السبت، 6 مايو 2017

في اليابان




تقابلنا نحن الثلاثة بدون سابق ترتيب في أبعد مكان وصلت إليه حتى الآن. تقابلنا في اليابان. أنا أول الثلاثة وشاب فلسطيني مهاجر إلى كندا وشاب كوري أعتقد أنه يسافر لأول مرة خارج موطنه كما يبدو من تصرفاته.


جمعتنا شركة يابانية في بلدة بعيدة عن طوكيو إسمها "جاماجوري" بغرض التدريب على صيانة بعض الأجهزة الطبية الجديدة.



في عطلة نهاية الإسبوع إعتادت الشركة أن تكلف أحداً من منسوبيها أن يرافقنا في رحلة ترفيهية خارج المدينة. كان من الواضح هذه المرة أنهم لم يجدوا من يرافقنا من قسم الصيانة  الذي نتدرب فيه فلجأوا إلى البحث خارجه ولم يجدوا غير فتاة من المصنع إسمها "فوك وي". قال لنا المهندس الذي يقوم بتدريبنا أنها سوف تأتي بعد قليل للتعرف علينا.




إلتفت إلى صديقي الفلسطيني وقلت له بخبث شديد "سنرى من التي ستأتي. إذا كانت هذه ال "فوك وي" قبيحة كما هوالحال مع كثير من اليابانيات اللاتي قابلنهن فسوف أعتذر عن الخروج معكم".



قلت هذا وأنا أتذكر كاتبنا الكبيرأنيس منصور وهو يحكي لنا عن زيارته لليابان في كتابه الشهير الممتع "حول العالم في 200 يوم" والذي يحاكي فيه كتاب "حول العالم في 80 يوم" للروائي الفرنسي "جول فيرن". كان أنيس منصور كما يروي لنا في ضيافة إحدى بنات الجيشا وكانت دميمة وكان الطقس بارداً جداً فتذكر مقطعاً جميلاً من أغنية لأم كلثوم تقول فيها "واحنا معانا بدر طالع في ليلة قدر" وأخذ يغنيها بالعربية لمرافقيه ممن يتكلمونها ولكن بعد تعديلها لتناسب الموقف فغناها كاتبنا "واحنا معانا قرد طالع في ليلة برد".





رضخت للأمر الواقع وقبلت الخروج مع "فوك وي" رغم أنها أشبهت تماماً الجيشا التي وصفها أنيس منصور.

مرت علينا في الفندق صباحاً بدراجتها الهوائية وسرنا معها حتى محطة القطار القريبة. ركبنا نحن الأربعة القطار لا يعلم ثلاثتنا إلى أي وجهة نتجه. نزلنا عند إحدى المحطات لنركب قطاراً آخر ولكن في إتجاه مغاير. إشترت لنا مرافقتنا بعض الشطائر على سبيل الإفطار و أكملنا طريقنا مستقلين القطار الآخر. نزلنا معها في إحدى المحطات وتوجهت بنا إلي معرض للأحياء المائية. كان المعرض جميلاً ولكن صديقي الفلسطيني لم يعجبه وأبدى إستياءه علانية لقضاء هذا الوقت الطويل نراقب أسماكاً كلها متشابهة. عند باب الخروج كانت هناك فتاة يابانية أنيقة تنحني لكل شخص يغادر المكان وتقول له بالإنجليزية شكراً. حاولت التهكم على هذه الوظيفة الهامة فنظرت إلي "فوك وي" نظرة غاضبة وقالت أن هذه الوظيفة مهمة بالفعل.

لاحظت أنا وصديقي أن الشاب الكوري معجب جداً بمرافقتنا اليابانية حتى أنه كان شبه ملتصق بها في كل خطواتها. وأخيراً وجدت أنا وصديقي مادة ممتعة جداً للسخرية والتندر على تصرفات هذا الشاب الآسيوي الذي أخذنا نراقبه باقي الرحلة حتى أنه كان يسابقنا لركوب القطار حتى يجلس بجانبها ونستغرق نحن في الضحك ونحن نتظاهر بأننا نسابقه إليها.



كانت محطتنا التالية هي مكان على المحيط حيث يقوم الإخصائيون بزرع اللؤلؤ ويقومون أيضاً بتوضيح عملي للزوار أمثالنا كيف تجري هذه العملية الدقيقه خطوة بخطوة. عند خروجنا كان يوجد في الجوار دكاناً يبيع اللؤلؤ فاشتريت واحدة مع سلسلة ذهبية هدية لزوجتي الحبيبة.


عندما وصلنا إلى محطتنا الأخيرة كانت هناك أفواجاً كثيرة من البشر تسير معنا في نفس الإتجاه إلى غابة واسعة في آخرها ستائر عالية بيضاء وعندما سألت ما الذي خلف تلك الستائر والذي تكبدنا كل هذا الجهد للوصول إليه؟ جائتني إجابة مبهمة مفادها إنه الرب الذي يعبده اليايانيون متواجد خلف هذه الستائر.


في إحدى محطات القطار في طريقنا للعودة كانت فترة انتظار القطار التالي تقارب الساعة وهناك إختفت مس "فوك وي" وكذلك صديقنا الكوري وبدأ الشك والضحك عما يمكن أن يكون يدور بينهما الآن وأين يختفيان. ظهرا معاً قبل وصول القطار بدقائق قليلة.



عندما وصلنا إلى جاماجوري آخر اليوم وعند باب الفندق فاجأتنا مس "فوك وي" بأن أعطت كل واحد منا هدية تذكارية إشترتها على نفقتها الخاصة. وكان هذا هو سر إختفائها في محطة القطار في طريق العودة. كانت تشتري لنا الهدايا. أحسست أنا وصديقي بالخزي لأفكارنا الشريرة تجاهها وتهكمنا عليها طوال الرحلة.


ركبت دراجتها و انحنت برأسها تحيينا وهي تمر بنا مودعة بعد هذا اليوم الطويل الذي أدت فيه واجبات المهمة التي أسندت إليها على أكمل وجه.