليل يا ليل يا ليل يا ليل يا ليل
ماشى حبيبى ماشى
ماشى ده بكرة ماشى

قولوا لعين الشمس ماتحماشى
لحسن حبيب القلب صابح ماشى
يا حمام يا حمام طير قبله قوام يا حمام
خليله يا حمام الشمس حرير يا حمام
وياناس لو غاب يا ناس
خلوه يبعتلى سلام
دى الآه بقولها وهوا ما يدراشى
وفى بعده طعم الدنيا مايحلاشى

لا هانام ايام ولا حتى هاشوف احلام
ايام وازاى لو غاب هاتفوت الايام
ويا ناس لو غاب يا ناس
خلوه يبعتلى سلام 
دى الآه بقولها وهوا ما يدراشى
وفى بعده طعم الدنيا مايحلاشى

آه يا ناس آه يا ناس
مطرح خطاويه ما تروح
أسقوه بحنان أسقوه ردوله الروح
وقولوله لو غاب يا ناس
خلوه يبعتلى سلام 
دى الآه بقولها وهوا ما يدراشى
وفى بعده طعم الدنيا مايحلاشى

عاطف شوشه

https://www.esm3.com/song-4031.html

الخميس، 7 فبراير 2019

الحضرة (العباسية حبيبتي 6)


"مــدد يا ســيــدي الدمـرداش الـمــحمــدي مــدد"




حامل الفانوس الخشبي الكبير ذو الزجاج الملون العتيق يحمله بكلتا يديه. وهو في هيئته الجادة  الوقورة ونظراته الحادة الودودة واقفاً ينتظرعند أحد أبواب المسجد وصول الخليفة وتابعيه. عند وصولهم تقدمهم حامل المصباح بحركات مدروسة وخطوات ثابتة في مسار معروف وهم يتبعونه في صف واحد إلى قاعة المقام تحت القبة الرئيسية. عند الباب المؤدي إلى داخل القاعة يتنحى حامل الفانوس جانباً ويتقدم الخليفة وتابعيه إلى الداخل فيقف كل من في القاعة إحتراماً لدخول الخليفة الذي يتوجه إلى كرسيه ذو الظهر العالي والذي بذل الخدام وقتاً ليس بالقصير ليضعوه في مكانه الصحيح فوق السجادة العتيقة وعلى يسار حامل الشمعة الضخمة. يجلس الخليفه فيجلس الناس وعلى رؤوسهم الطواقي البيضاء وكالعادة في كل يوم خميس بعد صلاة العشاء تبدأ مراسم الحضرة.


"مــدد يا ســيــدي الدمـرداش الـمــحمــدي مــدد"

والمدد لا يطلب إلا من الأبــدال  فهذه هي وظيفتهم التي وكلهم الله عز وجل بها. والأبــدال هم من أولياء الله الصالحين وعددهم أربعون في كل عصر ووقت لا ينقصون أبداً إذ أنهم لو نقصوا لهلك الحرث والنسل ومنع الغيث وعم القحط وإذا مات منهم واحدٌ أبدل الله به غيره ليتم عددهم كما قدر لهم  الله أن يكونوا. عن طريقهم يرسل الله المدد إلى جميع الموجودات من خلقه من الناس والدواب والنبات والجماد. وهم موجودون على مر السنين والأيام ولكن إذا فسد الزمان يختفون بين الخلق ولا يظهرون أنفسهم للناس ولا يكون ظهورأحدهم إلا بإذن من الله تعالى.


مرت بخاطري هذه الخواطر وأنا أجوب أنحاء معرض   القاهرة الدولي  للكتاب هذا العام في مقره الجديد البعيد الأنيق فهو مناسبة لا أخطئها أبداً في كل عام وأنتظر قدومها كانتظاري قدوم أيام الأعياد. ففي إحدى القاعات وعلى أحد الرفوف المهملة التي لا يقف عندها أحد من الزائرين أخذني إسم كاتبة لم أتوقع أن أرى لها كتاباً في يوم من الأيام ليس فقط لأنها من عهد سابق ولكن لعلمي أنها واحدة من الكاتبات المصريات اللاتي أبدعن أدبهن باللغة الفرنسية وقد توفيت رحمها الله عام 1968م فى ايطاليا.  
 هذه هي الأديبة الشهيرة قوت القلوب الدمرداشية إبنة الشيخ عبدالرحيم مصطفى صالح المعروف بالدمرداش باشا وكان خليفة الطريقة الدمرداشية الخلوتيه وقد دامت مشيخته للطريقة أربعاً وخمسين سنة وتوفي رحمه الله عام 1348هـ/1929م ودفن فى قبر أعده لنفسه فى مستشفاه الخيري الذي أنشأه والمعروف بمستشفى الدمرداش.
أخذني إسم الكاتبة على كتاب لها تحت إسم "زنوبة" ألفته باللغة العربية فاختطفته على الفور من مكانه وأنا أتلفت حولي هل يراني من أحد. لم يسعفني الوقت بعد لكي أقرأه. وأنا سعيد جداً بحصولي على هذا الكتاب الذي سوف أفتخر دائما بوجوده في مكتبتي بغض النظر عن موضوعه ومحتواه أو قيمته الأدبية ولكن فقط للتاريخ الذي يدورحوله إذ أنه سوف يظل يذكرني بسيدي الدمرداش المحمدي ومقامه تحت القبة المملوكية الكبيرة بمسجد الدمرداش ويذكرني أيضاً بالخليفة وبحامل الفانوس وبطقوس الحضرة الصارمة وبمنطقة حي العباسية المحببة إلى قلبي.


كان الجنيد البغدادي جالساً في جامع الشونيزيه فدخل رجل وصلى ركعتين ثم أشار إلى الجنيد فجاءه فقال له الرجل: يا أبا القاسم إنه قد حان لقاء الله تعالى ولقاء الأحباب فإذا فرغت من أمري فسيدخل عليك شابٌ مغنٍ فادفع إليه مرقعتي وعصاي وركوتي فقال الجنيد: إلى مغنٍ وكيف يكون ذلك؟ قال: إنه قد بلغ رتبة القيام بخدمة الله تعالى في مقامي. فلما قضى الرجل نحبه وفرغ الجنيد من مواراته إذا بشاب قد دخل عليه وسلم وقال: أين الوديعة يا أبا القاسم؟ فسأله الجنيد وكيف ذلك؟ قال الشاب:كنت في بعض شأني فهتف بي هاتف أن قم إلى الجنيد وتسلم ما عنده وهو كذا وكذا فإنك قد جُعلت مكان فلان من الأبدال. فسلمه الجنيد ذلك فنزع ثيابه واغتسل ولبس المرقعة وخرج وجهة الشام. 


كتب هذا المقال/ عاطف شوشه




الأربعاء، 6 فبراير 2019

الباقيات الصالحات

الباقيات الصالحات هي أعمال البر والخير والقربات التي يعملها العبد في الدنيا وتبقى لصاحبها ويثاب عليها في الآخرة  وهي التي تبقى لأهلها في الجنات. وصفها الله سبحانه بأنها باقيات لبقاء أجرها، وصالحات لجزيل ثوابها.


قال الله عز وجل: (المال والبنون زينة الحياة الدنيا والباقيات الصالحات خيرٌ عند ربك ثواباً وخيرٌ أملاً).

وقال تعالى: (والباقيات الصالحات خيرٌ عند ربك ثواباً وخيرٌ مرداً). أي: خير ما يعود على عاملها بالثواب، وأفضل ما يبقى أجره ليوم الحساب.

وفي حديث عائشة رضي الله عنها: "أنهم ذبحوا شاة، فقال النبي : ما بقي منها؟ قالت: ما بقي منها إلا كتفها، قال: بقي كلُّها غير كتفها، رواه الترمذي، وقال: حديث صحيح.

والرابط بين الآيات والحديث هو مفهوم "البقاء والفناء" ففي هذا  الحديث يعلمنا رسولنا معنى البقاء أي ماذا يبقى للعبد وماذا لا  يبقى  له. ما  يبقى للعبد هو فقط ما تصلح به آخرته لا دنياه إذ الدنيا فانية بطبعها  فما يكون لها أو يبقى  فيها فهو  فانٍ معها بالتبعية. ولهذا يجب على العبد أن يضع هذا المفهوم لمعنى البقاء أمام عينيه دائماً و يعمل ويجد ويجتهد ويشغل تفكيره بما هو باقٍ أكثر مما هو فانٍ.

ورَوى ابنُ حِبَّانَ والترمذيُّ في جامِعِه أنَّ رسولَ الله صلى الله عليه وسلم قالَ: “لا تزولُ قَدَمَا عبدٍ يومَ القيامةِ حتَّى يُسألَ عن أربعٍ عَن عُمُرِه فيما أفناهُ وعن جسدِهِ فيما أبلاهُ وعن عِلمِهِ ماذا عَمِلَ فيهِ وعن مالِهِ مِنْ أَيْنَ اكْتَسَبَهُ وفيما أنفقَهُ “.

فنحن سوف نسأل في الآخرة عن أربعة أشياء هي العمر والجسد والعلم والمال 
فهولاء الأربع الذين يشكلون مجتمعين كل أعمال الإنسان المحتملة في الدنيا هم من نعم الله وعطاياه أنعم الله وتفضل بهم علينا لنطيعه بهم فندخل الجنة ولا نعصيه بهم فندخل النار فكيف نجعلهم عند السؤال من الباقيات الصالحات التي هي خيرٌ ثواباً وأملاً ومرداً عند الله تعالى إنطلاقاً من تفهمنا ووعينا لمبدأ "البقاء والفناء" الذي  علمنا إياه رسولنا الحبيب في الحديث السابق ؟

ولنبدأ بالعمر, كيف نصلح من أعمارنا ما قد يبقى لنا في الآخرة ويكون فيه خيرٌ لنا ؟

نحن مثلاً عندما ندخل في الصلا ة نجد أننا نسرع في حركاتها قياماً وقعوداً وجلوساً ونحن غالباً ما نقرأ من قصار السور ولا نطيل في الصلاة بتسبيح أو دعاء. فليفكر كل منا لماذا لا  تشغل صلاته إلا هذا الوقت اليسير إذا قيس بسنين العمر وليسأل كل منا نفسه في كل مرة يؤدي فيها الصلاة ما الذي أنوي فعله عندما أنصرف من صلاتي ويجعلني هكذا متعجلاً في إنهاءها والخلاص منها؟ هل أنا منصرفٌ إلى طاعةٍ أوعبادةٍ أخرى سوف يبقى لي أجرها مع الباقيات الصالحات أم أنا منصرف منها إلى لهو ولغو سوف يحسب علي ما ضيعت فيه من وقت ولن يحسب لي.  فإذا كان ذلك كذلك فأنه ليس من الحكمة كما وأنه ليس لنا أي عذر في إختزال وقت الصلاة بهذه الطريقة بل يكون ذلك من باب التفريط في الوقت فيما لا نفع فيه ولا فائدة منه والوقت هو العمر الذي سوف  نسأل  عنه كما  في الحديث السابق. فما يبقى لنا من عمرنا ونحسبه من الباقيات الصالحات هو ما نقضيه في طاعةٍ خالصاً لوجه الله  تعالى وبالطبع ليس هو كتف الشاه.

وكذلك الجسد فما أبلينا منه في طاعة الله فقد بقي وهومن الباقيات الصالحات وما أبلينا منه في معصية فقد فني وذهب.

والعلم تَعلمٌ وتعليم. أما التعلم  فهو ما حصلنا منه باسم الله فقط وليس باسم أحد ولا شئ  سواه تنفيذاً لأمره "إقرأ باسم ربك الذي خلق" سواءاً في ذلك أكان علماً دينياً أو دنيوياً فهو حينئذٍ من الباقيات الصالحات وتعليم ما حصلنا وما تفضل به الله علينا من علمٍ تعليماً خالصاً لوجه الكريم دون رياء أورغبة في الشهرة أوفي الكسب فهو أيضاً من الباقيات الصالحات. 

والمال كسبٌ وإنفاق. فكما إن كسب المال من حرام فيه بالضرورة ظلم وغبن وأكل لحقوق الآخرين فإن كسبه من حلال فيه رفع للظلم عن العباد وحفاظٌ على حقوقهم فيكون  الكسب من الباقيات الصالحات. وكذلك الإنفاق إذا كان إنفاقاً فيما أحله الله وفي مرضاته فهو من الباقيات الصالحات.

كان "سري السقطي" وهو من العارفين يجلس في جماعة من أصحابه فسأل "الجنيد" وهو في السابعة من عمره: 
ما الشكر يا فتى؟ 
فقال الجنيد:
الشكر هو ألا تعصي الله بنعمه.


كتب هذا المقال/ عاطف شوشه












الاثنين، 4 فبراير 2019

مجاذيب الحسين


لي علاقة وثيقة بحي بسيدنا الحسين.





ففيه بيت جدي وجدتي رحمهما الله  القديم في حارة عليش في أم الغلام والذي سكنته إحدى خالاتي رحمها الله أيضاً لفترة طويلة وتسكنه الآن إبنتها مع أسرتها. وحارة عليش حارة غير  نافذة أي "حارة سد" آخرها هذا البيت الذي كان يسكنه جدي مع عائلته  وكان أمام هذا البيت, البيت المعروف ببيت الهندي وكانت له حديقة تزرع بأشجارالجوافة  كما تقول والدتي أطال الله في عمرها. وعلى ناصية  حارة عليش كانت  حارة الأباظية وكان  هناك  بيتهم  أيضاً وكان منهم نواب معروفون في مجلس الأمة وكانوا يقيمون السرادقات هناك أيضاً  لأغراض سياسية. وفي هذا الحي أيضاً  البيت الجديد الذي انتقلت إليه العائلة المكونة من جدي وجدتي وخمسة من البنات هن والدتي وخالاتي والذي تسكنه إحدى الحفيدات الآن. وهذا البيت كائن في شارع "حبس الرحبة" في الجمالية أمام مسجد سيدي "مرزوق الأحمدي" مباشرة.

وكان سبب إنتقال جدي وعائلته من الأسكندرية إلى القاهرة مروراً بكفر الشيخ هو قيام الحرب العالمية الثانية كما تحكي والدتي.


وبين البيتين قضيت جزءاً غير قليل من طفولتي . وهناك أيضاً الشقة التي  كان يستعملها جدي مقراً لعمله في شارع الأزهرفي عمارة "بنزايون".  وكم صليت في جامع الأزهر صلاة الجمعة مع جدي وكنا نمرأحياناً كثيرة من ممر خلفي ينفذ من جانب مدخل عمارة بنزايون وصولاً إلى داخل مسجد "أبي الدهب" محيين عم "رجب" البواب النوبي الأصيل.



وكان يوم  الجمعة هو يوم تجتمع فيه كل العائلة في بيت جدي رحمه الله حيث نتناول وجبة الغداء سوياً ثم نقضي بقية اليوم كله في حكايات عائلية لا تنتهي ولا نغادر الحي إلا بعد صلاة العشاء.




وكنت في الأجازات الصيفية أقضي أياماً في بيت جدي وكنت أصلي معظم الفروض في مسجد مولانا الحسين. وفي هذا المسجد كانت أولى مشاهداتي لما إعتدنا أن نسميهم  "مجاذيب الحسين" وكنت أرتاب كثيراً من أحوالهم وأنا طفل صغير. كانوا يجوبون المسجد والطرق المحيطة به وبعضهم يلبس الملابس الغريبة ذات اللون ألأخضر الذي يغلب وجوده في أضرحة الصالحين ويضع بعضهم العمامة البيضاء أوالخضراء ويتحلى بعضهم بالأشرطة والنياشين والسبح الطويلة الملونة وهم في هذه الأزياء الغريبة لايلتفتون إلينا كثيراً وقد لا يشعرون بوجودنا على الإطلاق فهم في حال غير الحال.


لم أفهم معني كلمة "مجذوب" هذه إلا مؤخراً وأنا أستغرق في القراءة في كتب أخبار المتصوفين وتجلياتهم الشعرية وفي كتب وأبحاث علوم التصوف . فكلمة "مجذوب" هي إسم مفعول من الفعل "جذب" والشخص المجذوب هو الذي جذبه الله إليه جذباً فهو مجذوب.


والفرق بين المجذوب والسالك هو أن المجذوب قد جذبه الله إليه من غير عمل ولا تدبير من ذاته من باب القدرة كن فيكون أما السالك فهو من أخذ نفسه بالصبر والمجاهدة ومشى الطريق من أوله وترقى في المقامات بفضل الله حتى أصبح من العارفين. فنهاية السالك هي بداية المجذوب.

وفي يوم مولد سيدنا الحسين ومن شرفة بيت خالتي المطل على حارة عليش كنا نراقب حلقات الصوفية في الطريق وعلى الأسطح المجاورة والمجاذيب بداخلها يتمايلون مع الذكر يميناً ويساراً. في بداية الأمر يكون تمايلهم بطيئاً ولطيفاً ثم يزداد ويشتد شيئاً فشيئاً حتى يتحول إلى إنحناءات عنيفة يفقد فيها المجذوب قدرته على التحكم في ذاته ويذهل عما حوله مستغرقاً في إسم من أسماء الله الحسنى يكرره بلسانه تكراراً متزامناً مع حركاته التي صارت  قوية لا إرادية ويكون هذا الإسم في هذه الحالة قد ملك عليه جميع مشاعره وجوارحه فهو في هذه الحالة لا يملك من أمره شيئاً.  وكنا نراقبهم بشغف من الشرفة  في إنتظار ما سيحدث وما نعرفه من سابق مشاهدتنا لحلقات الذكر المحمومة هذه ونحاول أن نسبق الحدث ونتوقع مَن مِن الذاكرين المتمايلين سيسقط أولاً من شدة الوجد حين لا يحتمل الجسد الفاني حالة الوصال الإلهي.  



ولا أدري من أين جاء الخلط بين كلمتي المجاذيب والمجانين حتى يقال مستشفى المجاذيب بدلاً من مستشفى المجانين. هل هو التقارب اللفظي الذي سبب هذا الخلط أم هوغرابة أحوال كل من المجذوب والمجنون ما جعل العامة بل والخاصة أيضاً يخلطون بين أحوالهم.

ولكن المؤرخ ابن خلدون يقول : " المجذوب : هو من لا وظيفة له ، فإنه عندهم الصوفية المختطف عند المطلع ، مثل بهلول وغيره من مجانين أهل السلوك ، وهو فاقد لعقل التكليف أبداً ولم تبق له وظيفة ، إذ الوصول قد حق ، والوظائف إنما هي وسائل للوصول ، وهذا المجذوب الذي قد وصل ، وشاهد الأنوار ، وجذب عن نفسه وعقله ، فهو لا يدري ما الكتاب ولا الإيمان ، ولا النقل ، إنما هو سابح دائماً في بحر المعرفة والتوحيد ، مختطف عن الحس والمحسوس ".

ويقول السيد محمود أبو الفيض المنوفي  : 

" المجذوب هو من جذبته شوارق الجمال وأيقظته بوارق الجلال ".



كتب هذا المقال/ عاطف شوشه