الأربعاء، 29 أبريل 2020

ما قبل البدء




أنا موجود . .
لا وجود لك بدوني 
فقبل بدء البدء كنت أنا

أنا أشاء . .
كن كما تشاء 
فلن تكون إلا ما شئت أنا

أنا أقول . .
تكلم بما تشاء
فالكلمة الحقيقة لي أنا

أنا أريد . .
عبث كل ماتريد
كل شئ كما أريد أنا

أنا أَسود . .
أنت لست سيداً
السيد الأبدي الوحيد أنا

أنا أطيع . .
لا تقسم لي بالطاعة
فأنت قبل الخلق عبدي أنا

أنا مخلوق . .
كنت هباءاً منثوراً
وخالق الأكوان كنت أنا

أنا يوسف . .
حسنك فضل مني
كل جمال الأكوان أنا

أنا نور . .
لست من نورٍ
كل ضياء الكون أنا

أنا نار . .
لست من نارٍ
كل نيران العذاب أنا

أنا أعلم . .
أنت لست عالماً
كل العلوم من علمي أنا

أنا أعرف . .
أنت لست عارفاً
العارفون من إجتبائي أنا

أنا أحيا . .
لست بحيٍ أنت
كل سر الأرواح لدي أنا

أنا ثمل . . 
لم تزل في صحوك
خمرة العرفان عندي أنا

أنا عاشق . .
عشقك لي منقوص
لو أحببتني ما ذكرت إلا أنا

أنا كنز . .
أنت نقش طلسمٍ
والكنز المرصود هو أنا

أنا أنت . .
أنت أنا وأنا أنت
أنت في الأرض ظلي أنا





عاطف شوشه

الجمعة، 24 أبريل 2020

من العباسية . . . إلى الحسين . . . إلى الهند .



من العباسية دائماً يكون إنطلاقي . فيها ولدت وفيها كان تعليمي حتى أنهيت دراستي  الجامعية. وفيها المكتبة التي قضيت فيها ساعات طويلة من أيام عمري أتصفح ماحوته على أرففها من كتب. ومنها تزوجت ولي فيها أجمل الذكريات والأصحاب والجيران.


ومن مسجد القبة الفداوية في العباسيه إلى مسجد الحاكم بأمر الله في شارع المعز في حي الحسين إلى إقليم  " كجرات" غربي الهند رحلة طويلة وغريبة ولكن في التاريخ.

ترتبط الأماكن ببعضها البعض بشكل خفي غامض قد يخفى علينا لفترة طويلة من الزمن وقد لا يقدر لنا معرفته أبداً ولكن يبقى لدينا هذا الشعور الداخلي المستتر بأن هناك علاقة ما تربط بعض الإماكن ببعضها. 

كانت لنا في كل يوم جمعه رحلة أسبوعية رتيبة من بيتنا في حي العباسية إلى بيت جدي في حي الحسين وكنا نقابل في تجوالنا في هذا الحي العريق أفراداً من طائفة البهرة الذين سكنوا إقليم كجرات في غربي الهند.

ومسجد "القبة الفداوية" في العباسية أثر قديم عريق لا يلتفت إليه الكثيرون حتى من أهل المنطقة المحيطة به. وهذه هي القبة الثانية التي أنشأها الأمير يشبك من مهدى خلال الفترة 884-886 هجرية (1479-1481) ميلادية وهو أحد أمراء المماليك الجراكسة وكنت دائماً ما أتعجب من أصل هذا الإسم الذي يشوبه شئ غير قليل من الغموض وكنت متأكداً أنه لابد وأن يكون الإسم الصحيح هو "قبة الفداوية" ولا أعرف من هم الفداوية أو لماذا سموا بهذا الإسم؟

في حي الحسين بيت جدي في قلب القاهرة الفاطمية حيث شارع المعز ومسجد الحاكم بأمر الله الشهير الذي يأتي لزيارته بصفة دائمة طائفة من طوائف المسلمين يسمون "البهرة" وهم الذين أهدوا المقام الفضي الذي يحيط  بالضريح الذي يضم رأس سيدنا الحسين في مسجده الشهير في الحي الذي يسمي على إسمه. ونرى أتباع هذه الطائفة بملابسهم المميزة الموحدة يأتون لزيارة مسجد الحاكم في نهاية شارع المعز ناحية باب الفتوح.


فما هي العلاقة الخفية بين مسجد "قبة الفداوية" ومسجد "الحاكم بأمر الله" وطائفة "البهرة"؟


الحركة الشيعية  تاريخ نشأتها معروف لدى الجميع. وكان لعداء أهل المذهب السني الدائم لها في كل مكان وزمان أن تراوحت حركتها بين الظهور والإختفاء حسب الحالة السياسية للمكان الذي تتحرك فيه. 

الإنقسامات الشيعية وظهور المذاهب المتباينة عند الإختلاف في الرأي أمر طبيعي يحدث على المستوى السياسي والديني أيضاَ حتى عند أهل السنة. 

هكذا هي الحال مع المذهب الشيعي أيضاً فكلما اختلف أهله في شخصين من يستحق منهما أن يكون إمامهم ظهر لكل شخص  منهما مؤيدوه وتعصب كل من الفريقين لرأيه فينقسموا إلى مذهبين جديدين كل فريق يؤمن بإمام مختلف ثم يستمر الإختلاف عندما يموت الإمام ويتخذ التابعون من ذريته إماماً جديداً لهم.  

والأمر أيضاً ليس بهذه السهولة فقد لا يعترف الأتباع بموت إمامهم ولكن يعتقدون بأنه قد دخل في الستر وأصبح غائباً فيتبعون الإمام الغائب وذريته من بعده. و"سرداب الغيبة المقدس" موجود حتى الآن وهو يوجد في مدينة "سامراء" في العتبة العسكرية المقدسة من جهتها الغربية.

ولنبدأ مع الشيعة من عند الإمام "جعفر الصادق" وهو من يعنينا أمر البداية من عنده لكي نتجنب التشعب الذي قد يتسبب في تشتيتنا في طرائق التاريخ. 

عند وفاة جعفر الصادق تبع بعض الشيعة إبنه إسماعيل بن جعفر الصادق وأطلق عليهم الإسماعيليون. والبعض الاخر وهم "الإثني عشرية" قالوا بأن إسماعيل قد توفي قبل أبيه فكيف نتبعه؟ ولكنهم ردوا عليهم بأنه لم يمت وإنما قد دخل في الستر واتخذوه إماما لهم ومن بعده إبنه محمد بن إسماعيل. ومن هنا نشأ المذهب الإسماعيلي.

ظل الإسماعيليون يدعون سراً لمذهبهم حتى شعر عبد الله المهدي القائد المركزي للإسماعيلية حينئذٍ بالأمان فبدأ يدعو بالإمامة لنفسه جهراً فلم يوافقه أهل المذهب على ذلك بل واضطروه في رحلة شهيرة إلى الرحيل إلى شمال إفريقية حيث دخل تونس التي كان دعاته قد سبقوه إليها. ومن تونس بدأت دعوتهم حتى دخل الخليفة المهدي الفاطمي مصر واتخذها مقراً لخلافته ومركزاً لنشر الدعوة. وهكذا تم تأسيس الدولة الفاطمية الشيعية الإسماعيلية في مصر.

وعلى الجانب الآخر كان هناك ثلاثة أصدقاء وزملاء دراسة وهم نظام الملك وحسن الصباح وعمر الخيام وثلاثتهم من الفرس. 
تعاهدوا بأن من تعلو منهم مرتبته أن يساعد الآخرين. وكان أن وصل نظام الملك قبل صديقيه فأصبح وزيراً مرموقاً في دولة الأتراك السلاجقة فأوفى بوعده تجاه صديقيه. 
أما حسن الصباح فقد لقيه أحد الدعاة السريين الإسماعيليين ونجح في ضمه إلى المذهب الإسماعيلي وأصبح بعد ذلك من دعاته المهمين وسافر إلى مصر وقضى بها ثلاثة سنوات في بيت الحكمة الفاطمي يتعلم أصول الدعوة الإسماعيلية. 
وعندما عاد إلى فارس بدأ ينشر الدعوة سراً ويبحث في نفس الوقت عن مقراَ لدعوته حتى وجد قلعة "آلموت" الجبلية فاشتراها من مالكيها. وانتشرت الحركة الإسماعيلية حتى وصلت من فارس إلى سوريه. وكان الإسماعيليون في آسيا تابعين مذهبياً للدولة الفاطمية في مصر.

وفي مصر وبعد موت الخليفة الفاطمي المستنصر بالله نشب خلاف بين من رأوا أن ابنه نزار هو الأحق بالخلافة وبين من رأوا أن أحمد وكنيته أبو القاسم هو الأحق. كان وزير المستنصر القوي "الأفضل شاهنشاه" الذي ورث إمارة الجيوش عن والده "بدر الدين الجمالي" مؤيدا للمستعلي بالله وهو اللقب الذي اتخذه أحمد لاحقاً. 
وكان الأفضل أكثر الأطراف المتنازعة نفوذا، مما حسم الخلاف لصالح هذا الأخير وأدى إلى سجن نزار وموته لاحقا في السجن. وكان الأفضل نافذاً ومؤثراً في حكم المستعلي واستمر نفوذه إلى أن انقلب عليه الآمر ابن المستعلي.

رفض الشيعة الإسماعيليين في آسيا خلافة المستعلي أحمد أبي القاسم وأكدوا تأييدهم لحق نزار في الخلافة مما أدى إلى  إنقسام الشيعة إلى نزارية ومستعلية. 

أدى ظهور النزاريين في فارس إلى تأسيس الدولة النزارية وامتدت حركتهم إلى سوريه وعرفوا هناك بالنزاريين السوريين. والنزاريون هم من نسجت حولهم أساطير الحشاشين وجنة حسن الصباح قائدهم المهيب والطاعة العمياء له من قبل تابعيه.


وكان النزاريون على قدر عظيم من الشجاعة والطاعة العمياء لرئيسهم. وقد نفذوا عمليات إغتيال جريئة جداً غير مبالين بحياتهم في سبيل إنفاذ المهام التي وكلت إليهم. وكانت هذه العمليات التي استهدفت شخصيات مدنية وعسكرية مشهورة تنفذ في الأماكن العامة والمساجد بهدف إلقاء الرعب في قلوب الأعداء.



واشتهروا أيضاً بقدرتهم الكبيرةعلى التنكر والتربص لفترات طويلة حتى يتمكنوا من أداء مهمتهم. 

فقد تخفوا في زي رهبان مسيحيين  وقتلوا المركيز كونراد أوف مونتفيرات الصليبي قبل تنصيبه ملكاً للقدس في إحدى حارات صور. 

وكان أشهر اغتيالاتهم هو اغتيالهم للوزير نظام الملك. وكان أن تخفى أحدهم في زي صوفي فقير وتقدم منه ثم أخرج خنجره وطعنه. 

وحاول أيضاً الفدائيون النزاريون اغتيال صلاح الدين الأيوبي في مناسبتين مختلفتين ولكنهم فشلوا في مهمتهم. 

كما حاولوا اغتيال الخان الأعظم المغولي داخل بلاطه.

وقد نجحوا في إغتيال الخليفة الفاطمي الآمر بأحكام الله ابن الخليفة المستعلي بسبب المنشور الذي أذاعه ضدهم.



كانت عمليات الإغتيالات النزارية يقوم بها فدائييهم والذي أطلق عليهم أيضاً لقب الفداوية
وقد سميت هذه القبة في حي العباسية على إسمهم "قبة الفداوية". وقد بنى لهم الأمير يشبك دوراً يسكنون فيها بجوار قبتهم. 

وكانت نهاية "العاضد" آخر الخلفاء الفاطميين على يد صلاح الدين الأيوبي الذي كان قد عين نفسه وزيراً له ثم قام بعزله من منصبه وأعلن عودة السيادة العباسية على مصر. وكان للعاضد ولدين هما الحافظ والطيب فانقسم الشيعة المستعليين إلى حافظيين تم ملاحقتهم وإبادتهم وطيبيين. والطيبيون هم من بقوا على قيد الحياة حتى وقتنا الحاضر.



هذا وقد قامت دعوة إسماعيلية مستعلية طيبية مستقلة في اليمن بعد وفاة الخليفة الآمر بفترة قصيرة. واستمرت اليمن لعدة قرون القلعة الرئيسية للإسماعيليين الطيبيين معتقدين في إمامهم الطيب الذي اختفى رضيعاً.



ونجحت الدعوة الطيبية بمرور الوقت في اكتساب مستجيبين كثيرين من بين أفراد جماعة تجارية في "كجرات" غربي الهند حيث أصبح يطلق عليهم محلياً تسمية "البهرة".

وإمام الإسماعيليين الطيبيين الآن هو الأمير كريم أغا خان صاحب مؤسسة أغا خان الخيرية الشهيرة وهو أمير بلا إمارة وهو يحظى باحترام دولي شديد.



وهكذا فإن العلاقة الخفية التي تربط هذه الأماكن ببعضها البعض هي الطائفة الإسماعيلية بكل أسرارها وغموضها والتي لم تزل باقية حتى الآن.



عاطف شوشه



الأحد، 19 أبريل 2020

خاتم من سعف






اليوم نظرت إلى يدي . . . آثار التقدم في السن بادية بوضوح على كفي

تذكرت كفين صغيرين  لطفل صغير  كان يلعب في  مدرسته  القريبة من بيته  ووقع فانجرحت كفه فذهب إلى "أبله الحكيمة" في مكتبها فطهرت له الجرح ولفته بشئ من القطن والشاش وكثير من الحنان

يجلس ويده مضمدة في حجرة الدراسة في الدور الأول التي يطل شباكها الزجاجي على الشارع الرئيسي. عبر النافذة تعبر عيناه الصغيرتان الشارع إلى الجهة الأخرى. ينشغل عن المعلمة  التي تقف في مقدمة  الفصل  منهمكة في  شرح الدرس اليومي  بالنظر إلى أولئك العمال البنائين وهم يعملون على ارتفاع  شاهق  يشيدون قبة ضخمة  عالية  تشبه قباب المساجد

كانت هذه الأرض التي يعمل فيها البناؤون الآن أرضاً زراعية منذ زمن قريب. وكان يقع في أحد زواياها كنيسة صغيرة تدعى الكنيسة البطرسية

كان يقطع الأرض من على أطرافها ليصل إلى الناحية الأخرى منها وهو يراقب بعض الفلاحين وهم يقومون بعملهم  في زراعة الخضروات بظهور محنية أو وهم في وضع القرفصاء

يصل إلى الناحية  الأخرى هو وأصدقاءه  الصغار. يمشون  قليلاً ثم  يتوقفون  عند أحد البيوت وتحت شرفة الدور الأرضي يرفعون صوتهم  بنداء  واحد وكأنهم كورال إحدى فرق الأطفال   الغنائية " يا عادااااال . . يا عادااااال". وعادل هذا هو صديقهم  في نفس الفصل الدراسي. لم يحضر اليوم إلى المدرسة فاتفق الأصحاب الصغار على زيارته في منزله بعد نهاية اليوم الدراسي للإطمئنان عليه

مجموعة الأصحاب الصغار هم ممن يقطنون قرب المدرسة وكان أقربهم إليها صديقنا أشرف وأخيه الصغير إذ كانت البناية التي يسكنون فيها تقع بين المدرسة والشارع الرئيسي. كنت أحب زيارة منزلهم الواسع النظيف الهادئ

وكنت أحس وأنا أدخل هذا المنزل بشئ من الغموض وأنا أنظر إلى اللوحة الزيتية الكبيرة المعلقة فوق الجدار على يمين مدخل البيت والتي تصور السيدة العذراء وهي تحمل السيد المسيح طفلاً يحيط بوجه كل منهما هالة من النور السماوي وبعض الشخوص الخاشعين يلتفون حولهما. وفي أعلى اللوحة يظهر بعض الملائكة النورانيين متجهين بأنظارهم إلى الطفل الصغير بين يدي أمه الحنون

عرفت بعد قليل أن هذا المبنى العظيم الذي كان قيد البناء هو مبنى كنيسة كبيرة تسمى كاتدرائية سوف تضم إليها داخل أسوارها الكنيسة الصغيرة البطرسية التي تقع على ناصيتها بعد اكتمال بنائها







عندما انتهى العمل في هذا البناء الضخم قام رئيس الجمهورية وقتها وبحضور الرئيس الأثيوبي بزيه الذي يشبه زي الرهبان والذي تتبع كنيسة بلاده تاريخياً الكنيسة المصرية بافتتاح هذا الصرح المسيحي الضخم الغير مسبوق في بنائه وضخامته في المنطقة الجغرافية التي تحيط ببلدنا

وكنا في بعض الأحيان نغافل حارس البوابة الصغيرة وندخل إلى الكنيسة ونحن في طريق عودتنا من المدرسة إلى البيت. كنا نعدو ونتسابق في طرقاتها الطويلة ونتجنب تماثيل القديسين في زواياها المظلمة

وكنا ندخلها أيضاً لزيارة معلمنا الودود الأستاذ " عيسى " الذي كان يدرس لنا اللغة العربية في الصف السادس الإبتدائي. وكانت الكنيسة قد وفرت له سكناً مجانياً بداخلها نظير بعض الدروس المجانية يدرسها لأبناء شعب الكنيسة وذلك لأنه لم يكن من سكان القاهرة ولكنه كان يدرس فيها

وكنت أسمع خلال زياراتي المتفرقة للكنيسة أطفالاً صغاراً في بعض القاعات يتدربون على نوع من الغناء الديني بلغة غريبة عرفت فيما بعد أنها تسمى "ترانيم كنسية" تغنى باللغة القبطية 

وكنا نرى عربة نقل الموتى التابعة للكنيسة يجرها عدد من الأحصنة عليها أردية سوداء مرسوم عليها الصليب من الجانبين. وكانت تثير اهتمامنا وهي تقف بقرب المدرسة بجوانبها الزجاجية الشفافة وتماثيل الملائكة التي تزين أركانها الأربعة رافعة بصرها إلى السماء

وفي بيت والدتي كنا نسمع أجراس الكنيسة في أيام الآحاد وفي كل الأعياد المسيحية القبطية. ونرى برج الكنيسة بارتفاعه الشاهق وإضاءته الليلية ونراقب حركة الأجراس الضخمة من الشرفة الخلفية. وكنا نرى جيراننا المسيحيين وهم يذهبون إلى الصلاة ويصطحبون زوجاتهم و أبناءهم الصغار معهم وهم يلبسون ملابس العيد الجديدة ويعودون سعداء حاملين البالونات في أيديهم

هذا الأسبوع هو أسبوع الآلام عند إخواننا الأقباط. وشاء الله هذا العام أن تقام الصلوات في الكنائس بلا مصلين تقديراً لحالة الوباء والحظر المفروض على كل دور العبادة المصرية 

تتوالي أيام الأعياد في هذا الأسبوع أحد السعف خميس العهد الجمعة الحزينة سبت النور عيد القيامة . أتذكر مشهد أبناء الكنيسة وهم يخرجون منها حاملين أفرع سعف النخيل الطويلة والتي يبرعون أيضاً في جدلها معاً ليصنعوا منها صلباناً وأشياءاً أخرى جميلة 




كان أصدقاؤنا الأقباط يهدوننا بعض المشغولات الصغيرة من السعف

نظرت إلى يدي مرة أخرى وتذكرت كفين صغيرين لطفل صغير كان يضع بأحد أصابعه خاتم من سعف




عاطف شوشه



السبت، 18 أبريل 2020

وعلى الذين يطيقونه . . . .







في مثل هذه الأيام منذ عدة  سنوات  أي ورمضان  على  الأبواب  سألني  صديق لي أين ستصلى صلاة التراويح هذا العام . . . ؟ 

وقبل أن أجيبه على سؤاله الذي لم يخطر لي على بال بادرني  قائلاً أنه  سوف يرسل لي قائمة  بأسماء الشيوخ قراء القرآن المشهورين وأسماء المساجد التي سيتواجد كل منهم فيها ليؤدي بالناس صلاة التراويح والقيام طوال الشهر الكريم ويقوم بختم القرآن أيضاً بنهاية الشهر.

وقبل  أن ينصرف قلت له  إنني عادة  ما أصلي  التراويح  في  البيت  مع  زوجتي وابني وابنتي بالإضافة إلى والدتي  التي  تأتي لزيارتنا كل عام وتظفر بثواب العمرة معنا في شهر رمضان. 

نظر إلي  صديقي نظرة  تعجب  واستغراب  وكأنني أضيع على نفسي فرصة عظيمة في هذا الشهر الكريم.

وبعد انصراف الصديق بدأت في التفكير  فيما قاله. لم لا  أصلي التراويح في المسجد هذا العام كما يفعل صديقي هذا وكل أصدقائي الآخرين . . . ؟ 

وتذكرت صلاتي  مع أسرتي  في البيت  في الأعوام  السابقة  وكيف نستمتع  بها  جميعاً. ننتظر بعضنا البعض لنجتمع  في غرفة  الصلاة  بعد أن نكون قد فرغنا من شرب الشاي سوياً بعد الإفطار. أبسط  سجاجيد الصلاة  وأنادي  "حي على الصلاة"  بصوت   مرتفع ليعرف الجميع أنني قد أبدأ الصلاة في أي لحظة بعدها.

وبعد قليل نبدأ صلاة العشاء تليها صلاة التراويح. ولا أثقل عليهم وإنما أقرأ لهم من قصار السور وأنا أؤمهم في الصلاة.

وإبني يشاكس أخته الصغيرة من خلفي بين ركعات التراويح ويجذب طرف "طرحة الصلاة " فينكشف شعرها فتضطر إلى إعادة ترتيبها مرة أخرى وهي تزمجر بغضب وتكاد أن تضربه وتهدد بعدم إكمال الصلاة وهو يضحك لرد فعلها الغاضب.

والدتي تتململ لما تسببه هذه المشاكسة المتكررة وغيرها في إطالة زمن الصلاة وأنا وزوجتي نبتسم للجميع. 

سأصلي في المنزل إذن مع أسرتي. قرار أتخذه كل عام مع ذهابي إلى المسجد في بعض الأيام القليلة فقط حتى يعتاد الجميع أن يصلوا حتى وإن لم أكن بينهم ولا ترتبط صلاتهم بإمامتي لهم.

تذكرت كل ذلك مع قرب دخول شهر رمضان هذا العام وغياب الكثير من مظاهره. وهنا توقفت عندما خطرت لي خاطرة "مظاهر شهر رمضان" وكيف بدأ الحوار بين الناس في ظل انتشار الوباء وحظر الخروج من المنازل وإغلاق جميع دور العبادة وبدأ النقاش بين الجميع وأصبح هو شغلنا الشاغل بل ومحور دعائنا:

كيف سنصوم رمضان والمساجد مغلقة ؟ 

كيف سنصوم رمضان بدون أن نصلي صلاة التراويح جماعة في المسجد ؟

كيف سنصوم رمضان بدون أن نصلي صلاة القيام جماعة في المسجد ؟

كيف سنصوم رمضان بدون أن نختار خلف أي إمام وفي أي مسجد سوف نصلي ؟

كيف سنصوم رمضان بدون أن يدعوا بعضنا البعض إلى موائد الإفطار الأسرية ؟

كيف سنصوم رمضان بدون موائد الرحمن ؟

كيف سنصوم رمضان بدون السهر حتى الفجر في الشوارع نتسامر مع الأصحاب ؟

كيف سنصوم رمضان بدون السحور في حي الحسين وأداء صلاة الفجر بجوار ضريح حفيد رسول الله ؟

كيف سنصوم رمضان بدون الوقوف في طابور شراء الكنافة والقطايف من دكان "عم فاروق" الشهير القريب من منزل والدتي في العباسية ؟

كيف سنصوم رمضان ولا نتواعد مع الأصحاب للإفطار خارج المنزل ؟

كيف سنصوم رمضان ولا يمر بنا المسحراتي وينادينا لنستيقظ للسحور ونحن لم نخلد للنوم بعد ؟

كيف سنصوم رمضان ؟ 

كيف سنصوم رمضان ؟ 

كيف سنصوم رمضان ؟

أليست هذه كلها "مظاهر شهر رمضان" ؟ . أليس الصوم من العبادات الخفية بين العبد وربه فماذا عن "مخبر شهر رمضان" ؟ 

لماذا يرتبط الصوم وشهره الفضيل بكل هذه المظاهر؟ والتي لا نعتقد أن الشهر يمكن أن يمر أو ينقضي بدونها كلها أو على الأقل بعض منها.

كل ذلك ونحن نسميها باسمها الفعلي الذي هو "مظاهر". ومتى كانت العبادات تقبل إن كان المقصود بها "الظاهر"؟ 

أين جوهر الصيام ومخبره من كل هذه المظاهر التي أعتقد أننا سوف لا نؤجر عليها من قريب أو بعيد ونشغل بها أنفسنا كلما أقبل علينا شهر رمضان ؟ 

هل يلزم قدوم رمضان كل هذه المظاهر؟

هل يلزم إخلاص العبد في عبادة الصوم أي من هذه المظاهر؟

هل يلزم قبول الصوم منا هذه المظاهر؟

أليس من الممكن أن يكون الله عز وجل قد حرمنا من هذه المظاهر الدنيوية وحجبها عنا لأنه يريد تطهيرنا منها بعد أن  أدخلناها على الشهر الكريم وقرناه بها والتي قد تنتقص من قدر عبادة الصيام كما طهر أهل البيت:

"إنما يريد الله ليذهب عنكم الرجس أهل البيت ويطهركم تطهيرا"

أليس من الممكن أن يكون هذا هو إختبار لنا إن كنا نستطيع أن نصوم كما أراد الله أن يكون الصيام ثم يجازينا بصيامنا خيراً إن استطعنا.

ألم يقل الله تعالى : "وعلى الذين يطيقونه . . . . "


هل فعلاً سنطيق صيام شهر رمضان هذا العام مخلصين لله عز وجل في صيامنا بدون أية مظاهر رمضانية . . . ؟


عاطف شوشه

كرامة عجيبة حدثت مع الشيخ الشعراوي

الأربعاء، 15 أبريل 2020

بين الحقيقة والتجريد





أيهما تفضل 
المعني السامي في تجريده المطلق أم الحقيقة الساذجة على أرض الواقع؟ 


كان صديقي الذي سألته هذا السؤال قد سافر للعمل في الخارج. وكنا نتبادل الخطابات بانتظام حفاظاً على صداقتنا التي دامت سنيناً طويله منذ أن كنا ندرس معاً في نفس الجامعة ونمارس سوياً نفس النشاط الطلابي. واستمر الحال كذلك لمدة تقترب من العام. لكنني وجدتني ذات يوم وقد أصابني الفتور ولم تعد بي رغبة لكتابة المزيد من الخطابات ولا أدري ما هو السبب في ذلك ولم أحاول أن أتحقق من نفسي لأجد عندها الجواب على هذا الذي فعلته. ولكنني كنت أعلم أنه عندما يعود سوف أقابله وسوف يسألني . . . لماذا. 

وكانت إجابتي سريعة على الرغم من أنني لم أقم بإعدادها من قبل. سألته: أيهما تفضل؟ المعني السامي في تجريده المطلق أم الحقيقة الساذجة على أرض الواقع؟ 

نظر إلي بحيرة بالغة متوسلة ولم يبد عليه أنه قد فهم ما كنت أعنيه بقولي هذا. قلت له: إن المعنى المجرد هو أنه كان لك صديق حميم بكل معنى الكلمة وكنت تقريباً لا تفترق عنه لأعوام طويلة وعندما سافرت وبعدت في المكان إنقطع عنك وكأنه لا يعرفك. 

هذا المعنى في حد ذاته معنىً ملهمٌ جداً إذ يمكنك إنطلاقاً منه أن تبدأ أشياءاً رائعة. كأن تبدأ في الشكوى من تغير حال الأصدقاء بلا سبب واضح رغم وفائك أنت وتستمر في شكواك نادماً ومترحماً على الأوقات الجميلة التي قضيتماها سوياً يقدركل منكم الآخر ويحترمه ويطلعه على أدق تفاصيل حياته ويستشيره فيما يجب أن يفعله عندما تحل به معضلة عائلية أو مشكلة في محيط العمل. 


يمكنك أيضاً أن تكتب شعراً في نفس المعنى وأنت أفضل مني في كتابة الشعر وتسهب في وصف الآمك من غدر الأصحاب وندرة الوفاء في هذه الأيام الحزينة وتترحم أيضاً على الأيام الجميلة الفائتة والتي تأمل أن يعود ولو يوم واحد منها. كل هذا يمكنك فعله بهذا المعنى المجرد. 

أما الحقيقة الساذجة على أرض الواقع فهي تنص على أنك كان لك صديق حميم ظل على إتصال وثيق بك عندما رحلت بعيداً عنه. ما الجديد في هذا المعنى المتوقع. ما الذي يمكنك كتابته عنه. ماذا يمكنك وصفه به. ما هو الإلهام الذي يوحي به إليك هذا المعنى الساذج. في الحقيقة لا شئ مطلقاً. الآن تعلم أن ما فعلته أنا لم يكن سيئاً بهذه الدرجة التي أستحق اللوم أو العتاب بسببها.

لم يفارقني هذا المعنى طوال حياتي وأعترف أنه فسر لي أشياءاً كثيرة حدثت في حياتي وانطبقت حرفياً عليه. 

فلم أعد أتفاجأ مثلاً بالزوجة التي قضت حياتها تشكو إلى خالقها من هذا الزوج الذي قدره لها. وتشكو أيضاً سوء طالعها مع هذا الزوج البائس إلى جميع المخلوقين الذين تصادفهم في حياتها حتى وإن كان في لقاء عابر بشخص ما يتأكد لها أنها لن تراه مرة أخرى. 

وعندما تحين الساعة التي يتوجب على الزوج أن يقابل فيها خالقه ربما ليرتاح هو من هذه الزوجة الدائمة الشكوى يبدو لي أن هذه الزوجة قد تفاجأت لهذه النهاية السريعة. النهاية التي قطعت عليها ماهي فيه فلم تتمكن من أن تكمل شكواها منه إلى نهايتها حتى ترتاح سريرتها. 

نجد أن هذه الزوجة تبدي من الحزن والأسى مالا يتفق مع ما عهدناه منها من سابق شكواها الدائمة المستمرة والمستفيضة من زوجها قبل أن تفقده إلى الأبد. 

وهنا تأتي الحيرة في تفسير أمر هذه الزوجة هل هي بفعلها هذا تعتبر حقاً منافقة تبدي من حالها غير ما تبطن في داخلها؟ 

هذا ما لا أعتقده ولا أفكر فيه أبداً. كل ما في الأمر أنها أسقطت الواقع ولجأت إلى التجريد. 
وفي الحقيقة أن الواقع قد سقط من تلقاء نفسه هذه المرة. أم هي فجل ما فعلته أنها لم تسقط معه ولم تتشبث به أيضاً.

أما التجريد الذي لجأت إليه هنا هو الحقيقة الجديدة التي سوف تعيش معها منذ الآن وصاعداً. هذه الحقيقة هي أنها أصبحت أرملة أي بدون زوج أي فقدت زوجها. صحيح أن كل هذه المعاني واحدة ولكن الترادف مطلوب هنا لأنه يسهل الفهم. 

من الآن سوف تحزن كما تحزن الأرامل. سوف تحزن كما تحب هي أن تحزن . حزن يليق بامرأة فقدت زوجاً كما تحب هي أن تكون صورة الفقد. أو كما تخيلت كيف يكون الفقد. 


عليها أن تعيش تبعات هذا الفقد بكاملها كما يجب أن تكون هذه التبعات لا كما هي في حقيقتها. يستوي في ذلك ما إذا كان الزوج المفقود صالحاً أم طالحاً. أكانت تحبه أو لا تحبه أو تكرهه. فهذا كله لا يهم فقد رحل شخص ما وخلف من بعده مشاعر رحيل حزينة يجب عليها أن تعيشها. فهي لا تحزن لشخص الفقيد ولكنها تحزن لنفسها.

وينطبق مثل هذا المعنى أيضاً على الآباء والأبناء. فليس من المعقول أو المنطقي أن جميع الآباء صالحون فهم بشر وبالتبعية هم فيهم اختلاف في الطباع والأخلاق. فمنهم الصالح والخير والطيب ومنهم الطالح والشرير وسئ الأخلاق كالكاذب والسارق والقاتل والمرتشي وغير ذلك. 
وعندما يموت الأب نجد الأبناء يُسقطون الواقع وهو الحال الذي كان عليه الوالد عند وفاته ويحيلون الأمر على التجريد فيكون حزنهم على أنفسهم هم. 

فالفعل "فقد" قد وقع عليهم هم وصاروا "فاقدين" فليعيشوا حزن الفاقدين ويحيوا حياة من فقد والده بغض النظر عن درجة الود الذي كان متبادلاً بينهم وبين هذا الوالد أوعما كان عليه هذا الوالد من حسن الأخلاق أو سيئها. وبغض النظر أيضاً عن الحياة التي كانوا يعيشونها في كنف هذا الوالد.

وهذا يقودنا الآن إلى معنى آخر يجب توضيحه وهو معنى الحب الحقيقي. هل نحب فعلاً من حولنا أم أننا نحب أنفسنا فقط؟


 قد يبدو أن هذا السؤال صعبٌ وأن إجابته أصعب منه بكثير. ولكن الأمر ليس كذلك. 

عندما تشيرفتاة مثلاً إلى شاب وتقول تقريراً "أنا أحب هذا الفتى". أنظر إلى سبابتها التي تشير بها في هذه اللحظة المهمة لتجد أنها بالفعل تتجه نحو هذا الشاب. 

وليست تلك اللحظة هي المهمة في الحقيقة ولكنها اللحظة التالية والإتجاه الذي تشير إليه سبابتها بعد اللحظة الأولى. ففي ما يقرب من تسعة وتسعون في المائة  من الحالات ترتد هذه السبابة لتشير بها الفتاة إلى نفسها هي عندها نعرف أنها تحبه لنفسها. أما الإحتمال الآخر والنادر جداً هو أن تظل سبابتها مشيرة دائماً تجاه الآخر معددة الأسباب التي جعلتها تحبه. 

وكمثال على ذلك عندما تقول الفتاة: "أحب ذلك الشاب" وتشير إليه فعلاً ثم تكمل جملتها "لأنه يعرف كي يتعامل معي برقة وحنان" ففي هذه اللحظة ذاتها تحولت الإشارة من الإتجاه إلى الآخر واتجهت إلى نفسها هي عندما قالت كلمة "معي" ويستوي في ذلك أن تقول أخرى: "لأنه يحب إبني" أو تقول ثانية: "لأنه يعطف على إبنتي". 


أما إن ظلت تشير إليه وتقول مثلاً: " لأنه يدافع عن الحق دائماً ولا يخشى فيه أحداً إلا الله" ثم تقول مردفة: " ولأنه أيضاً متمسك بدينه بغير رياء ويرعى حقوق الله جيداً". هنا نعلم أنها تحبه لشخصه هو لما فيه من صفات حميدة ومزايا محببه يتوق كل شخص أن يقترب من حاملها. ونستشعر أنها تديم النظر إليه وإلى حاله ولا تفكر في نفسها ولا ترى حالها هي.

والمعنى السامي المجرد الذي يريد المحبون أن يعيشوه في هذه الحالة هو "حب الآخر لنفسه" طبعاً بكل مافي هذا المعني من النقاء الداخلي والرقي العاطفي والرغبة في البذل بغير حساب وما لا يعد ولا يحصى من معانٍ جميله ومشاعر صافية. أما المعنى الواقعي فهو "أنك تحب الآخر لنفسك أنت لا لنفسه هو". وبطبيعة الحال لا يعترف أياً ممن يحبون بالمعنى الواقعي ولكن يلوذون بالمعنى المجرد لأنه الأسمى والأرقى.

وللصوفية معنىً أرقى للحب. مر قيس بن الملوح الملقب بمجنون ليلى بجماعة يصلون وكان في حالة من الإستغراق في التفكير في ليلى. وعندما عاد من نفس الطريق سألوه لماذا لم يتوقف للصلاة معهم. فسألهم قيس متعجباً من حالهم: "أنا لم أركم فهل فعلاً رأيتموني وأنتم في حالة صلاتكم". فخجل القوم من أنفسهم.

من يحب لا ينقطع عن التفكير في من يحب في جميع أوقاته حتى وهو نائم. ولا تكون له إلا حالة واحدة هو عليها دائماً وتملك عليه كل حياته ألا وهي حالة العشق المطلق. فإن خفتت قليلاً تلك الحالة أحس بمن حوله وبما يحيط به إحساساً مشتتاً وإن ظل شارد الذهن. وإن اشتد عليه الوجد ذهل عن كل من حوله وعن الدنيا كلها ولم ير منها شيئاً ولم يحس منها بفرح أو بألم. 


فقيس لم ير المصلين في ذهابه لأنه كان مستغرقاً في حالة من الوجد بليلى فكان غائباً بعقله وجميع حواسه عنهم وعن كل شئ آخر في الوجود من حوله. 

أما المصلين الذين تعجب قيسٌ كثيراً من حالهم فكان الأولى بهم أن يستغرقوا في حب الله وهم واقفون بين يديه. وإن كانوا فعلاً صادقين في حالة الوصال تلك مع المولى عز وجل فكان حري بهم ألا يروا قيساً أو سواه وهو يمر بهم وأن يحجب وصالهم  عنهم  كل شئ إلا الله.


 
عاطف شوشه

الثلاثاء، 7 أبريل 2020

لعبة الإختباء وعدم الظهور







هل يتذكر كل منا عندما كنا صغاراً و نحن نلعب سوياً لعبة الإختباء والظهور. كنا نستمتع كثيراً بأن نجد في كل مرة مكاناً مختلفاً نختبئ فيه وكانت تساعدنا أحجامنا الضئيلة أن نختفي في أضيق الأماكن في المنزل أو حتى عندما نكون خارجه. 

الآن كبرنا وزادت أحجامنا حتى لم يعد من الممكن لنا أن نختبئ خلف أي شئ. حتى وإن وجد ذلك الشئ الذي يخفي أحجامنا فضحتنا أعراض التقدم في السن فإما أن يغلبنا السعال أو العطس فينكشف أمرنا أو يسمع كل من يمر بنا صوت أنفاسنا المتلاحقة التي صارت كاللهاث مع تقدمنا في العمر.

وإن كان لنا العذر ونحن أطفال أن نحاول الإختباء متناسين لضحالة تفكيرنا ولسذاجة أعمالنا حينئذ أن الله مطلع على كل شئ وفي أي مكان وأي زمان "ألا يعلم من خلق وهو اللطيف الخبير". فما هو عذرنا ونحن قد شارفنا على نهاية العمر أننا ما زلنا نحاول الإختباء من الله عز وجل.

كم اختبأنا منه ونحن نعصيه متناسين كما لو أننا مازلنا أطفالاً أنه لا يرانا مستهينين بمعصيتنا و متناسين أنه لولا شفقته علينا ورحمته بنا وحبه الشديد لنا لفضحنا وصرنا خزايا بين الخلق أجمعين وهو القائل " لو خلقتهمـ لرحمتهمـ" وقال أيضاً "إن رحمتي قد سبقت غضبي" .

واليوم يفرض علينا الإختباء الإجباري حتى ونحن نطيع الله. فالقاعدة الثابتة هي أن كل من يرزق بنعمة ولا يحفظها ترفع عنه. وحفظ النعم يكون بشكر الله المنعم عليها. والشكر يكون بعدم معصية الله بنعمه. فقد أنعم الله علينا بنعمة الستر ونحن نعصيه فلم نحفظ تلك النعمة ولم نقدرها حق قدرها فابتلينا بوجوب الستر ونحن نطيعه. وحرمنا من الصلاة في جماعات المساجد التي هي طاعة علنية واجبة علينا. بل وحرمنا التجمع في الحرمين الشريفين والدخول فيهما ولطالما تباهينا أمام العالم كله بكثافة تجمعنا هناك حتى أننا خصصنا محطتين فضائيتين لكل حرم واحدة.

واليوم أيضاً يفرض علينا الإختباء الإجباري في منازلنا وألا يزور أحد منا الآخر وإن خرجنا من منازلنا يفرض علينا الإختباء من الآخر مهما كانت علاقتنا به وإن رآه مصادفة يتوارى منه قبل أن يلحظه فإذا لاحظه فلا سلام بالأيدي ولا معانقة ولا حتى إقتراب ولكن يتجنب كل منا الآخر خشية العدوى.

حتى في داخل المنزل يتجنب كل منا الإقتراب من الآخر. هذا الإقتراب الذي طالما أشعرنا بالإطمئنان والسكينة. السكينة التي هي أساس الحياة الجماعية والعائلية. نعمة أخرى قد فقدناها لمَّا جحدناها.


فليمارس كل منا لعبة الإختباء الإجباري فربما قد حان وقت الإختباء وعدم الظهور مرة أخرى.

الأحد، 5 أبريل 2020

الإبتلاء . . . غضب الله





الـدنـيـا دار عـمـل

البرزخ دار سكون

الآخرة دار جـزاء


وقد إقتضت حكمة الله جل وعلا أن يكون لكل دار منهم قَدَرُها الذي قدره الله لها والذي لا يتبدل ولا يتقاطع مع الحكمة التي أوجد الله من أجلها الدار الأخرى.

الدنيا دار عمل فقط لأن الإنسان إذا مات إنقطع عمله. فلا عمل للإنسان خيراً كان أو شراً في البرزخ أو في الآخرة

الآخرة دار جزاء فقط فلا جزاء في الدنيا أو في البرزخ حيث أنه لا جزاء بدون حساب والحساب يكون في الآخرة فقط

البرزخ دار سكون فقط فلا يكون فيه عمل لأن الإنسان فيه يكون قد مات وانقطع عمله وليس فيه جزاء لأنه ليس فيه حساب

والعمل مقصود به عمل خير يؤجر عليه حسنة أو عمل شر يؤجر عليه سيئة.

والبرزخ هي الدار التي يُمْكَثُ فيها بعد الموت في انتظار الحساب يوم تقوم الساعة.

وعلم الدار الآخرة والبرزخ من علوم الغيبيات التي اختص بها الله تعالى نفسه. ولم يكن رسولنا الكريم ممن منَّ الله عليهم بعلم الغيب فلم يخبرنا إلا بما أخبره الله به في القرآن ولا يصح عنه غير ذلك: 

"قُل لَّا أَمْلِكُ لِنَفْسِي نَفْعًا وَلَا ضَرًّا إِلَّا مَا شَاءَ اللَّهُ ۚ وَلَوْ كُنتُ أَعْلَمُ الْغَيْبَ لَاسْتَكْثَرْتُ مِنَ الْخَيْرِ وَمَا مَسَّنِيَ السُّوءُ ۚ إِنْ أَنَا إِلَّا نَذِيرٌ وَبَشِيرٌ لِّقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ" الأعراف (188).

"قُلْ مَا كُنتُ بِدْعًا مِّنَ الرُّسُلِ وَمَا أَدْرِي مَا يُفْعَلُ بِي وَلَا بِكُمْ ۖ إِنْ أَتَّبِعُ إِلَّا مَا يُوحَىٰ إِلَيَّ وَمَا أَنَا إِلَّا نَذِيرٌ مُّبِينٌ" الأحقاف (9).

فكل من يتحدث عن أن بلاء الوباء هو غضب من الله عز وجل على البشر بسبب معصيتهم فقد جانبه الصواب لعدة أسباب:

السبب الأول: هو أن هذا أمر غيبي ولا يعلم الغيب إلا الله. ويستوي في ذلك أيضاً من ينفي غضب الله عز وجل.

السبب الثاني: هو أنه بقوله هذا قد إفتأت على الله بقوله ما لم يصدر أو يثبت عنه سبحانه و تعالى.

السبب الثالث: على الرغم من أن مذهب السلف وسائر الأئمة إثبات صفة الغضب على الله، وكذلك الرضا والعداوة والولاية والحب والبغض، ونحو ذلك من الصفات مع منع التأويل الذي يصرفها عن حقائقها اللائقة بالله تعالى. ولكن إذا غضب الله على الناس أفناهم أجمعين. أليس هو القائل : "وَلَوْ يُؤَاخِذُ اللَّهُ النَّاسَ بِظُلْمِهِمْ مَا تَرَكَ عَلَيْهَا مِنْ دَابَّةٍ وَلَكِنْ يُؤَخِّرُهُمْ إِلَى أَجَلٍ مُسَمًّى فَإِذَا جَاءَ أَجَلُهُمْ لَا يَسْتَأْخِرُونَ سَاعَةً وَلَا يَسْتَقْدِمُونَ" (61) "سورة النحل". وهذا ما لم يحدث حتى الآن.

السبب الرابع: أن هناك مبدءاً يجب علينا أن نفهمه حق فهمه وهو أن الله لا يترصد لعباده. أي أن الله لا يتربص بنا فيتركنا حتى نخطئ ثم يبادر ويسارع إلى عقابنا. "ما يفعل الله بعذابكم . . ." النساء (147) . بل الله وملائكته يدعون لنا بالهداية ويستغفرون لنا.

"هو الَّذِي يُصَلِّي عَلَيْكُمْ وَمَلائِكَتُهُ لِيُخْرِجَكُم مِّنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ وَكَانَ بِالْمُؤْمِنِينَ رَحِيمًا" [الأحزاب: 43].

"الَّذِينَ يَحْمِلُونَ الْعَرْشَ وَمَنْ حَوْلَهُ يُسَبِّحُونَ بِحَمْدِ رَبِّهِمْ وَيُؤْمِنُونَ بِهِ وَيَسْتَغْفِرُونَ لِلَّذِينَ آمَنُوا رَبَّنَا وَسِعْتَ كُلَّ شَيْءٍ رَحْمَةً وَعِلْمًا فَاغْفِرْ لِلَّذِينَ تَابُوا وَاتَّبَعُوا سَبِيلَكَ وَقِهِمْ عَذَابَ الْجَحِيمِ * رَبَّنَا وَأَدْخِلْهُمْ جَنَّاتِ عَدْنٍ الَّتِي وَعَدْتَهُمْ وَمَنْ صَلَحَ مِنْ آبَائِهِمْ وَأَزْوَاجِهِمْ وَذُرِّيَّاتِهِمْ إِنَّكَ أَنْتَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ * وَقِهِمُ السَّيِّئَاتِ وَمَنْ تَقِ السَّيِّئَاتِ يَوْمَئِذٍ فَقَدْ رَحِمْتَهُ وَذَلِكَ هُوَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ " [غافر 7 – 9]

وفي نفس المعنى يقول إخواننا المسيحيون:

"كبار القديسون يدركون كلام يسوع... "إذا كنتَ يا رب لأثامي راصداً، من يثبت؟ ولكن من عندك الخلاص".
من عندك الرحمة، من عندك المحبة. أنت تستخدم كل شيء حتى تعيدنا إليك، تستخدم حتى الأمور الطبيعية مثل فيروس كورونا اليوم، لتذكّرنا أنّ حياتنا لا تُبنى إلا على صخرة يسوع المسيح."

ويقولون أيضاً:

إلهنا ليس إله دينونة، إلهنا ليس إله ضربات.
إلهنا إله خلاص! إلهنا إله رجاء! إلهنا إله محبة، ورحمة.
يقول لنا: "أدّبتك قليلًا لتعي خطاياك وشرّك ولكنّي غمرتك برحمتي لتولد من جديد".

وما نحن فيه من ابتلاء بالوباء ماهو إلا نوع من عذاب الله كالعذاب الذي وقع على القرون الأولى التي انحرفت عن الطريق القويم الذي أراد الله لعباده أن يسيروا فيه. والكوارث الطبيعية والأوبئة والأمراض تصنف على أنها من آيات الله عز وجل في الكون.

". . . . وَمَا نُرْسِلُ بِالْآيَاتِ إِلَّا تَخْوِيفًا" الإسراء (59)

ويؤكد إخواننا المسيحيون هذا المعنى أيضاً قائلين:

 "أنَّ هذا الكلام لا يمتّ بصلة لإيماننا المسيحي. لَو كان الله يريد إرسال أمراض وأوبئة بسبب الخطيئة، كان يجب أن يرسل أقوى مرض وأقوى وباء عندما صلبوا ابنه يسوع المسيح". ونحن نستشهد بعباراتهم على الرغم من اختلافنا التام معهم في عقيدة "الصلب والفداء".

وكل الآيات التي تتحدث عن الحساب أو الجزاء تبين لنا أن له توقيتاً واحداً فقط لا يصح لأحد أن يشير إلى أي توقيت آخرغيره. هذا التوقيت لا يجئ إلا بعد فناء الحياة الدنيا وبعد أن يوفى كل الخلق أرزاقهم وبعد أن تختتم أعمالهم وهذا التوقيت الوحيد للحساب هو في الآخرة. 

لما أغرق الله فرعون قال: آمنت أنه لا إله إلا الذي آمنت به بنو إسرائيل، فأخذ جبريل يدس في فم فرعون الطين بجناحه من البحر مخافة أن يقول: لا إله إلا الله فتدركه رحمة الله ويتوب عليه. 

فالله هو الرحمن الرحيم ورحمته قد سبقت غضبه.



عاطف شوشه

مصادر:
جريدة اليوم السابع: بين خرافات السلفيين وأصحاب نظرية المؤامرة.. هل الأوبئة عقاب من الله؟
الأربعاء، 25 مارس 2020 11:00 م

جريدة النهار: ومن قال إن كورونا من غضب الله؟!
الأب رمزي جريج اللعازري
16 آذار 2020 | 15:39