الاثنين، 8 أبريل 2019

ثلاث وعشرون كعبة



ثلاث وعشرون كعبة كانت موجودة في الجزيرة العربية قبل أن تتحول كلية إلى الإسلام.

يقول الباحث  محمود سليم الحوت  صاحب كتاب  "في طريق الميثولوجيا عند العرب": " يجب ألا يخطر على بال أحد أن مكة – وإن ارتفعت مكانتها عن سواها من أماكن العبادة – هي القبلة الوحيدة في الجزيرة ؛ فقد كان للعرب كعبات عديدة أخرى تحج إليها في مواسم معينة وغير معينة ، تعتر ( تذبح ) عندها ، وتقدم لها النذور والهدايا ، وتطوف بها ، ثم ترحل عنها بعد أن تكون قد قامت بجميع المناسك الدينية المطلوبة ". وقد اشتهر من بيوت الآلهة أو الكعبات ما وجدنا ذكره عند الهمداني ( بيت اللات ، وكعبة نجران ، وكعبة شداد الأيادي ، وكعبة غطفان ) ، وما ذكره الزبيدي ( بيت ذي الخلصة المعروف بالكعبة اليمانية )  ، وما جاء عند ابن الكلبي ( بيت ثقيف ) (، إضافة إلى ما أحصاه جواد علي ( كعبة ذي الشري . و كعبة ذي غابة الملقب بالقدس ) ومحجات أخرى لآلهة مثل ( اللات ، وديان ، وصالح ، ورضا ، ورحيم ، وكعبة مكة . وبيت العزي قرب عرفات ، وبيت مناة ).

قال ابن إسحاق في السيرة "وقد كانت العرب اتخذت مع الكعبة طواغيت وهي بيوت تعظمها كتعظيم الكعبة لها سدنة وحجاب وتهدي لها كما تهدي للكعبة وتطوف بها كطوافها بها وتنحر عندها وهي مع ذلك تعرف فضل الكعبة عليها لأنها كانت قد عرفت أنها قد بناها نبي وهو إبراهيم عليه السلام وأنها أول بيت بني لله على وجه الأرض". 

هذا مع ما جاء في قول الأستاذ العقاد في كتابه "مطلع النور": " .. البيوت التي تعرف ببيوت الله أو البيوت الحرام ، ويقصدها الحجيج في مواسم معلومة تشترك فيها القبائل .. وكان منها في الجزيرة العربية عدة بيوت مشهورة ، وهي بيت الأقيصر ، وبيت ذي الخلصة ، وبيت رضاء ، وبيت نجران ، وبيت مكة .. وكان بيت الأقيصر في مشارف مقصد القبائل ؛ من قضاعة ولخم وجذام وعاملة . يحجون إليه ويحلقون رؤوسهم عنده .. فالأمر الذي لا يجوز الشك فيه أن البيوت الحرام وجدت في الجزيرة العربية ؛ لأنها كانت لازمة .. وقد اجتمع لبيت مكة من البيوت الحرام ما لم يجمع لبيت آخر في أنحاء الجزيرة ؛ لأن مكة كانت ملتقى القوافل ؛ بين الجنوب و الشمال ، و بين الشرق والغرب ." 

إذاً لم تكن هناك كعبة واحدة وصخرة واحدة  فى الجزير’ العربي’ بل كان هناك ثلاث وعشرون كعبه وكل كعبة بها صخرة إلا أن كعب’ مكه كانت تعتبر هى الأشرف والأكثر تميزاً وموضع تكريم العرب جميعاً  وكانت قبيل’ قريش هي أكبر القبائل منزلة فى العرب ويسمون أفرادها " اهل الحرم" لأنه فى قريتهم كانت توجد الكعبه. 

وسميت هذه الكعبات بيوت الله ؛ لأن كل بيت منها فيه حجر من بيت الإله الذي في السماء ؛ تمييزاً له عن الأرباب التي لم تكن سوى مجرد تماثيل أو أحجار بركانية توضع في أفنية الكعبات ؛ انتفاعاً ببركات الأسلاف الصالحين ، وتشفعاً بهم عند إله السماء .

وروى البخاري عن عائشة نحوه: "وقد كانت بجزيرة العرب وغيرها طواغيت أخر تعظمها العرب كتعظيم الكعبة غير هذه الثلاثة التي نص عليها القرآن في كتابه العزيز وإنما أفرد الله هذه بالذكر لأنها أشهر من غيرها". ويقصد بالثلاثة  "اللات" و "العزى" و "مناة". ولهذه الأماكن الثلاثة كانت تشد الرحال فيقصدها العرب ويعظمونها كتعظيم الكعبة يطوفون بها وينحرون عندها. وهذه الآلهة الثلاثة مؤنثة لذا كان العرب يسمونها بنات الله ويعتقدون أنهن يشفعن لهم عنده.

ونذكر هنا بعض الأمثلة لهذه الكعبات.

اللات كما تخيلها النحاتون
"اللات" وكانت لثقيف أهل الطائف واللات لفظ مؤنث من كلمة الله وكانت تسمى أيضاً الطاغية والربة وكان بيتها يسمى بيت الربة. ولما أتت ثقيف مسلمة إلى رسول الله طلبوا منه أن يسمح لهم بأن يستمروا في عبادتها لثلاث سنوات فرفض الرسول فطلبوا سنة فرفض إلى أن وصلوا إلى شهر فرفض أيضاً فوافقوا بشرط أن يعفيهم من هدمها بأنفسهم فأرسل الرسول المغيرة بن شعبة لهدمها. وخرجت عامة ثقيف وهم يظنون أنها ممتنعة، فقام المغيرة بن شعبة فأخذ - المعول- وقال لأصحابه: والله لأضحكنكم من ثقيف، فضرب بالمعول، ثم سقط يركض برجله، فارتج أهل الطائف بصيحة واحدة وفرحوا، وقالوا أبعد الله المغيرة قتلته الربة.وقالوا لأولئك من شاء منكم، فليقترب، فقام المغيرة فقال: والله يا معشر ثقيف إنما هي حجارة، فاقبلوا عافية الله واعبدوه، ثم إنه ضرب الباب فكسره، ثم علا سورها، وعلا الرجال معه فما زالوا يهدمونها حجرًا حجرًا حتى سووها بالأرض، وجعل سادنها يقول: ليغضبن الأساس فليخسفن بهم، فلما سمع المغيرة قام، فحفر أساسها فحفروه، حتى أخرجوا ترابها وجمعوا ماءها وبناءها، وبهتت عند ذلك ثقيف.

"العزى" وكانت لقريش أهل مكه وبني كنانة. والعزى لفظ مؤنث من الأعز مثل الأكبر والكبرى وهي كوكب الزهرة أو كوكب الحسن التي فتنت هاروت وماروت كما تحكي الأسطورة وكانت بمكان يسمى "نخلة الشآمية"  وكان سدنتها وحجابها بني شيبان من سليم حلفاء بني هاشم . وكانت تعبد بثلاث شجرات وصنم وكان لها بيت وحمى. وفي عام فتح مكة أرسل النبي خالد بن الوليد لهدمها فقطع الشجرات الثلاثة وخرجت من آخرها امرأة عريانة سوداء نافشة شعرها تصرف بأسنانها وسادنها يهيجها على قتل خالد فيقشعر ظهر خالد ولكنه يقدم مشجعاً نفسه بترديده:

ياعزى كفرانك لا سبحانك   إني رأيت الله قد أهانك

ثم يضربها فيفلق رأسها ويقتل سادنها ويهدم البيت ويكسر الصنم ثم يعود للنبي فيخبره بما فعل فيقول له:" تلك العزى ولا عزى بعدها للعرب أما إنها لن تعبد بعد اليوم."

قال الله تعالى: "إِنْ يَدْعُونَ مِنْ دُونِهِ إِلاَّ إِنَاثاً وَإِنْ يَدْعُونَ إِلاَّ شَيْطَاناً مَرِيداً" قال ابن عباس: "كان في كل صنم شيطان يتراأى للسدنة فيكلمهم" وقال أبي بن كعب: "مع كل صنم جنية".


"مناة" وكانت لأهل المدينة وكانت بمكان على الساحل بين مكة والمدينة وكان الأوس والخزرج أكثر من يقدسها وكان الهذليون يعبدونها بحجر أسود وكانت العرب جميعاً تعظمها وعمت عبادتها قسم كبير من بلاد العرب وليس معروفاً سبب تسميتها  أو معرفة كنهها وتفصيل شعائرها لقدمها. ولم تزل على ذلك حتى خرج النبي من المدينة في السنة الثامنة للهجرة عام الفتح وعلى مسيرة أربع أو خمس ليال أرسل من هدمها وأخذ ما كان لها.

ذو الخلصة
" ذو الخلصة" وكانت  بيت مقدس في الجنوب قدسه عدد كبير من القبائل العربية مثل دوس وخثعم وبجيلة وأزد السراة ومن قاربهم من هوازن وكانت تسمى الكعبة اليمانية وكان ذو الخصلة على هيئة "مروة" (صخرة) بيضاء منقوشة وكان سدنته ( القائمين على خدمة الحجاج) من بنى إمامة من قبيلة باهلة وبعد فتح مكة أرسل النبي محمد جرير بن عبدالله لهدمة , فخرج فى بجيلة وتطلب الأمر قتال قبيلتى خثعم وباهلة اللتين دافعتا عن الصنم بشدة وسقط منهما المئات من القتلى وأضرم فى بيت الصنم النار ثم جعلوا صنم ذو الخلصة عتبة للمسجد هناك. وقد ظلت العرب تحج إلى هذا البيت حتى عام 1925 تحقيقاً لحديت النبي إن صح :"لا تقوم الساعة حتى تضطرب إليات نساء دوس حول ذي الخلصة".

"كعبة غمدان" وكانت فى اليمن سبعة بيوت عبادة شهيرة للسيارة السبعة ( نجوم) إحداها يدعى بيت غمدان  بناه الضحاك فى صنعاء باليمن تعظيماً للزهرة فهدمه الخليفة عثمان طراجع الشهرستانى" ولما قتل عثمان تمت النبوءة التى زعم الجنابى أنها كانت منقوشة على البيت (الكعبة) وهى : " غمدان ( أى كعبة غمدان ) هادِمك مقتولٌ ".

رئام
"كعبة رئام" روى ابن اسحاق: "وكان رئام بيت لقبائل حمير وأهل اليمن وصنعاء يعظمونه وينحرون عنده ويكلمون منه. وقال إثنين من الأحبار لتبع ملك اليمن وكان قد تهود إنما هو شيطان يفتنهم فخل بيننا وبينه فقال فشأنكما به فاستخرجا منه كلباً أسود فذبحاه ثم هدما ذلك البيت". وفي رواية أخرى أن الحبران أتيا البيت ونشرا توراتهما وجعلا يقرآنها فطار منه الشيطان حتى وقع في البحر. وقد ذكر المؤرخون أنها كانت أشهر كعبة للأصنام فى اليمن.  

"كعبة أياد" وكان لقبائل أياد بيت يسمى كعبة أياد ويقع فيما بين الكوفة والبصرة فة موضع يعرف بسنداد من منطقة الظهر

"الكعبة" كان فى جوف الكعبة صنم إسمه " هبل " وكان صنم هبل على شكل إنسان مكسور اليد اليمنى .  وقال العرب أنه مصنوع من العقيق الأحمر , وكانت قريش تصنع له يداً من ذهب . وأمام هبل كانت القداح التى يضرب بها من أجل الإستخارة.

وحول الكعبة كانت تقف أصنام أخرى قدرها بعض المؤرخين القدامى 50 ووصل بعضهم بعددها إلى360 صنماً  مثل " آساف" و " نائلة" وهما على صورة رجل وإمرأة , ويعتقد العرب أنهما مسخا حجرين لفجورهما بالكعبة , وكان أحدهما ملاصق للكعبة والآخر عند بئر زمزم. 

رضاء
"كعبة رضى" كعبة رضاء قال ابن إسحاق : وكانت رضاء بيتا لبني ربيعة بن كعب بن سعد بن زيد مناة بن تميم ، كان موجوداً عند نشاة الأسلام فهدمه عمرو بن ربيعة المشهور بالمستوغر ولها يقول المستوغر حين هدمها في الإسلام :
ولقد شددت على رضاء شدة      فتركتها قفرا بقاع أسحما

"ذو الكعبات" قال ابن إسحاق وكان ذو الكعبات لبكر وتغلب لبني وائل وإياد بسنداد وله يقول أعشى بن قيس بن ثعلبة.
بين الخورنق والسدير وبارق والبيت ذو الكعبات في سنداد 


"كعبة نجران" وقد بنيت على بناء الكعبة مضاهاة لها. وقد أصبحت بعد دخول النصرانية نجران كنيسة أو شبه كنيسة وأغلب الظن أن أصحاب هذه الكعبة تنصروا.




عاطف شوشه