السبت، 26 أغسطس 2017

فقدنا واحداً آخر


" فقدنا واحداً آخر"


همس في أذني بهذه الكلمات بصوت خفيض وهو يتساءل في شك كبير "هل سيمكننا أن نستمر بعد ذلك ؟ "




فُقدنا واحداً آخر بهذه الكيفية يعني أنه وبطريقة مفاجئة أصبحت هناك فجوة هائلة في السياج الآمن الذي يحيط بنا والذي أحتمينا بداخله لسنوات عديدة منذ عانينا من الفقد السابق.



أصبحنا مكشوفين بلا حماية فعلية. من خلال هذه الفجوة أصبحنا معرضين لأي هجوم خارجي  قد يزيد من حالة عدم الإتزان التي نعيشها الآن. أصبحنا مكشوفين مثل جرح حديث ينزف ولم يتم تطهيره أو حتى تغطيته يزيد وهج الشمس من ألم الإحساس به.



نعيد الإصطفاف جنباً إلى جنب محاولين ملأ هذه الفجوة ولكن دون جدوى. نكتشف أن أحجامنا الفعلية قد تضاءلت وانكمشت كثيراً عما كنا نعتقد. لا نذكر آخر مرة حاولنا فيها الإصطفاف معاً.



في رحلة الفقد التي امتدت على مدى سنين طويلة انقسمنا في كل مرة إلى ضجيجيين وصامتين. قد ينقلب الضجيجيون من شدة ضجيجهم إلى صامتين. وقد ينقلب الصامتون بعد طول صمتهم إلى ضجيجيين. البعض نفقدهم أثناء عملية الإنقلاب المؤلمة هذه إذ لا يتحملون آلآم الإنقلاب.


أعرف أن الحقيقة الكبرى أذهلتنا جميعاً  لا لإننا إكتشفنا أنها رغم هيبتها وعظمتها هي أبسط كثيراً من أن نتظاهر بأننا لا نفهمها. ولكن لإنها فاجئتنا كعادتها دائماً  واختارت هي الزمان والمكان من حيث كنا لا نتوقعها. الحقيقة الكبرى أقرب إلينا مما نحاول أن نصوره لأنفسنا. في كل مرة نتظاهر بالتغافل عنها يفاجئنا أن نعرف أنها تصاحبنا كل الوقت.



سرنا به مسرعين أو بالأحرى بالبقية الباقية الساكنة منه إلى حيث الظلام الدامس والمجهول. هذا الظلام نفسه الذي غيب الكثيرين ممن فقدناهم قبله بنفس الطريقة تماماً.
لا أعرف لماذا كنا متعجلين على هذا النحو رغم الطقوس الطويلة والتفاصيل الكثيرة الصعبة التي مررنا بها هذا اليوم وأرهقتنا كثيراً. 

ربما كنا متعجلين لأن بعضه الذي بين أيدينا يريد أن يلحق ببعضه الذي رحل متعجلاً.




مقابرنا مفتوحة لاستقباله


ضربات من معول صدئ.
حفرة عميقة سوداء.
قطع حجرية   ثقيلة.
رشات  من   الماء.
نبتة   صبار  جافه.

لا إسم هناك ولا عنوان.

وأخيراً إنتهى كل شئ. 
تمتم البعض منا بعبارات مبهمة وهو ينفض عن نفسه الغبار الذي ملأ المكان.
تلى أحدهم كلمات نورانية.
تبادل الكثيرون منا بعض العبارات الحزينة.
ومضى الجميع كل إلى وجهته ولم ينظر خلفه.

وبقي السؤال الحائر "هل سيمكننا أن نستمر بعد ذلك ؟ "