عندما توفي الحاج رؤوف ترحمت عليه كثيراً ومازلت أفعل كلما تذكرته.
عندما توفي الحاج رؤوف ترحمت عليه كثيراً ومازلت أفعل كلما تذكرته.
كنت أشكو كثيراً من جيراننا في الطابق العلوي.
كنت أجد قشور " بذور دوار الشمس " المتطايرة من شرفتهم تملأ شرفتي كل صباح.
ولما لم أجد استجابة من الجيران للكف عن هذا الأمر قررت أن أكف أنا عن الشكوى وأخذت أجمع هذه القشور في صمتٍ كل يوم وبدون تذمر وبنفسٍ راضيةٍ سمحه.
وفي أحد الأيام وأنا أجمع القشور وجدت بذرة كاملة قد سقطت من الطابق العلوي في الماء الذي نضعه في الشرفة لتشرب منه طيور السماء وقد بدأت هذه البذرة فعلاً في الإنبات. تعجبت كيف أنني لم ألحظ هذه البذرة في الأيام السابقة قبل إنباتها.
أخذت البذرة وغرستها بغير اكتراثٍ وحيدةً في أصيصٍ صغير وأنا لا آمل كثيراً في أنها سوف تستمر طويلاً في الحياة.
وبعد أيام قليلة بدأت البذرة الصغيرة تشق التربة السوداء وتخرج من ظلام الأرض إلى نور الله. وأخذت أراقبها كل يوم وأنا أرويها وهى تكبر بسرعة غير عادية . وسرعان ما ظهرت لها أوراق خضراء نضرة. وطال ساقها يوماً بعد يوم واشتد وزادت أوراقها.
وتفاجأت ذات يومٍ إذ وجدتها وقد بدأت في الإزهار غير عابئةٍ ببرودة الطقس من حولها وفي غير موسم الإزهار. وبعد عدة أيام تفتحت منها زهرةٌ صفراء جميلة كنت أتمنى دائما أن أحصل يوماً على مثلها بين نباتاتي.
الزهرة الجميلة التي تدور مع الشمس المشرقة ما زالت ببهائها تدخل البهجة والسرور على قلبي كلما نظرت إليها.
عندما نكف عن الشكوى ونرضى بالقضاء يفاجئنا الله دائماً وعلى غير انتظارٍ بكل ما هو جميلٌ. و يُزهر الرضا غضاً في أرضنا.
عاطف شوشه
الطريق إلى الله عز وجل طريقان: طريق الإجتباء وطريق الهداية والإنابة.
والطريقان يبينهما الجزء الأخير من الآية الثالثة عشرة من سورة الشورى. يقول الله : (الله يَجْتَبِي إِلَيْهِ مَن يَشَاءُ وَيَهْدِي إِلَيْهِ مَن يُنِيبُ )
أما طريق الإجتباء فبدايته من عند الله ونهايته عند العبد. والإجتباء لا دخل للعبد به ولا يد له فيه وليس هناك من عمل يمكنه أن يعمله يوصله إلى أن يجتبيه الله جل جلاله فهو وحده الذي يختار من بين خلقه من ينبأه فيصير نبياً من أنبيائه ومن يرسله فيصير رسولاً من رسله ومن يوليه فيصير ولياً من أوليائه.
كان "الجنيد البغدادي" هو وأصحابه في مسجد الشوينزيه في بغداد إذ دخل شيخ من باب المسجد عليه مرقعة فصلى ركعتين ثم أشار إلى الجنيد ليأتي إليه ليكلمه. فلما آتاه قال له: "إن الأجل قد حان فإذا فرغت من أمري فخذ أشيائي هذه وأبقها عندك حتى يأتيك شاب مغني فسلمها له". فسأله الجنيد متعجباً: "ولماذا مغني؟" قال الشيخ: "إن الله قد اختاره لخدمته".
ثم أن الشيخ توفي من وقته فقام الجنيد وأصحابه بأمره حتى واروه التراب. وبعد قليل دخل شاب إلى المسجد وسأل عن الجنيد فأتاه وقال له : " أين أشيائي " فسأله الجنيد : "كيف هذا؟"
قال : "كنت أغني في مكان كذا فجاءني هاتف فقال لي اذهب إلى الجنيد وخذ أشيائك منه". ثم أن الشاب اغتسل ولبس الخرقة وأخذ أشياء الشيخ وخرج من المسجد في اتجاه الشام.
أما طريق " الهدي والإنابة " فبدايته عند العبد بالإنابة ونهايته عند الله بالهدى.
وفي معنى الإنابة قال ابن القيِّم رحمه الله: "الإنابة: الإسراع في مرضاة الله مع الرجوع إليه في كل وقت، وإخلاص العمل له، وقال أيضًا: الإنابة إلى الله إنابتان: الأولى: إنابة إلى ربوبيته وهي إنابة المخلوقات كلها، المؤمن، والكافر، والبر، والفاجر، قَالَ تَعَالَى: ﴿ وَإِذَا مَسَّ النَّاسَ ضُرٌّ دَعَوْا رَبَّهُم مُّنِيبِينَ إِلَيْهِ ﴾ [الروم: 33]. والثانية: إنابة أوليائه، وهي: إنابة لألوهيته، إنابة عبودية ومحبة، وهي تتضمن أربعة أمور: محبته، والخضوع له، والإقبال عليه، والإعراض عما سواه".
والإنابة بالمعنى القرآني السابق عند بعض الصوفية هي إنابة العوام. أما الإنابة في اصطلاح الصوفية، فهي على معنى الرجوع من مخالفة الأمر إلى موافقته، فلا يجدك الله تعالى حيث نهاك، ولا يفتقدك حيث أمرك، وقد أورد أحدهم في معناها بعض الأقوال التي تتوافق مع المعنى العام للأصول القرآنية وأهمها إخراج القلب من ظلمات الشبهات والرجوع من الكل إلى من له الكل والرجوع من الغفلة إلى الذكر، ومن الوحشة إلى الأنس.
فمن أخلص الإنابة إلى الله هداه الله إلى طريقه.
عاطف شوشه