"طعنت عثمان تسع طعنات ثلاث طعنات لله تعالى و ستة طعنات لما كان في صدري عليه".
بهذه المقولة أفصح لنا الصحابي الجليل "عمرو بن الحمق الخزاعي" عن بواعثه للإشتراك في قتل الخليفة "عثمان بن عفان".
و لو صدق لقال طعنته تسع طعنات لما كان في صدري عليه ليس فيها شيء لله و كيف يكون في قتل عثمان شيء لله تعالى
والقصة التي ذكرها الشيخ "محمد حسان" ونشرها على الملأ في قضية التسع طعنات هي قصة رواها "ابن سعد" في كتابه "الطبقات" من طريق الواقدي.
هو عمرو بن الحمق بن الكاهن بن حبيب بن عمرو بن القين بن رزاح بن عمرو بن سعد بن كعب بن عمرو بن ربيعة الخزاعي.
هاجر إلى النبي صلى الله عليه وسلم بعد الحديبية، وقيل: بل أسلم عام حجة الوداع، والأول أصح.
صحب النبي صلى الله عليه وسلم، وحفظ عنه أحاديث، وسكن الكوفة، وانتقل إلى مصر، قاله أبو نعيم.
وقال أبو عمر: سكن الشام، ثم انتقل إلى الكوفة فسكنها، والصحيح أنه انتقل من مصر إلى الكوفة.
روى عنه جبير بن نفير، ورفاعة بن شداد القتباني، وغيرهما.
ويروى عن عمرو بن الحمق أنه سقى النبي صلى الله عليه وسلم، فقال: "اللهم متعه بشبابه". فمرت عليه ثمانون سنة لا ترى في لحيته شعرة بيضاء.
وكان ممن ساروا إلى عثمان بن عفان رضي الله عنه، وهو أحد الأربعة الذين دخلوا عليه الدار، فيما ذكروا، وصار بعد ذلك من شيعة علي، وشهد معه مشاهده كلها: الجمل، وصفين، والنهروان. وأعان حجر بن عدي، وكان من أصحابه، فخاف زياداً، فهرب من العراق إلى الموصل، واختفى في غار بالقرب منها، فأرسل معاوية إلى العامل بالموصل ليحمل عمر إليه، فأرسل العامل على الموصل ليأخذه من الغار الذي كان فيه، فوجده ميتاً، كان قد نهشته حية فمات، وكان العامل عبد الرحمن بن أم الحكم، وهو ابن أخت معاوية.
ويروى أن أول رأس حمل في الإسلام رأس عمرو بن الحمق إلى معاوية. قال سفيان: أرسل معاوية ليؤتى به، فلدغ، وكأنهم خافوا أن يتهمهم، فأتوا برأسه.
وإلى هنا تنتهي قصة عمرو بن الحمق التي سنعود إليها مرة أخرى بعد عرض سريع عن أصحاب رسول الله الذي هو واحد من أشهرهم.
ولنا أن نسأل من هم صحابة رسول الله؟ ولماذا يعد قاتل عثمان واحداً منهم نترضى عليه أي ندعو له بأن يرضى الله عنه حتى بعد فعلته ودوافعها التي أقر بها؟
إذا سألت معظم المسلمين من هم صحابة رسول الله فسوف يجيبونك بأسماء الخلفاء الأربعة الراشدين وعمر بن العزيز وقليل منهم سوف يذكر أسماء العشرة المبشرين بالجنة وبعض الأسماء المتفرقة التي يذكرها كلٌ على حسب ما ارتقى إليه علمه وثقافته. وهولاء هم من يهب أهل السنة للدفاع عنهم إذا ما هوجم الصحابة ظناً منهم أن هؤلاء فقط هم الصحابة. وما لا يعلمه الكثيرين وقد يصدمهم هذا الخبر أن الصحابة قد بلغ عددهم حسب تعريف أهل السنة لهم ما يزيد على المائة وأربعة عشر ألف صحابي.
روي عن أبو زرعة الرازي شيخ مسلم أنه سئل عن عدة من روى عن النبي فقال: ومن يضبط هذا؟ شهد مع النبي حجة الوداع أربعون ألفا، وشهد معه غزوة تبوك سبعون ألفا. وقوله قبض رسول الله عن مائة ألف وأربعة عشر ألفاً من الصحابة، ممن روي عنه وسمع منه من أهل المدينة وأهل مكة ومن بينهما، والأعراب، ومن شهد معه حجة الوداع كلٌ رآه وسمع منه بجبل عرفات.
ولكي نعي كيف وصل عدد الصحابة إلى هذا الرقم العظيم الذي يصعب معه تذكرهم يجب أن نعرف ماهو تعريف الصحابي الذي ينطبق على كل هولاء المائة وأربعة عشر ألفاً.
مفهوم الصحابي الذي اتفق عليه أهل السنة هو "أن الصحابي هو كل من لقي الرسول صلى الله عليه وسلم وعاش معه سواءاً لفترة قصيرة أو طويلة، ومات على الإسلام، سواءاً كان رجلاً أو امرأةً أو صغيراً أو كبيراً، وأخذ عنه أمور الدين والحياة، وإن لم يكن مسلماً لا يعتبر صحابياً". ويشمل ذلك التعريف كل من رأى الرسول ولو للحظة واحدة وكذلك يشمل الأطفال حتى قالوا حديث ابن خمسة سنوات يعتد به.
ويجب أن نذكر هنا رأي البعض من أهل السنة في هذا المفهوم مثل الشيخ "جمال البنا" الذي سمعته يقول: "إن أهل السنة قد توسعوا لدرجة كبيرة في تعريف من هم صحابة رسول الله". وبهذا أيضاً يقول بعض فقهاء أهل السنة.
والأصل عند أهل السنة عدم الدخول فيما شجر بين الصحابة والكف عنهم وعدم الخوض في مساوئهم وعيوبهم وأفعالهم المذمومة.
ومن أبرز الأسباب التي تجعل قضية الصحابة مسألة حسّاسة وخاصة عند أهل السنّة هو ما كان للصحابة من دور في تأسيس مذاهبهم وهذا ما جعل أيضًا مسألة البحث والتحقيق في الصحابة أمر ممنوع ومرفوض بالكلية عند مشهور أهل السنّة ولنستعرض بعض آراء أئمة أهل السنة فيمن صنفوا بالصحابة:
يقول شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله:
(إن هذه الآثار المروية في مساويهم منها ما هو كذب ومنها ما قد زيد فيه ونقص وغُير عن وجهه، ولهم من السوابق والفضائل ما يوجب مغفرة ما يصدر منهم إن صدر، حتى أنهم يُغفر لهم من السيئات ما لا يُغفر بعدهم، ثم إذا كان قد صدر عن أحد منهم ذنب فيكون قد تاب منه، أو أتى بحسنات تمحوه أو غُفر لـه بفضل سابقته أو بشفاعة محمد الذي هم أحق الناس بشفاعته أو ابتلى ببلاء في الدنيا كُفِّر به عنه . فإذا كان هذا في الذنوب المحققة فكيف الأمور التي كانوا فيها مجتهدين: إن أصابوا فلهم أجران، وإن أخطأوا فلهم أجر والخطأ مغفور)
وإن كان لي على ضآلة قدري أن أعلق على رأي ابن تيمية فلي أن أقول:
- إن رأيه كله مبني على إفتراضات لم يستطع أن يجزم بأيها:
فهو يفترض الكذب والزيادة والنقص فيما يروى عن مثالب الصحابة
ويفترض أنهم تابواعما اقترفوا من ذنوب ويشكك في أنهم قد صدر عنهم أي ذنب
ويفترض أنهم أتوا من الحسنات ما يمحو ذنوبهم
ويفترض أنهم قد يكونوا قد ابتلوا في الدنيا بلاءاً كُفِّر به عنهم
- بل أنه يتألى على الله عز وجل عندما يقول: "أن الله يجب أن يغفر لهم لسابقة أعمالهم الحسنة وفضائلهم"
- ويدعي أنهم أحق بشفاعة محمد وهذا من غيب يوم القيامة
وقد يكون كل هذا صحيحاً ولكن "قد" تفيد الشك أيضاً أي أن كل هذا يمكن أن يكون غير صحيح.
قال الإمام أحمد بن حنبل - رحمه الله - :
( و من الحجة الواضحة البينة المعروفة ذكر محاسن أصحاب رسول الله كلهم أجمعين ، و الكف عن ذكر مساوئهم و الخلاف الذي شجر بينهم ، فمن سب أصحاب رسول الله أو أحداً منهم أو تنقصه أو طعن عليهم أو عرض بعيبهم أو عاب أحداً منهم فهو مبتدع رافضي خبيث مخالف لا يقبل الله منه صرفاً و لا عدلاً ، بل حبّهم سنة ، و الدعاء لهم قربة ، و الاقتداء بهم وسيلة ، و الأخذ بآثارهم فضيلة ، و أصحاب رسول الله هم خير الناس ، لا يجوز لاحد أن يذكر شيئاً من مساوئهم ، و لا يطعن على احد منهم بعيب و لا نقص ).
- ولي أن أقول أيضاً أن الإمام رحمه الله يتألى على الله عز وجل بقوله: "لا يقبل الله منه صرفاً و لا عدلاً"
ونعوذ بالله أن نكون ممن وصفهم ولكننا نريد أن نستبرأ لديننا ونعلم عمن نأخذ هذا الدين ولا نكون من الذين أخبر الله عز وجل عنهم ممن قَالُوا:" بَلْ وَجَدْنَا آبَاءَنَا كَذَٰلِكَ يَفْعَلُونَ".
قال ابن الصلاح: "ثم إن الأمة مجمعة على تعديل جميع الصحابة، ومن لابس الفتن منهم فكذلك، بإجماع العلماء الذين يعتد بهم في الإجماع، إحسانا للظن بهم، ونظرا إلى ما تمهد لهم من المآثر وكأن الله سبحانه وتعالى أتاح الإجماع على ذلك لكونهم نقلة الشريعة وجميع ما ذكرنا يقتضي القطع بتعديلهم ولا يحتاجون مع تعديل الله ورسوله لهم إلى تعديل أحد من الناس".
ونقل ابن حجر عن الخطيب في "الكفاية: "أنه لولم يرد من الله ورسوله فيهم شيء مما ذكرناه لأوجبت الحال التي كانوا عليها من الهجرة والجهاد ونصرة الإسلام وبذل المهج والأموال وقتل الآباء والأبناء والمناصحة في الدين وقوة الإيمان واليقين القطع بتعديلهم والاعتقاد بنزاهتهم وأنهم كافة أفضل من جميع الخالفين بعدهم والمعدلين الذين يجيئون من بعدهم".
ثم قال هذا مذهب كافة العلماء ومن يعتمد قوله وروى بسنده إلى أبي زرعة الرازي قال: "إذا رأيت الرجل ينتقص أحداً من أصحاب محمد فاعلم أنه زنديق ذلك أن الرسول حق والقرآن حق وما جاء به حق وإنما أدى إلينا ذلك كله الصحابة وهؤلاء يريدون أن يجرحوا شهودنا ليبطلوا الكتاب والسنة والجرح بهم أولى وهم زنادقة".
وتهمة الزندقة هذه تهمة قديمة ألقى بها الفقهاء في وجه كل من عارضهم ليألبوا عليهم العامة ويسلطوا عليهم الحكام ويصيبوهم في مقتل وهذه التهمة راح ضحيتها الكثير من شهداء الفكر والتصوف الإسلامي ممن ثبت بعد ذلك براءتهم منها بعد أن عذبوا وصلبوا وقطعت رؤوسهم لأغراض دنيوية محضة لا علاقة لها بالدين. ألم يشهد على أبو عبد الله حسين بن منصور الحلاج بالزندقة عشرات من فقهاء زمانه. ألم يصلب على الجسر في بغداد وتقطع أطرافه وهو حي ثم قتل وأحرقت جثته وألقي بالرماد في نهر دجلة ثم جاء بعد ذلك من شهد له:
- قال عنه الإمام عبد القادر الجيلاني حين سُئل عنه: "عثر الحلاج ولم يكن في زمانه من يأخذ بيده، ولو أدركته لأخذت بيده."
- وقال عنهُ الإمام أبو الحسن الشاذلي: "أكره من العلماء تكفير الحلاج، ومن فهم مقاصده فهم مقصدي."
- وقال محمد بن خفيف الشيرازي : "الحسين بن منصور عالم رباني."
ولنا أن نعرض الآن معتقد أهل الشيعة في الصحابة:
من حيث التعريف يرى الشيعة أن الصحبة لا تثبت إلا بطول الملازمة للنبي على أنهم لم يحددوا أمدا معينا ويفضل الشيعة استخدام مصطلح الأصحاب بدل الصحابة لعدم ورود مصطلح صحابي في الكتاب أو السنة وعدم وجود أصل له في اللغة العربية ولكن المصطلح يبقى مستخدما وإن بشكل اقل في ادبياتهم. ويقدر الشيعة مكانة الأصحاب وفضلهم ونصرتهم للنبي ، ويرى الشيعة أنهم يمتثلون للنهج القرآني في تقييمهم لمكانة الأصحاب فكما نزل القرآن في مدح أصحاب النبي في بعض المواقف، فقد نزلت الآيات في لومهم وذمهم في بعض الأحيان، بالإضافة لوجود بعض المنافقين بين صفوفهم مستشهدين ببعض الآيات والروايات التي صحت عندهم، على أنهم لا يرون اعتبار وجود ما يدل على تزكية الصحابة كلهم بمجموعهم واستحقاقهم الجنة لا في الكتاب ولا في السنة فكل الآيات محددة مشروطة، ولا يستثنى أصحاب النبي عن حكم الله الذي ينطبق على البشرية، فإن احسنوا جزاهم الله بالحسنى وإن أساؤوا حاسبهم بذلك. ويعامل أصحاب الجرح والتعديل عند الشيعة أصحاب النبي كغيرهم من المسلمين، فلا يعاملون ككل فمنهج الشيعة يقتضي بحث حال الصحابة فردا فردا للوقوف عند سيرهم وعدم تسليم الأمور على عواهنها من حيث تفاوت درجة تمسك من صحب النبي بما أمر به ابتداءاً ممن كان مؤمناً صادقاً ممدوحاً نهاية إلى من ثبت عليه أنه من أهل النار. فيتم القول بعدالة وموثوقية من يثبت عندهم صدقه من خلال التدقيق في سيرته ويتم جرح آخرين ثبت عند الشيعة سقوطهم روائيا لعلة قادحة في صدقهم وأمانتهم.
وعليه لم يكُن للصحابة ذاك الدور المُعتبر في أُسس الفقه والعقيدة الشيعية، فكل الأحكام الشرعية والتصورات العقائدية الشيعية مبنية ومُستندة على الروايات التي نقلها لهم أئمة أهل البيت عن الرسول الأكرم محمد إذ أنه وبحسب المعتقد الشيعي فإن أئمة أهل البيت هم مَن عيّنهم الله بعد نبيّه الأعظم للقيام بِصَوْنِ الدين الإسلامي.
وأنا أقرر هنا أنني إلى معتقد الشيعة في تعريف ومفهوم الصحابة أميل غير أني لا أوافقهم على قولهم بعصمة أئمتهم التي يستشهدون عليها بآية التطهير.
نعود إلى "عمرو بن الحمق الخزاعي" الصحابي الجليل الذي كان سبباً في هذا البحث الموجز وهو الذي لا يخجل من فعلته بالإشتراك في قتل عثمان بل ويفصح لنا عن أنه طعنه ستة طعنات من مجمل تسعة لشئ أخر لا علاقة له بالدين.
وإذا كان من الشيوخ والعلماء من يخطئ في معرفة الصحابة الذين وصل عددهم ما يفوق المائة ألف فكيف بالعامة؟
فها هو الشيخ "محمد حسان" قد سب وشتم على الملأ هذا الصحابي الجليل لمقولته بطعن عثمان ثم أسرع الكثيرون ممن هم على طريقته ونهجه فنبهوه إلى أن هذا الذي سبه هو من الصحابة فرجع عن قوله وتأسف واعتذر وترضى عليه ولكن بعد أن فات الأوان.
https://www.youtube.com/watch?v=yZHLeEYsuvQ
وختاماً أود أن أقول إن الأئمة الذين ذكرتهم وغيرهم ممن لم أذكرهم إنما يتوجهون بحديثهم إلى أهل السنة الذين قضوا أمداً طويلاً يصدقون ويستسلمون لكلامهم ويغيبون العقل والمنطق من أجل ألا يتهموا في دينهم بغير حق. كما أدخل هولاء الأئمة في روعهم أن الصحابة كلهم عدول وأنهم معصومون.
ألم يعلم بعد علماء أهل السنة المعاصرين أن وسائل الإتصال والمعرفة أصبحت من اليسر والسهولة بحيث يعرف العامة ما دأبوا يخفونه عنهم ويحدثهم به أهل المذاهب الأخرى بل ويستخرجونه من كتب تراثنا ويشيرون إلينا بالبنان إلى مواضعه في مراجعنا فتحدث عندنا ردة فعل عكسية ضد علمائنا ويدخلنا الشك والريبة في ديننا حتى فيما لم يتبين لنا بعد عدم صدقه.
عاطف شوشه