الجمعة، 27 أغسطس 2021

كلام في العلم

 



تنقسم العلوم بصفة عامة إلى قسمين علوم ظاهرية وأخرى باطنية.


والعلوم الظاهرية هي ما يُتداول في دور العلم بين  المعلمين  والتلاميذ وهى مرادفة للعقل ومن يَعلمها يُدعى "عالماً".

والعلوم الظاهرية تصلح لك الدنيا


والعلوم الباطنية هي ما يُتداول من علم خاص بين الشيوخ ومريديهم وهى مرادفة للمعرفة ومن يَعلمها يُدعى "عارفاً ". 

والعلوم الباطنية تصلح لك الآخرة


والعلوم الظاهرية من وجهة نظري أربعة أنواع من حيث الإنتفاع بها:


علم نافع 

وهو على ثلاثة أنواع:

الأول: علم ينفع صاحبه فقط كعلمه كيف يسير أموره الشخصية بما يتناسب مع ظروفه التي لا يعلمها إلا هو. وكذلك علمه بحال منزله وزوجته وأولاده.

وقد قيل أيضاً أن هناك ثلاثة أشياء لا يجب أن تتحدث عنها: "ذهبك وذهابك ومذهبك". وهى نصيحة لك أن تقصر علم هذه الأشياء على نفسك فلن ينتفع به إلا أنت.

الثاني: علم ينفع الآخرين فقط كعلم المعلم الذي يعلمه لتلاميذه فهذا العلم ينفع التلاميذ ولا ينتفع به المعلم لبداءته إذ هو يعلم فوقه الكثير ولكنه يبدي لهم ما يتناسب فقط مع قدر عقولهم. 

أو كعلم الموظف بكيفية إنهاء معاملة ما في مكان عمله فيفيد الآخرين بذلك ولا يستفيد هو منه.

الثالث: علم ينفع صاحبه والآخرين وهذا النوع هو علم أصحاب الحرف كالمهندسين والأطباء والبنائين والمحاسبين والمحامين غيرهم.


علم ضار

يضر صاحبه ويضر الآخرين. مثل علوم السحر والشعوذة واستحضار الجن والشياطين وغيرها مما هو ظاهر ضرره من العلوم المستحدثة مثل علم استنساخ الأجنة البشرية أو المخلوقات الأخرى.

والبعض يرى أن كل علم لا يقربك من الله ولا ينفعك في آخرتك هو علم ضار عليك لأنه يحجبك عن الحق سبحانه وتعالى. ويدخل في هذا النطاق عند السادة الصوفية كل العلوم الظاهرية.


علم لا ينفع وجهل به لا يضر 

كعلم ماذا كان يأكل أهل الصين في العصور البائدة. 

أو بأي لغة خاطب الله عز وجل نبيه موسى عليه السلام عند جبل الطور المقدس.


علم ينتقص ويقلل من صاحبه

كمن عنده علم بالخمور والمسكرات وأنواعها وكيفية مزجها وأوقات تناول كل منها ومع أي نوع من الأطعمة يفضل تقديمها وأنواع الآنية التي تشرب كل منها فيها. 

أو علمه بالمواد المخدرة وأين تباع وأين تشترى وقيمة كل منها المادية وكيفية تحضيرها لتعاطيها ومالها من آثار مختلفة على الجسد والعقل والحواس.

أو من يعلم بأماكن تواجد الساقطات من النساء وكيفية التعامل معهن وأسعار الخدمات التي يقدمنها وما إلى ذلك مما يختص بدور الفجور والفسق وأهلها.


وقد يكون السبب في تعلم أيٍ من هذه العلوم السابقة على اختلاف نفعها إما عن قصد للفائدة وإما يكون عن طريق الصدفة أي عن غير قصد مطلقاً أو للحاجة المؤقتة فقط أو بسبب الفضول ليس إلا.


والتعامل مع كل نوع من هذه العلوم يجب أن يكون بحذر شديد وأن يكون عن تفكير وتدبر.


فالعلم النافع يُعلم لمن يستحق فقط أن يتعلمه ويسعى إلى ذلك بشتى الطرق بشغف وإقبال وأن يُبذل الجهد في ذلك. أما من لا يريد التعلم ويختلق من الأسباب ما يدعي بأنها تمنعه من التعلم فيجب ألا يُبذل الجهد مطلقاً في تعليمه.


والعلم الضار يجب ألا يقوم صاحبه بتعليمه لأحد بل يجب عليه صد كل من يحاول تعلمه ما استطاع إلى ذلك سبيلا. وكذلك العلم الذي لا ينفع لا يجب بذل الوقت في تعليمه أو تعلمه.


والعلم الذي يقلل من شأن صاحبه يجب مداراته تماماً بل وإظهار الجهل به إذا تطرق الحديث إليه في مجلس من المجالس هو حاضر فيه بل والتعفف عن سماعه وإظهار التبرم منه. 

وإذا كان لابد سامعه فليظهر من الدهشة والتعجب ما يوحي إلى من حوله بأنه لم يسمع بمثل هذا العلم من قبل ويدعي الجهل به تماماً وإن كان يعرفه حق المعرفة. 

ويتساوى في ذلك ما إذا كان المجلس مجلس جد أو هزل فالأمر لا يرجع إلى نوع المجلس وإنما يرجع إلى صورته التي يجب أن يحافظ عليها أمام الآخرين لكي يحظى باحترامهم الدائم له وقد يكون بعض الحاضرين في مجالس الهزل حاضرين أيضاً في مجالس الجد فيجب أن يكون لك وجها واحداً تظهر به بين الناس وإلا افتضحت ووصفت بالنفاق. 

وإظهار المعرفة بهذا العلم ليس مما يتفاخر به أهل الفضل بل هو يقلل من شأن صاحبه إذ يترك انطباعا دائماً بأنه ممن يتصفون بالسفاهة لأنهم يضيعون أوقاتهم في تعلم ما لا فائدة ترجى منه. 

كما أنه قد يتسبب في الشك فيما يكون له من أخلاق حميدة إذ يظل دائماً هناك احتمال قائم بأن هذا العلم الذي حصله هو "علم معاين" أي علم من اختبر الشيء وعاينه وجربه بنفسه وقد يكون استساغه أو مازال يمارسه.




اللهم انفعنا بما علمتنا وعلمنا ما ينفعنا.


عاطف شوشه