الأحد، 13 ديسمبر 2020

البديل

 اليوم أصبحنا فارغين تماماً.


نبحث حولنا في كل مكان عن سر هذا الفراغ الغريب المفاجئ. ندور طيلة النهار حول أنفسنا نتخبط في أرجاء المنزل فلا نجد تفسيراً لما نحس به. 


يدخل من الباب زوارٌ كثيرون ويخرجون واجمون متجهمون كما دخلوا. 

سر الفراغ الكبير ليس معهم أو بينهم. وجودهم ورحيلهم سواء. لم يضيفوا شيئاً ولم ينقصوا شيئاً أيضاً. نتوقع أن يأتي المزيد من هولاء ويرحلوا كما فعل من قبلهم بلا أثر يذكر. 


نتيقن تماماً أن سر هذا الفراغ المقلق ليس قطعاً هذا الشخص الذي فقدناه للأبد بالأمس والذي كان سبباً مباشراً في كثرة الزوار بطريقة مملة جداً إذ يجب علينا ليس فقط أن نستقبلهم ونبدي إمتناننا البالغ لتفضلهم بالتواجد معنا في هذا التوقيت الذي لم نشارك في اختياره  ولكن يجب علينا أيضاً أن نشاركهم وجومهم وتجهمهم طوال فترة وجودهم معنا.


حاولنا عدة مرات أن نحيل سبب حيرة الفراغ التي تنتابنا على شخص الراحل ولكن دون جدوى فلم يكن وجوده بيننا بهذه القيمة حتى يسبب لنا رحيله هذه الحيرة العارمة.


إنقضت بضعة أيام وهدأت الزيارات ولا زلنا في حيرة من أمرنا.


ومع بدء عودة الحياة إلى وتيرتها المملة السابقة يزداد هذا الشعور الخفي. ونتساءل بيننا وبين أنفسنا تساؤلات عديدة.

على من سوف نبدأ من جديد في حياكة المؤامرات الصغيرة المسلية التي كانت تشغل معظم أوقات فراغنا. 

على من سوف نحيل كل الأخطاء الكبيرة والصغيرة التي تحل بنا في حياتنا. 

من سيحمل وزر أعمالنا الطائشة ورغباتنا الجامحة رغماً عنه. 

من سنوجه له أصابع الإتهام عندما تسوء بنا الأحوال على الرغم من  يقيننا الجازم بأنه ليس السبب وراء ذلك. 

من سنجرب معه شتى الطرق الملتوية والأفكار المتناقضة لننغص عليه حياته كلها.

من سنتكلم عنه من وراء ظهره ما لا نستطيع أن نواجهه به من كلمات حمقاء تنتقص كثيراً من احترامه. 

من سنطلق عليه مختلف الألقاب التي لا يمكنه أن يتصور أنه هو المقصود بها عندما نذكرها أمامه مصحوبة بابتسامة صفراء تقول له ما أغباك كيف لا تفطن أننا نعنيك أنت بهذه الألقاب المهينة. 





على من سوف نكتم الأسرار مهما كانت صغيرة وعديمة القيمة ونعتبره ليس أهلاً أن يؤتمن على أتفهها. 

من سنفاجئ بأشياء يراها لأول مرة ولا يعلم متى بدأناها وأين كان عندما بدأت وهي وثيقة القرب منه وهو لا يدري عنها شيئاً ونستمتع بنظرة الحيرة البلهاء في عينيه. 

من سنوجه إليه كل الإنتقادات مهما حاول أن يحسن التصرف ومهما بذل من جهد ليظهر أمامنا بصورة أفضل. 

من سنوجه إليه التعليمات بما يجب أن يفعل وما لا يجب في جميع الأحوال والمناسبات. 

من سنقوم بإحراجه أمام الجميع عندما ننتقد علناً أفعاله وكلماته وتعبيراته التافهة.


من سوف يبعث في أنفسنا الشعور بالتميز والفطنة عندما نثبت له أنه دائماً لا يحسن التصرف في كل الأمور.


لقد كان هو من نستطيع أن نستعمله في كل هذه الأمور بلا أدنى مشقة وتعب فقد كان دائماً في متناول أيدينا نستخدمه متى نشاء. 


أما وأنه قد رحل للأبد فنحن نظن الآن أنه قد يشعر بالراحة لأنه لم يصبح في مرمى أعمالنا بعد اليوم. 

ولكنه هذا الخبيث قد تركنا بلا سابق إنذار وقبل أن نجد بديلاً له نستعمله في كل هذه الأشياء الهامة لنا. 

وإحقاقاً للحق لم نفكر يوماً أن نبحث له عن بديل إذ كنا نعتقد أنه سوف يصمد عمراً أطول من ذلك بكثير. 

ثم كيف يجرؤ هو على أن يرحل بدون أن نأذن له بالرحيل وقبل أن يتأكد أننا قد جهزنا البديل المناسب وقبل أن ننتهي من أعمالنا معه. 


إستراح هو وأتعبنا نحن من بعده إذ أنه ليس من المعقول أن نستخدم أحداً منا بدلاً منه. فيجب علينا أن نتحمل مشقة أن نبحث عن شخص آخر قريب منا لنستعمله في تلك الأمور. فإذا لم يكن هناك شخص قريب بالدرجة الكافية فلنبحث عن شخص نقربه ثم نستعمله على أن تكون فيه كل المواصفات المطابقة والمناسبة لاحتياجاتنا.


سوف نظل نعاني من هذا الشعور الغريب بالفراغ حتى نعثر على هذا الشخص أو سيضطر كل منا إلى استعمال الآخر واستعباده وتعذيبه ليضطلع بهذه المهمة التي يقوم عليها كل وجودنا وتتسق بها حياتنا حتى نجد البديل. 


الثلاثاء، 18 أغسطس 2020

بين النَّسخ والبَداء



يقول الأستاذ أحمد أمين رحمه الله في كتابه "ضحى الإسلام":




"واجه اليهود كثيراً من المسائل، وبحثوا عنها، واختلفوا فيها؛ فقد بحثوا في النسخ، وقالوا إن الشريعة لا تكون إلا واحدة، وقد بدأت بموسى وتمت به، فلا يجوز النسخ لأن النسخ في الأوامر بَداء ولا يجوز البَداء على الله.

وتكلموا في التشبيه؛ لأنهم وجدوا التوراة مملوءة بألفاظ تشعر بالتشبيه مثل الصورة والمشافهة، والتكلم جهراً، والنزول على طور سيناء، والاستواء على العرش، وجواز الرؤية.

وتعرضوا للرجعة أي رجوع بعض الأفراد إلى الحياة بعد الموت، وجاءهم ذلك من أن عزيراً أماته الله مائة عام ثم بعثه. وقالوا إنه مات وسيرجع، وقال بعضهم غاب وسيرجع.

وهذه الأقوال والخلافات كلها تسربت إلى المسلمين عمن أسلم من اليهود، فرأينا المسلمين يبحثون في جواز النسخ في القرآن، كما بحث اليهود في نسخ التوراة. 

ويذهب جمهور المسلمين إلى جواز نسخ الحكم دون النص، وإلى أن ذلك وقع فعلا، ويخالف في وقوعه أبو مسلم الأصفهاني. ونرى المسلمين في كتب أصول الفقه عند الكلام على النسخ  يناقشون اليهود في رأيهم، يجادلونهم ويردون عليهم. مما يؤيد وجهة نظرنا في أن اليهود هم السبب في إثارة هذه المسألة، ورأينا بعض الشيعة يرى البَداء الذي أنكره اليهود. 

  وكان مما فعله المفسرون للقرآن الكريم أنهم أخذوا ما في التوراة وشروحها، والأخبار التي رويت حولها، ووضعوها تفسيرًا لآيات القرآن الكريم. وهكذا فعلوا في كل ما ورد في القرآن من قصص وردت في التوراة. 

ولم يكن كل هؤلاء اليهود علماء باليهودية مدققين، بل كان منهم عوام يعرفون كما يقول ابن خلدون ما تعرفه العامة من أهل الكتاب، وتساهل المفسرون في مثل ذلك، وملئوا كتب التفسير بهذه المنقولات.

فترى من هذا أن كثيرا من المسائل الكلامية وغيرها، كان منبعها اليهود، وأنها قيلت على مثال ما قالوا. وحق قول رسول الله: "لتتبعن سنن من كان قبلكم شبرا بشبر وذراعا بذراع، حتى لو دخلوا جحر ضب تبعتموهم. قلنا: يا رسول الله اليهود والنصارى؟ قال فمن."

وما زالت هذه الإسرائيليات تكثر وتنمو، حتى امتلأت بها الكتب؛ أمثال قصص الأنبياء للثعلبي"

إنتهى كلام  أحمد أمين.



وهكذا فإن ممن أنكر النَّسخَ اليهودُ ، وحجتهم في هذا الإنكار: أن النَّسخ يفيد أن الله تعالى بدا له حكم جديد لم يكن قد بدا له من قبل فيرفع به حكماً قديماً، وهذا البَداء لا يجوز في حقه، وبالتالي فلا وجود للنسخ، وهذا قول باطل، وحجتهم في هذا الإنكار داحضة؛ للفرق البيِّن والواضح بين النَّسخ والبَداء.

 
فالبَداء: ظهور الشيء بعد خفائه، ومنه يقال: بدا لنا سور المدينة بعد خفائه، وبدا لنا الأمر الفلاني؛ أي: ظهر بعد خفائه، وإليه الإشارة بقوله تعالى: ﴿ وَبَدَا لَهُمْ مِنَ اللَّهِ مَا لَمْ يَكُونُوا يَحْتَسِبُونَ ﴾ [الزمر: 47]، ﴿ بَلْ بَدَا لَهُمْ مَا كَانُوا يُخْفُونَ مِنْ قَبْلُ ﴾ [الأنعام: 28]، ﴿ وَبَدَا لَهُمْ سَيِّئَاتُ مَا عَمِلُوا ﴾ [الجاثية: 33].
 
أما النَّسخ فهو رفع حكم شرعي متقدم بدليل شرعي متأخر عنه، وهو لا يستلزم البداء، كما يزعمه اليهود، بل الله تعالى علِم ما كان، وما سيكون، وما لم يكن كيف إن كان سيكون، فمن أسمائه سبحانه: العليم، ومن صفاته: العلم؛ كما قال تعالى: ﴿ أَنَّ اللَّهَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ ﴾ [البقرة: 231] وهذه الآية وردت بصيغة من أقوى صيغ العموم؛ فهو سبحانه كما قال عن نفسه: ﴿ وَمَا يَعْزُبُ عَنْ رَبِّكَ مِنْ مِثْقَالِ ذَرَّةٍ فِي الْأَرْضِ وَلَا فِي السَّمَاءِ وَلَا أَصْغَرَ مِنْ ذَلِكَ وَلَا أَكْبَرَ إِلَّا فِي كِتَابٍ مُبِينٍ ﴾ [يونس: 61].
 
فالله تعالى علم أن الحكم المنسوخ يصلح للعباد مدة معينة، وأن الحكم الناسخ هو الذي يصلح لهم في مدة معينة، الكل معلوم لديه سبحانه.
 
والبداء -المستلزم للعلم بعد الجهل والظهور بعد الخفاء - إن جاز في حق المخلوق؛ لقصور علمه، وحجب علم الغيب عنه، فكيف يجوز في حق عالم الغيب والشهادة، الذي كمُل في علمه كما كمُل في ذاته وكل صفاته؟!

والإمام ابن حزم رحمه الله تعالى له كتاب شهير تحت عنوان "الإحكام في أصول الأحكام" وهو كتاب في أصول الفقه يعتبر من أهم مراجع كتب أهل السنة والجماعة في أصول الفقه لما فيه من قوة في الأخذ بالدليل, وكعادة ابن حزم قويُّ الحجة والبرهان، والكتاب من أهم وأثبت كتب أصول الفقة الإسلامي، فهو غني بأدلة الكتاب والسنة، بل إنه كتاب حاول فيه ابن حزم إلزام متطرّفي المذهبية بالرجوع للكتاب والسنة والسلف الصالح.



يقول الإمام ابن حزم رحمه الله تعالى في كتابه الشهير :

"فإن قال قائل: ما الفرق بين البَداء والنَّسخ؟

قيل له - وبالله تعالى التوفيق -: الفرق بينهما لائح، وهو أن البَداء أن يأمر بالأمر، والآمِر لا يدري ما يؤول إليه الحال، والنَّسخ: هو أن يأمر بالأمر والآمِر يدري أنه سيحيله في وقت كذا، ولا بد قد سبق ذلك في علمه وحتمه من قضائه، 

فلما كان هذان الوجهان معنيينِ متغايرين مختلفين، وجب ضرورة أن يعلق على كل واحد منها اسمٌ يعبَّر به عنه غيرُ اسم الآخر؛ ليقع التفاهم ويلوح الحق؛ 

فالبَداء ليس من صفات الباري تعالى، ولسنا نعني الباء والدال والألف، وإنما نعني المعنى الذي ذكرنا من أن يأمر بالأمر لا يدري ما عاقبته، فهذا مبعد من الله عز وجل، وسواء سموه نسخًا أو بَداءً أو ما أحبوا، وأما النَّسخ فمن صفات الله تعالى من جهة أفعاله كلها، وهو القضاء بالأمر قد علم أنه سيحيله بعد مدة معلومة عنده عز وجل، كما سبق في علمه تعالى".

إنتهى كلام  إبن حزم.

والله أعلم.

"اللهم علمنا ما ينفعنا وانفعنا بما علمتنا"



كتب هذا المقال وحرره/ عاطف شوشه


الثلاثاء، 11 أغسطس 2020

للقلب فرصة أخيرة





هي . . . 

تصغرني بسنوات طويلة. تعرفت عليها بصفة رسمية. يومها نظرت إليها فخطر خاطر في قلبي. في اللحظة التالية كنت أتجنب النظر إليها. لكنني في اللحظة الأولى فضحتني عيناي فأنا أعرف مني تلك النظرة التي تكشف عن شئ أقل ما يوصف به أنه الميل الفجائي. 

وتوقعت ما سوف يكون في أيامي المقبلة وكأنني أستقرأ المستقبل وأستسلم له. لم أجزع ولم أخف مما هو آت وكأنه قدر محتوم لا مهرب منه وما أجمل الإستسلام له.

أعرف مني سطوة هذا القلب التي تجبر النظرعلى الإفصاح عن هذا الميل  الغير مبرر زمانه ومكانه. 
لم أجد لي مخرجاً. 
أنا لم أعرف أبداً كيف انزلقت. 
أنتبه لنفسي فأجدني كنت أفكر فيها. 
إذا نمت فلكي أحلم بها. 
إذا استيقظت فلكي أبحث عنها كيف سأراها. 
تأنس روحي إذا كانت قريبة. 
تطمأن نفسي إذا سمعت صوتها من بعيد. 
هي تبادلني شعور خفي بحب التواجد في نفس المكان دائماً. 

إن غابت عن عيني أنتظرها حتى وإن لم يكن هناك موعدٌ ما بيننا حتى وإن كنت أعلم أنها لن تجئ. فأنا أحب أن أنتظرها وحسب.

عندما أراها أحكي لها كل مامر بي وأنا بعيدٌ عنها وكأنني أعتذر لها عن كل اللحظات التي مرت بي وأنا أتنفس هواءاً ليس ممزوجاً بأنفاسها.





عندما أدخل مكاناً أبحث عنها بعيني في كل الأرجاء ولا يستقر لي نظر ولا يسر لي خاطر حتى تراها عيناي ويجدها قلبي فيمتد حبل خفي من الشوق بيني وبينها حتى وإن كانت لا تراني فأنا متيقن أنها الآن تحس بي وتطمئن بوجودي وإن لم تكن تراني.

"ومن الشوق رسولٌ بيننا ونديمٌ قدم الكأس لنا"

أحس أنني قد صرت شفافاً عاري الأحاسيس حتى صار كل من حولنا يرى ما بداخلي من شدة ما ألم بي من الشجن والشوق الذي يلفنا ويدور حولنا في دوامة رقيقة تعصف بنا في رفق شديد.


تبادلني نظرات رقيقة ليس لها إلا معنىً واحداً أعرفه وأفهمه جيداً. أنظر إلى عينيها فأجدني في أعمق أعماقهما. لم يقل أحدنا كلمة تفصح عن أي مشاعر من أي نوع. هربت كثيراً وانتابني القلق كلما هربت والراحة كلما عدت. صرت أتعمد الهروب حتى صار هروبي ملحوظاً أكثر من تواجدي. 

أحس بنظراتٍ متسائلةٍ من حولنا ماذا يحدث ؟ وكيف يمكن لأي شئ أن يحدث ؟ 

وتسائلني نفسي:

" هل يمكن أن يكون للقلب بعد هذا العمر الطويل فرصة أخيرة ؟" 

ها هو قلبي يعاود الخفقان. 

أنت حيٌ ياقلب لم تمت. 

أنت حي.

أنت حي.

الاثنين، 3 أغسطس 2020

إدعِ لي يا أمي . . .



إدعِ لي يا أمي . . .
أنا أخطو أولى خطواتي يمينك أماني.
أحتاج دعائك يا أمي. 

إدعِ لي يا أمي . . .
أنا ذاهبٌ إلى المدرسة طفلاً خجولاً وحيداً.
أحتاج دعائك يا أمي.

إدعِ لي يا أمي . . .
أنا ذاهبٌ الآن لتأدية الإمتحان الأخير. 
أحتاج دعائك يا أمي.

إدعِ لي يا أمي . . .
أنا أبحث عن عمل في عالمٍ مزدحمٍ بلا رحمة.    
أحتاج دعائك يا أمي.

إدعِ لي يا أمي . . .
أنا أختنق ضاقت علي الأرض هنا بما رحبت.
أحتاج دعائك يا أمي.

إدعِ لي يا أمي . . .
أنا مسافرٌ إلى بلادٍ بعيدةٍ لا أهل لي فيها ولا أحباب. 
أحتاج دعائك يا أمي.

إدعِ لي يا أمي . . .
أنا مريضٌ جداً وضعيفٌ جداً ولا رفيق لي يعينني. 
أحتاج دعائك يا أمي.




إدعِ لي يا أمي . . .
العمل مع الأغراب مؤامرة يدس لي  فيها سم قاتل. 
أحتاج دعائك يا أمي.

إدعِ لي يا أمي . . .
أنا حزينٌ جداً وبائسٌ جداً ويائسٌ جداً. 
أحتاج دعائك يا أمي.

إدعِ لي يا أمي . . .
تقتلني الوحدة والحنين في بلاد الغربة. 
أحتاج  دعائك يا أمي.

إدعِ لي يا أمي . . .
أريد العودة أريد الرجوع  إليكِ يا وطني. 
أحتاج دعائك يا أمي.

إدعِ لي يا أمي . . .
الجميع يأخذون مني كل ما هو لي. 
وحدك يا أمي تعطيني كل شئ. 
أحتاج دعائك يا أمي.

إدعِ لي يا أمي . . .
الجميع يطلبون مني حتى لو كنت لا أملك.
وحدك يا أمي تعطيني ولا تسأليني شيئا.
أحتاج دعائك يا أمي.

إدعِ لي يا أمي . . .
الجميع  يرهقونني ويهلكون سنين عمري.
وحدك يا أمي تدعين لي بالسكينة وطول العمر.
أحتاج دعائك يا أمي.

إدعِ لي يا أمي . . .
عندما ألفظ أنفاسي الأخيرة وأودع الدنيا.
حتماً سأحتاج حينها دعائك يا أمي.

أنتِ يا أمي زهرة عمري وجنتي في الدنيا وفي الآخرة.

إدعِ لي يا أمي . . .




فصل من كتاب البداية والنهاية



يعد كتاب البداية والنهاية من أهم كتب ابن كثير ويعتبر من أفضل الموسوعات التاريخية التي تسرد أحداث التاريخ منذ بداية الخليقة حتى العصر العباسي الثاني.

يبدأ ابن كثير كتابه ببداية خلق السماوات والأرض والملائكة إلى خلق آدم، ثم يتطرق إلى قصص الأنبياء مختصراً ثم التفصيل في الأحداث التاريخية منذ مبعث النبي محمد حتى سنة 768 هـ بطريقة التبويب على السنوات. وتبدأ السنة بقوله "ثم دخلت سنة.." ثم يسرد الأحداث التاريخية فيها ثم يذكر أبرز من توفوا في هذه السنة. أما جزء النهاية ففيه علامات الساعة لغاية يوم الحساب بالتفصيل.

قال ابن كثير عن كتابه : «" فهذا الكتاب أذكر فيه بعون الله وحسن توفيقه ما يسره الله تعالى بحوله وقوته من ذكر مبدأ المخلوقات: من خلق العرش والكرسي والسماوات، والأرضين ...، وقصص النبيين ... ، حتى تنتهي النبوة إلى أيام نبينا محمد صلوات الله وسلامه عليه ...... ثم نذكر ما بعد ذلك إلى زماننا، ونذكر الفتن والملاحم وأشراط الساعة. ثم البعث والنشور وأهوال القيامة.... وما ورد في ذلك من الكتاب والسنة والآثار والأخبار المنقولة المعقولة عند العلماء وورثة الأنبياء..."» فكان الكتاب بحق المرآة الصادقة، والمرجع الأصيل لأهل هذا الفن.

وهذا الفصل من كتاب البداية والنهاية هو من سنة خمس وأربعمائة حتى نهاية سنة خمس عشرة وأربعمائة وفيه يروي ابن كثير الأحداث التالية التي حدثت في مصر نوردها هنا لطرافتها.

الحاكم بأمر الله

فيها منع الحاكم صاحب مصر النساء من الخروج من منازلهن أو أن يطلعن فوق الأسطح أو من الطاقات ومنع الخفافين (أي صناع الأحذية) من عمل الخفاف لهن ومنعهن من الخروج إلى الحمامات. 

وقتل خلقاً من النساء على مخالفته في ذلك وهدم بعض الحمامات عليهن وجهز نساء عجائز كثيرة يستعلمن أحوال النساء لمن يَعشِقن أو يُعشَقن بأسمائهن وأسماء من يتعرض لهن فمن وجد منهن كذلك أطفأها وأهلكها. 

ثم إنه أكثر من الدوران بنفسه ليلاً ونهاراً في البلد في طلب ذلك وغرق خلقاً من الرجال والنساء والصبيان ممن يطلع على فسقهم فضاق الحال واشتد على النساء وعلى الفساق ذلك ولم يتمكن أحد منهن أن يصل إلى أحد إلا نادراً. 
حتى أن امرأةً  كانت عاشقةً لرجلٍ عشقاً قوياً كادت أن تهلك بسببه لما حيل بينها وبينه فوقفت لقاضي القضاة وهو " مالك بن سعد الفارقي " وحلفته بحق الحاكم لما وقف لها واستمع كلامها فرحمها فوقف لها فبكت إليه بكاءاً شديداً مكراً وحيلةً وخداعاً وقالت له أيها القاضي إن لي أخاً ليس لي غيره وهو في " السياق "  وإني أسألك بحق الحاكم عليك لما أوصلتني إلى منزله لأنظر إليه قبل أن يفارق الدنيا وأجرك على الله فرق لها القاضي رقة شديدة وأمر رجلين كانا معه يكونان معها حتى يبلغانها إلى المنزل الذي تريده. 

فأغلقت المرأة باب بيتها وأعطت المفتاح لجارتها وذهبت معهما حتى وصلت إلى منزل معشوقها فطرقت الباب ودخلت وقالت لهما اذهبا هذا منزله فاذا رجل كانت تهواه وتحبه ويهواها ويحبها فقال لها كيف قدرت على الوصول إلي فأخبرته بما احتالت به من الحيلة على القاضي فأعجبه ذلك من مكرها وحيلتها. 

وجاء زوجها من آخر النهار فوجد بابه مغلقاً وليس في بيته أحد فسأل الجيران عن أمرها فذكرت له جارتها ما صنعت فاستغاث على القاضي وذهب إليه وقال له ما أريد امراتي إلا منك الساعة وإلا عرفت الحاكم فإن امراتي ليس لها أخ بالكلية وإنما ذهبت إلى معشوقها فخاف القاضي من معرة هذا الأمر فركب إلى الحاكم وبكى بين يديه فسأله عن شأنه فأخبره بما اتفق له من الأمر مع المرأة. 

فأرسل الحاكم مع ذينك الرجلين من يحضر المرأة والرجل جميعا على أي حال كانا عليه فوجدهما متعانقين سكارى فسألهما الحاكم عن أمرهما فأخذا يعتذران بما لايجدي شيئا فأمر بتحريق المرأة في بادية وضرب الرجل ضرباً مبرحاً حتى أتلفه ثم ازداد احتياطاً وشدة على النساء حتى جعلهن في أضيق من جحر ضب. 

و لا زال هذا دأبه حتى مات ذكره ابن الجوزي.


الاثنين، 22 يونيو 2020

لامية العرب




لا أستطيع أن أخفي إعجابي الشديد ببعض الشخصيات التاريخية الذي يصل بي في بعض الأحيان إلى درجة الإنبهار الشديد بها. 

ومن هذه الشخصيات شخصية تتعدد صفاتها تعدداً مذهلاً وتتناقض أيضاً تناقضاً مذهلاً. ومن  صفات هذه الشخصية أنه كان فتاكاً وكان عداءاً وكان صعلوكاً وكان شاعراً وكان من الخلعاء.



هذه الشخصية هي ثابت بن أوس الأزدي الملقب بـ "الشنفري" المتوفى سنة 70  ق. هـ.  والذي تعد سيرته من أكثر السير غرابة وتشويقاً فيما تداوله المؤرخين ورواة الأخبار ممن يهتمون بتاريخ العرب الجاهلي وسير مشاهيرهم وشعرائهم.

وقد عاش الشنفري بين بني سلامان من بني فَهم الذين أسروه وهو طفل صغير . ولما شبّ وعرف بقصة أسره حلف أن يقتل من بني فهم مائة رجل.

عاش الشنفرى في البراري والجبال مع إخوانه تارة ومنفرداً تارة أخرى يغزو على قدميه وعلى فرسه ويهاجم الناس ويسلبهم . مات مقتولاً على يد أحد أفراد القبيلة التي انتقم منها وقتل تسعة وتسعين من رجالها . أما القتيل المائة فقد قيل إنه بعد أن مات الشنفري رفسه القاتل على جمجمته فدخلت شظية في قدمه وقتلته.

وكان ممن قتلهم رجل قتله في منى في موسم الحج. إذ قيل له هذا الرجل هناك هو قاتل أبيك فمشى إليه وقتله.

وعلى الرغم من أن عدداً من قصائد العرب الجيدة قد جمعت في مجموعات مميزة  كالمعلقات و الأصمعيات و المفضليات  إلا أن قصيدة واحدة لم تنفــرد باسم خاص بها كما حدث لـ "لاميّة العرب" التي نظمها الشنفري مما يميزها عن غيرها من القصائد مما يثير التساؤل عن سبب تفردها بهذه الميزة.



 و"لاميّة العرب" هي القصيدة التي أولها :

أقـيـمــوا بـني أمـي صدور مـطيـكـم             فـإنـي إلى قــوم ســواكـم لأَمْـيــل
فـقد حـمت الحـاجـاتُ، والـلـيـلُ مقمرٌ     وشُـدت، لِطـياتٍ، مـطـايا وأرحُلُ
وفي الأرض مَـنْأيً للكريم عن الأذى           وفـيهـا لـمـن خـاف القِـلى مُتعزَّلُ
لَعَمْرُكَ ما بالأرض ضيقٌ على أمرئٍ     سَـرَى راغـباً أو راهباً وهو يعقلُ

و لا شك أن للنقاد الذين أطلقوا عليها اسـم " لاميّة العرب " أسبابهم المقبولة. ويصفها النقاد بأنها " صدرت عن طبيعة صافية و فطرة ساذجة لا تكلف فيها و لا تصنع و لا رياء لذلك جاءت معانيها مواكبة لآلام الشاعر و آماله و طباعه و أحداث حياته. و اشتملت على فضائل إنسانية و محامد خلقية لم نجدها في كثير من قصائد معاصرية مثل الصبر و العفة و سمو النفس و علو الهمة و إباء الذل و الضيم ".

كما أُعجب المستشرقون أيضاً باللامية ، فترجمت إلى الإنجليزية والفرنسية والألمانية والإيطالية واليونانية.

و يشير النقاد أيضاً: " حسب هذه القصيدة فخراً أن الرواة نسبوا للنبيّ ( ص ) قولاً جاء فيه { علموا أولادكم لاميـّـة العرب فإنها تعلمهم مكارم الأخلاق }  فإذا صحت هذه الرواية تكون هذه القصيدة و صاحبها قد بلغــا درجة رفيعة لم يبلغها أصحاب المعلقات على عظمة قدرهم الشعري و نفاسة قصائدهم و ذيوع صيتهم في الآفـاق ".

و يضيف النقاد أن من الملاحظات المهمة التي تميزت بها اللامية بعكس كثير من قصائد الشعراء الفحول "كعنترة"  و "عمرو بن كلثوم"  أنها قد خلت من حديث  الخمر و المباهاة بشربها و الإنفاق عليها. ولم تتضمن ذكر النساء و التهالك على التلذذ بهنّ و سمت أبياتها عن الإقرار بالفحش كما في بعض شعر "إمرئ القيس".

وكان ما أثار إهتمامي بهذا الشاعر قصيدة جميلة أخرى له والتي يقول فيها:

أَلا أَمُّ عَـمـرو أَجـمَـعَت فَاِستَقَلَّتِ         وَمـا وَدَّعَـت جـيـرانَها إِذ تَوَلَّتِ
وَقَد سَـبَقَـتـنا أُمُّ عَــمرو بِـأَمـرِها         وَكَانَت بِأَعـنـاقِ الـمَـطِيَّ أَظَلَّتِ
بِعَينَيَّ ما أَمسَت فَباتَت فَأَصبحَتَ         فَـقَـضَّت أُموراً فَاِستَقَـلَّت فَوَلَّتِ
فَــوَا كَـبِـدا عَـلى أُمَـيمَـةَ بَـعـدَمـا         طَمِعتُ فَهَبها نِعمَةَ العَيشِ زَلَّتِ

وينتمي الشنفري  إلى الفئة التي عرفت بـ " صـعــاليك العــرب " وهي فئة انتفضت من قلب طبقة الفقــراء و المظلومين ثارت على أعراف القبيلة و ظلم أغنيائها وحاولت بطريقتها الخاصة إرساء قواعد لمجتمع يسوده العدل و التكافل. و يقال أن أفراد هذه الفئـة قد امتازوا بالشجاعة و الأنفة و الإقدام و أنهم لم يخرجوا على قبائلهم لسفه أو دناءة خلق  لكن من أجل تغيير الأعراف الجـائرة. ولأنهم كانوا يؤمنون بعدالة قضيتهم ،  فقد كان الصعاليك يفتخرون بأعمالهم وغــاراتهم و إن كان يتخللها بعض من نهب و سبي و قتل . ولا ينسى هؤلاء الصعاليك و هم  يغيرون و يقتلون أن يحافظوا على فضائلهم و قيمهم الخلقية.

و قد مثل الشنفري حركة الصعلكة  بقيمها و مظاهرها  أدق تمثيل و كان مثالاً للصعلوك المتسلح بالصلابة و الشجاعة و الجرأة فمن حيث القوة البدنية كان يسابق الخيل حتى ضرب به المثل في سرعة الجري فقيل " أعدى من الشنفري " وقد ذرع خطوه ليلة قتل فوجد أن أول نزوة نزاها كانت إحدى وعشرين خطوة، ثم الثانية سبع عشرة خطوة.

هذا إلى جانب تحليه بالفضائل و القيم الخلقية و السلوكية و كان يقيم أطيب العلاقات مع زملائه  الصعاليك من أمثال "تأبط شراً" و "عامر بن الأخنس" و "عمرو بن براق"  وغيرهم .
و حين قتل "الشنفري" أقسم "تأبط شرّا" أن ينتقم له و رثاه بقصيدة  عدد فيها مآثره و سجاياه.

وحين قبض عليه "بني سلامان" ربطوه إلى شجرة، فقالوا: قف أنشدنا، فقال مقولته المشهورة التي أصبحت مثلا: "الإنشاد على حين المسرة".  
أي أنه لا ينشد الشعر إلا إذا كان مسروراً.

ثم أنهم سألوه حين أرادوا قتله - أين نقبرك فقال:


لاتقبروني! إن قبري محرم عليكم ولكن أبشري أم عامر

وأم عامر هي كنية الضبع عند العرب. أي أنه أبى عليهم أن يقبروه وإنما أن يتركوه طعاماً للضواري في العراء.




عاطف شوشه

الجمعة، 19 يونيو 2020

ضرب زيدٌ عمراً





إنما كان ضرب زيـد لعمرو    في كـلام النحاة نـثراً ونـظما
إن داود قـال يــا زيـد عمرو    أخذ الواو من حـروفي ظـلما
فاجتهد في خلاص حقي منه    واضربنه على التمادي حتما




لماذا يقول النحاة دائما ضرب زيدٌ عمراً لا العكس ؟


ذكر الشيخ محمد بن إبراهيم الحمد في شرح متن كتاب "قطر الندى و بل الصدى" قصة لطيفة وقعت بين أحد الأمراء وكان اسمه داود وبين أئمة النحو في عصره فكل من كلمه منهم أدخله السجن.


وكان سبب ذلك هوعدم تمكنهم من إجابته جواباً مقنعاً على سؤاله المتمثل في قول النحاة: 

"لماذا يضرب زيدٌ عمراً دائماً ؟". 

 فكل النحويين الذين سألهم الأمير هذا السؤال قالوا: "تمثيلاً فقط و جرياً على ما اعتدناه من مشايخنا".

 فلما دخل عليه آخرهم و كان شديد الذكاء و علم بأن مراد الأمير سجن الأئمة لا غير و إنما أورد عليهم ذلك السؤال تعجيزاً لهم. 

قال الإمام النحوي: "انا أجيبك ولكن بشرط". 

فقال الأمير: "شروطك منفذة بعد الجواب". 

فقال له الإمام النحوي: "إننا نجعل عمراً مضروباً دائماً لأنه سرق حق غيره".

 فتعجب الأمير و قال: "وما الذي سرقه  عمرو؟"

فقال الامام: "لقد سرق الواو من داود فإن داود حقه أن يكتب بواوين لأنها تنطق عند ذكره خلافاً لعمرو فإنه ينطق بدون الواو و لكن يكتب بها. وقد طلب داود من زيد أن يأخذ له حقه من عمرو فلما أبى أن يرد الواو وتمادى في رفضه ضربه زيد". 

فتعجب الأمير و قال له : "ما طللبك ؟ ".

قال الإمام : " أن تطلق سراح أئمة النحو اللذين في سجنك".  

فأطلق الأمير سرا حهم.



ولهذا يقال بأن النحوي لا يُخطئ لأنه يجد دائماً مخرجاً بتأويلاته.






عاطف شوشه

الأحد، 14 يونيو 2020

مثلث قطرب






عندما نذكر المثلثات يتجه تفكير الكثير منا وخاصة دارسي العلوم الرياضية والهندسية إلى علم حساب المثلثات الذي يحبه الكثير منا إما لبساطة منطقه أو لأنه علم ابتكرناه نحن لأن قدماء المصريين هم أول من عمل بقواعده إذ استخدموها إستخداماً عملياً مبهراً في بناء الأهرامات وكذلك في بناء معابدهم. 



ويتجه تفكير البعض الآخر إلى مثلثات أخرى من أنواع مختلفة.

فالمتدينون سيذكرون على الفور مثلث أوعقيدة الثالوث في المسيحية والتي تذكر أن الله هو إله واحد لكن في ثلاثة أشخاص أو أقانيم مختلفة هي الآب والإبن (يسوع) والروح القدس. أي أن "الله واحد في ثلاثة أقانيم إلهية". 





أما الذين يميلون إلى الغموض والأسرار سيذكرون على الفور "مثلث برمودا" والمعروف بإسمه الاخر وهو مثلث الشيطان. وهو منطقة جغرافية على شكل مثلث متساوي الاضلاع رؤوس هذه الاضلاع تقع بين جزر برمودا وفلوريدا وبورتيريكو. وهي منطقة يلفها الكثير من الغموض وبنيت عليها الكثير من الأساطير وحوادث الإختفاء الغامضة لطائرات وسفن ضخمة.



أما محبي تاريخ مصرالفرعوني فسيذكرون "ثالوث أبيدوس" الذي يتكون من "أوزوريس" و"إيزيس" وابنهم "حورس" والأسطورة الفرعونية الشهيرة بكل تفاصيلها المثيرة. 
وكذلك "ثالوث منف" الذي يتألف من "بتاح" و " سخمت" و "نفرتم"  و"ثالوث طيبه" المكون من "آمون" و"موت" و"خنسو".




أما الرومانسيون فلن يخطر ببالهم إلا مثلث العشق الذي يتلخص في رجل وامرأة وشخص ثالث والذي لخصه الشاعر العربي القديم في بيت واحد من الشعر وهو:


"جننا بليلى وهي جنت بغيرنا وأخرى بنا مجنونة لا نريدها"


وعن هذا البيت بالتحديد قال "غازي القصيبي" الشاعر السعودي الشهير: " نصف المشاكل العاطفية يلخصها هذا البيت. ولو قاله فرويد في مؤتمرات علم النفس لاعتبر نظرية علمية أمّا وقد قاله أعرابي كحيّان فقد ظل مجرد بيت شعر."


أما المثلث الذي لا يعرفه الكثيرون والذي نحن بصدد الكلام عنه الآن فهو مثلث من نوع آخر مختلف هو "مثلث لغوي". 


وضع هذا المثلث أو الكتاب اللطيف في موضوعه الخفيف في حجمه الشيق في عرضه "أبو علي محمد بن المستنير بن أحمد البصري" المتوفى سنة 206 هـ وهو أحد من تتلمذوا على سيبويه العالم النحوي المعروف وتعلم منه، وكان يدلج إليه، وإذا خرج رآه على بابه غدوة وعشية، فقال له: ما أنت إلا قطرب ليل فاشتهر بهذا اللقب واشتهر كتابه هذا بـمثلثات قطرب. والقطرب هو كائن صغير كان معروفاً على عهدهم وكان دائم الحركة يسعى على رزقه منذ الصباح الباكر حتى آخر الليل.



ومثلثات قطرب هي دراسة لغوية دلالية للمفردات التي تتفق في البناء الصرفي من حيث ترتيب الحروف، وتختلف حركاتها. وسميت مثلثات لأنها تجمع كل ثلاث كلمات في مجموعة، تتغير معانيها حسب حركاتها. واشتملت الدراسة على اثنتين وثلاثين مفردة مثلّثة حيث بدأ بمجموعة (الغَمْرُ، الغِمْرُ، الغُمْرُ)، وانتهى بمجموعة (الصَّلُّ، الصِّلُّ، الصُّلُّ).

وكان قطرب قد كتب المثلثات منثورة فلما وصلت إلى "أبي بكر الوراق" بمدينة "بهنسا" استحسنها ونظمها شعراً. ثم جاء من بعده عدة أشخاص آخرين نظموها أيضا شعراً مثل ابن زريق وعبد العزيز المكناسي.

وقد كان قطرب أول من ألف في هذا المجال، وتبعه غيره كالبطليوسي والخطيب والبلنسي بمؤلفات فاقته من حيث عدد الكلمات المدروسة وتنوعها، وقد عرضها بطريقته الخاصة، إذ رتبها ترتيبا تصاعديا بدءًا من أخفّ الحركات، وهي الفتحة وانتهاء بأثقلها وهي الضمة، ثم يستشهد على المفردة بأحد الشواهد من القرآن والحديث والأشعار.




ونعرض هنا بعض النماذج المختصرة من كتاب "مثلث قطرب" .


الكَلام ، الكِلام ، الكُلام:
تـــيـم قلــبـي بالكَـــلام     وفي الحشا منه كِلام
فسرت في أرض كُلام     لـكــي أنـال مطـلبـي

الكَلام بـفـتح الكاف: هو الحديث المتداول بين الناس
الكِلام بكسر الكاف:  الجراح في الجسم
الكُلام بـضم الكاف: الأرض اليابسة الصلبة

الحَرة ، الحِرة ، الحُرة:
ثـبت بأرض حَـرة   مـعــروفة بـالحِــرة
فقلت يـابـن الحُـرة   إرث لما قد حل بي

الحَرة بـفتح الحاء: الحرارة
الحِرة بكسر الحاء: العطش
الحُرة بضم الحاء: هي الحرة من النساء

الصَرة ، الصِرة ، الصُرة:
صاحبني في صَرة   في ليلة ذي صِرة
وما بـقـي في صُرة   خـردلة من ذهـب

الصَرة بفـتـح الصاد: جماعة من الناس وقيل أيضاً هي الضجة والصيحة
الصِرة بكسر الصاد: الليلة الباردة 
الصُرة بضم الصاد: الخرقة يصر فيها الدراهم

القَسط ، القِسط ، القُسط:
طــارحني بـالقَسط   ولم يزن بالقِسط
في فيه طعم القُسط   والعنبر المطيب

القَسط بفتح القاف: الجور والإعتداء (وأما القاسطون فكانوا لجهنم حطبا)
القِسط بكسر القاف: العدل (ونضع الموازين القسط)
القُسط بضم القاف: طيب الرائحة

ولقد اشتريت هذا الكتاب من معرض الكتاب الأخير من دار "كشيدة" المعروفة بميولها الشيعية.

وكلمة "كشيدة" في اللغة العربية تعني الأداة المستعملة لإطالة الحرف المكتوب ليتحقق تساوي المقاطع " ـ ". والمثال على هذا:

باستخدام الكشيدة : طــارحـني بـالـقَـسـط 
بدون الكشيدة :     طارحني بـالقَسط



اللهم انفعنا بما علمتنا وعلمنا ما ينفعنا.


عاطف شوشه






الاثنين، 8 يونيو 2020

لا أستطيع أن أتنفس - مالكوم إكس






"أعلم تماماً أنك تختنق. الهواء هنا لا يناسبك بأي حال من الأحوال. الهواء هنا ملئ بالخبث والدمامة والتشويه." 

"أعلم أنهم أتوا بك إلى هنا من مكان بعيد جداً رغماً عن إرادتك. أتوا بك من هناك حيث هواء الغابات الرائق المحمل برائحة العشب الأخضر والبحيرات الشاسعة والأنهار العذبة مازال يتجول بصحبة الطيور بلا قيود بين الأشجار العالية التي تصل السماء الزرقاء الصافية بالأرض الخضراء الممتدة". 

"هناك كنت تتنفس بعمق وطمأنينة ملأ صدرك وتنمو سوياً بلا أية مكدرات أو تعقيدات نفسية." 

"إذا أردت أن تتنفس بحرية مطلقة عد إلى هناك ولا ترجع إلى هنا مرة أخرى."

إذا أردت ألا تختنق ثانية عد إلى هناك."  


"أيها الرجل الأسود."


"لم أشهد في حياتي أصدق من هذا الإخاء بين أناس من جميع الألوان والأجناس، أمريكا في حاجة إلى فهم الإسلام لأنه الدين الوحيد الذي يملك حل مشكلة العنصرية." 

بهذه الكلمات الصادقة النابعة من أعماق داعية إسلامي أمريكي أسود قضى تسعة وعشرون عاماً يدعو إلى الإسلام بدون أن يعرف كيف يؤدي الصلاة كما يجب أن تكون وصف "مالكوم إكس" رحلته للحج التي قابل أثناءها الملك "فيصل" ومستشاره "عبد الرحمن عزام". 

وهذا المشهد الذي انبهر به مالكوم في الحج هو مشهد نعتبره عادي جداً بالنسبة لنا منذ زمن بعيد اعتدنا عليه في بلادنا كما اعتدنا عليه في كل أماكننا المقدسة.

و في القاهرة التي بدأ منها رحلته إلى مكه قابل الرئيس "جمال عبد الناصر" وقابل كل من شيخ الأزهر ومفتي مصر الشيخ "حسنين مخلوف" الذين شرحا له أن ممارسات جماعة "أمة الإسلام" التى ينتمي إليها تنافي تعاليم الإسلام. وهكذا بعد أن تعرف على الإسلام الصحيح أعلن مالكوم إسلامه من جديد وتهيأ لمرحلة خطيرة في حياته ستقابله عند العودة إلى موطنه أمريكا.

مالكوم يصلي في مسجد قلعة صلاح الدين بالقاهرة

مالكوم في القاهرة
مالكوم مع الملك فيصل




كان والد مالكوم قساً معمدانياً وناشطاً سياسياً في أكبر منظمة للسود آنذاك وهي "الجمعية العالمية لتقدم الزنوج". 

كانت حياة عائلة مالكوم سلسلة من النكبات فقد شهد الأب مقتل أربعة من إخوانه الستة على يد العنصريين البيض، وتعرض لمضايقات وتهديدات بسبب نشاطاته السياسية، فرحل إلى مدينة لانسنغ في ولاية ميتشيغان في العام 1928م. 

وبعد عدة شهور أحرقت منظمة كوكلوكس كلان العنصرية منزل العائلة فرحلت العائلة من جديد إلى ضواحي مدينة لانسنغ، وفي العام 1931 قُتل والد مالكوم بصورة وحشية على يد العنصريين البيض ولكن السلطات ادعت أنه مات دهساً. 

فقامت أمه بتربية أطفالها الثمانية دون مورد للرزق لا سيما أن السلطات حجبت عنها كل الإعانات و الحقوق المالية، وفي عام 1939 أصيبت أمه بانهيار عصبي فأدخلت مصحة للأمراض العقلية.

مالكوم ليتل أو مالكوم إكس - لاحقاً - في طفولته


تردت أخلاق مالكوم وعاش حياة التسكع والتطفل والسرقة فتم طرده من المدرسة وهو في السادسة عشرة من العمر وأودع سجن الأحداث، واستكمل تعليمه الثانوي وهو في السجن.

كان مالكوم إكس ذكياً نابهاً تفوق على جميع أقرانه فشعر أساتذته بالخوف منه مما حدا بهم إلى تحطيمه نفسياً ومعنوياً والسخرية منه. فقد تخرج من الثانوية بتفوق وحصل على أعلى الدرجات بين زملائه وكان يطمح أن يصبح محامياً غير أنه لم يكمل تعليمه وترك الدراسة بعد أن أخبره أحد المدرسين أن حلمه بالذهاب إلى كلية الحقوق بعيد كل البعد عن الواقع كونه زنجياً.

إنتهى الأمر بمالكوم في السجن بعد أن مارس جميع أنواع الإجرام في بوسطن ونيويورك. وفي السجن وصلته عدة رسائل من إخوانه يبلغونه فيها اعتناقهم لدين جديد دين للسود قادر على إنقاذهم وعلى إنهاء عصر سيطرة الشيطان الأبيض، لم يكن هذا الدين سوى أجزاء مبعثرة من دين الإسلام.

وكانت حركة "أمة الإسلام" قد ظهرت في أوائل القرن العشرين  بين السود في أمريكا وتبنت الإسلام بمفاهيم خاصة غلبت عليها الروح العنصرية على يد رجل أسود غامض الأصل اسمه "والاس فارد" ظهر فجأة في ولاية "ديترويت" داعياً إلى مذهبه بين السود، واختفى بصورة غامضة بعد ذلك بأربع سنوات، فحمل لواء الدعوة بعده "إليجا محمد" وصار رئيسًا لأمة الإسلام.

علم حركة أمة الإسلام المأخوذ من إرث الثقافة العثمانية بالهلال الأبيض والخلفية الحمراء.

وقد كانت تلك الحركة تنادي بأفكار عنصرية منها أن الإسلام دين للسود، وأن الشيطان أبيض والملاك أسود، وأن المسيحية هي دين للبيض، وأن الزنجي تعلم من المسيحية أن يكره نفسه لأنه تعلم منها أن يكره كل ما هو أسود. فكان لديها مفاهيم مغلوطة وأسس عنصرية منافية للإسلام رغم اتخاذها له كشعار، فقد كانت تتعصب للعرق الأسود وتجعل الإسلام حكراً عليه فقط دون بقية الأجناس.

وفي السجن تردد مالكوم على المكتبة التي ضمت آلاف الكتب وتعلم اللغة اللاتينية، كما انقطع عن التدخين وأكل لحم الخنزير وعكف على القراءة والإطلاع فقرأ آلاف الكتب في شتى صنوف المعرفة، فأسس لنفسه ثقافة عالية مكنته من استكمال جوانب النقص في شخصيته. ثم حفظ المعجم فتحسنت ثقافته، حيث شرع بنسخ كلمات القاموس كلمة إثر كلمة، فبدا السجن له كأنه مرحلة اعتكاف علمي وانفتحت بصيرته على عالم جديد فكان يقرأ في اليوم خمس عشرة ساعة، وعندما تطفأ أنوار السجن في العاشرة مساء كان يقرأ على ضوء المصباح الذي في الممر حتى الصباح.

السجن الذي حبس فيه مالكوم إكس فترة عقوبته. (ألتقطت الصورة عام 1983)


وقرأ قصة الحضارة وتاريخ العالم، وما كتبه النمساوي مندل في علم الوراثة، وتأثر بكلامه في أن أصل لون الإنسان كان أسود، وقرأ عن معاناة السود والعبيد والهنود الحمر من الرجل الأبيض وتجارة الرقيق، وقرأ أيضاً لمعظم فلاسفة الشرق والغرب فغيرت القراءة مجرى حياته، وكان هدفه منها أن يحيا فكرياً لأنه أدرك أن الأسود في أمريكا يعيش أصم أبكم أعمى بسبب بعده عن القراءة أو التعلم. 

ودخل في السجن في مناظرات أكسبته خبرة في مخاطبة الجماهير والقدرة على الجدل، وبدأ يدعو غيره من السجناء السود إلى حركة أمة الإسلام فاشتهر أمره بين السجناء، فأكسبته هذه المناظرات العديدة قوة الحجة وفصاحة اللسان. حتى استطاع جذب الكثيرين للانضمام إلى هذه الحركة داخل السجن، فصدر بحقه عفو وأطلق سراحه.

إنضم مالكوم بعد خروجه من السجن رسمياً إلى منظمة أمة الإسلام وتحول إلى حياة الزهد والتعلم. 

نظراً لقدرات مالكوم التنظيمية والقيادية والخطابية فقد تدرج مالكوم شيئاً فشيئاً ضمن الجماعة إلى أن أصبح الداعية الأول في أمة الإسلام يدعو إلى الانخراط فيها بخطبه البليغة وشخصيته القوية إلى أن تقلد منصب المتحدث الرسمي للحركة ويرجع إليه الفضل في ازدياد أتباع المنظمة من 500 شخص في عام 1952 إلى 30.000 شخص في عام 1963.

وحدث أن إنفصل مالكوم عن حركة أمة الإسلام نتيجة لاختلافه مع زعيمها وكذلك لعدم رضاه عن أداء المنظمة المتردي في أنحاء البلاد الجنوبية حيث العنصرية ضد السود في أبشع صورها.

بدأ مالكوم طور جديد من حياته عندما قرأ كتاباً في تعاليم الإسلام وعن شعيرة الحج فقرر أن يؤدي هذه الفريضة. فسافر لتأدية الحج في سنة 1379 هـ الموافق عام 1964.

مالكوم يؤدي الصلاة، عام 1964

عاد مالكوم من الحج واعتنق المذهب السني وأنشأ منظمة جديدة تحت إسم "المسجد الإسلامي" يدعو فيها جميع الأعراق والأجناس إلى التعايش بسلام وعاد باسم جديد كذلك هو الحاج "مالك شباز" الذي يشير إلى أصوله الأفريقية بعد أن كان قد غير اسمه من "مالكوم ليتل" إلى "مالكوم إكس" - حرف الإنجليزية X -وكان هذا إجراءاً معهوداً من قبل المنضوين في أمة الإسلام  وهو يرمز إلى الاسم الأخير الذي سلب منهم جراء استعبادهم علي يد البيض إذ أن إكس ترمز  في الرياضيات للمجهول وغير معلوم الأصل.
ويتابع مالك شباز نضاله ضد التمييز العنصري في أمريكا ناشراً فهمه الصحيح للإسلام، فالإسلام كما يذكر مالكوم:

"الدين الوحيد الذي كان له القوة في جعله يقف في وجه مسيحية الرجل الأبيض ويحاربها."

يقصد بذلك المسيحية التي حملها المستعمر في حملاته الصليبية على العالم، لقد أصبحت بذلك دعوة مالكوم عالمية فزار العديد من بلاد العالم وخصوصاً في القارة السمراء مؤسساً بذلك منظمة "الوحدة الأفروأمريكية".

حاول مالكوم تصحيح مفاهيم جماعة أمة الإسلام الضالة، فقوبل بالعداء والكراهية منهم وبدءوا بمضايقته وتهديده فلم يأبه لذلك، وظل يسير في خطى واضحة يدعو إلى الإسلام الصحيح الذي يقضي على جميع أشكال العنصرية.

وبتنامي الخلافات بين مالك ومنظمة أمة الإسلام، قامت المنظمة بإعطاء أوامرها الصريحة بقتله.

وفي الحادي والعشرين من شهر فبراير عام 1965 صعد مالكوم إلى منصة في قاعة مؤتمرات في مدينة نيويورك ليلقي محاضرة يدعو فيها إلى الإسلام فقام ثلاثة من أعضاء  أمة الإسلام باغتياله.


مالكوم في الكفن قبل الدفن. ظهرت هذه الابتسامة على وجهه منذ حادثة قتله إلى اليوم الذي دفن فيه. وقبلها رفع إصبع السبابة بعد أن انزرعت الطلقات الستة عشر في جسده.
المنصة التي اغتيل عليها مالكوم إكس، ويظهر في الخلف على الحائط بعض الطلقات التي اخترقت جسده.

تعد مأساة استعباد الأفارقة السود على يد المستوطنين الأمريكيين طوال 400 عام أحد أشد فصول التاريخ عنفاً ووحشيةً وفي المقابل نشأت فصول من المقاومة والنضال قام بها الأفارقة السود منذ الأيام الأولى لاستعبادهم وإلى يومنا هذا.

ويعد الفيلم الذي صور عن حياة مالكوم إكس هو الفيلم الأجنبي الوحيد الذي سمحت الهيئة الشرعية في السعودية بتصويره في مكه. والفيلم مأخوذ عن قصة حياته التي كتبها معه "أليكس هالي" مؤلف مسلسل "جذور الشهير الذي يصور استعباد الزنوج في أمريكا.

ملصق فيلم مالكوم إكس عام 1992، بطولة دنزيل واشنطن.

هناك من يدعي بأن الإسلام لم يقض على العبودية والرق في العالم وإنما من قضى عليه هو الغرب متمثلاً في أبرهام لينكولن ويأتون بالبراهين ويدافعون عن هذا الرأي دفاع المستميت. 

إن ما يحدث الآن في الغرب عامة وعلى الساحة الأمريكية خاصة يبرهن على أن الإجبار على نبذ العبودية باستعمال القوة والقانون لم يؤد إلى أي نتيجة إيجابية وأن الواقع  الذي نراه الآن هو ما رسخ في الوجدان ولم تغيره السنين والأيام وأن القناعات الداخلية لا تغيرها القوانين الوضعية وتظل ثقافات الشعوب هي التي تتحكم في حركته وانفعالاته وانفلاتاته التي يندفع إليها بدون أي وعي أو سابق تدبير.

أما الإسلام الذي ينكرون دوره في القضاء على استعباد الإنسان لأخيه الإنسان فقد غير ثقافة العبودية والرق عند المسلمين بأسلوب جميل ومحبب بالممارسة العملية. حتى أن المسلم اليوم قد يتمنى أن يجد عبداً في أي مكان لا لكي يقوم باسترقاقه وتسخيره وإذلاله ولكن لكي يعتقه ويكسب جراء ذلك الأجر العظيم الذي وعده به ربه. 

فقد جعل الإسلام عتق العبيد يرتبط بحالات من البهجة والفرحة تحبب إليه هذا العمل وترغبه فيه. ففي العتق في كثير من الأحوال كفارة للكبائر والذنوب العظيمة وإذا كفرت الذنوب والكبائر كان أمل العبد المسلم في دخول الجنة أكبر.


وفي العتق أيضاً نجاة من القصاص إذا قتل المسلم إنساناً عن طريق الخطأ. وفيه كذلك كفارة عن عدم الوفاء باليمين. وفيه أيضاً كفارة الظهار. وفيه غير كل ذلك قربة إلى الله فمن عتق رقبة كانت له أمناً من دخول النار.

فنبذ العبودية والرق في الإسلام يرتبط بسعادة المسلم وفرحته. واستمر الحال كذلك منذ ظهور الإسلام حتى لم يبق هناك أي عبيد في الدول الإسلامية. 

أما التمييز بين البشر على خلفية العرق أو لون البشرة أو الخلقة فقد كان لتركيز الإسلام على كراهته في كل صوره أن ترسخت في نفس المسلمين عقيدة قبول الآخرين ليس فقط كإخوة لهم في الدين بل ومرشدين ومعلمين وقواد على أساس واحد فقط وهو مدى تدينهم أو مدى تقواهم.



عاطف شوشه