أستمتع كثيرا بقراءة مقدمات الكتب إذ هي تفصح على وجه السرعة عما انتوى الكاتب أو المحقق أن يقدم لنا ولماذا بذل هذا الجهد في إخراج كتابه وما يريد منا أن نفهمه وما يريد أن يبقى في أذهاننا بعد الفراغ من قراءته.
وكثيراً ما أعود إلى المقدمة بعد أن أكون قد قطعت شوطاً طويلاً في قراءة الكتاب لأتأكد من أنني أفهم جيدا ما أراده الكاتب من كتابه وأنه لايزال على نفس النهج أو الهدف الذي من أجله كتب كتابه والذي أعلن عنه في المقدمة ثم أقرر حينها أن أكمل القراءة أو أتوقف وأنحي الكتاب جانباً.
وأنا أحاذر جيداً أن أتأثر بمقدمة الكاتب التي يحاول فيها أن يجعلني منحازاً لآرائه وأفكاره وأن يستحوذ على فكري فلا أقارن أو أنتقد ما كتبه واعتبره من المسلمات.
وأذكر هنا كتاباً من هذه الكتب التي استمتعت جداً بقراءة مقدمتها لما جاء في فقراتها من أفكار جديدة ومثيرة ارتبطت سريعاً في مخيلتي بقراءات أخرى سابقة مما جعلني أعيد قراءتها عدة مرات مستغرقاً بشدة في كل ما جاء فيها وأرجع إليها مستشرفاً قراءاتي التالية مؤملاً الإجابة على تساؤلات عديدة أثارتها لدي أفكار تلك المقدمة.
هذا الكتاب هو " جدل التنزيل " للكاتب العراقي " رشيد الخيون ".
وأنا هنا سأذكر فقط تلك الفقرات التي لها علاقة بالموضوع الذي أكتب فيه هذه المقالة. يقول د. رشيد :
قبل تفشي الظلمة بحلول العصور الوسطى وتشددها الديني الرهيب في الشرق والغرب على السواء كان المؤرخون يرون أن لا قيود على كشف الماضي". ويقول رشيد:
"كان الخلاف بين المسلمين حول أمور كثيرة ومنها خلافهم بشأن الله تعالى فما بال اختلافهم حول كتابه وأن هذا الإختلاف لم يؤثر على موقفهم منه"
ويقول أيضاً وهذا هو موضوعنا في هذه المقالة:
" الكتب السماوية التي وصلتنا على ألواح طينية وقطع صخرية من عهد سومر وبابل ومصر القديمة استوعبنا بسهولة تسميتها بالأساطير رغم ما فيها من كلام مقدس ورد في الكتب الحالية ".
أحسست بصدمة معرفية مثيرة بعد قراءة هذه الفقرات وخاصة الفقرة الأخيرة وتداعت أمثلة كثيرة في مخيلتي من سابق قراءاتي تنطبق عليها تماما هذه الفكرة الجدلية.
هي أمثلة مما جاء في الديانات القديمة التي أطلقنا عليها صفات تهينها وتنتقص من قدرها نظن أننا بذلك نرفع من قدر الإسلام رغم ما دعت إليه هذه الأديان من فضائل الأخلاق وعبادة الرب الواحد وحب الآخرين واحترامهم والرحمة بكل مخلوقات الله على أرضه.
فإذا كان هناك فرضية ما بأن هذه الأديان سماوية ولكننا لم نعلمها فإننا قطعاً نأثم بالإساءة إليها وبما ننسبه لها مما هو ليس منها متعمدين توجيه الإتهامات المخزية لها.
ولا ننسى أو نتناسى أن الله قد جمع بعض هذه الأديان التي لا نعترف بسماويتها مع السماوية منها في آية واحدة وقال لنا أنه هو وحده المختص بالفصل بينها. يقول الله عز وجل "إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَالَّذِينَ هَادُوا وَالصَّابِئِينَ وَالنَّصَارَىٰ وَالْمَجُوسَ وَالَّذِينَ أَشْرَكُوا إِنَّ اللَّهَ يَفْصِلُ بَيْنَهُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ ۚ إِنَّ اللَّهَ عَلَىٰ كُلِّ شَيْءٍ شَهِيدٌ" (17)(الحج). أي أنه عز وجل منعنا من الحكم على هذه الأديان أو على متبعيها لأن هذا من اختصاصه وحده وما هذا إلا لقلة علمنا مقارنة بعلم الله وكذلك لعجزنا عن الإحاطة بالأمور كلها قديمها وحديثها قريبها وبعيدها.
على الرغم أيضاً من علمنا وبنص صريح من القرآن أن هناك رسلاً لم يخبرنا الله عنهم ومن المؤكد أنه كانت لهم تعاليم وطقوس خاصة بدينهم السماوي أمرهم الله بها يعملون ويتقربون بها إليه ولم يطلعنا الله عليها.
ومن هذه الأمثلة التي قد نراها بطريقة مختلفة إذا فكرنا فيها بمنطق مختلف متكئين على هذه الفكرة قصة الإسراء والمعراج. فقد ذكرت أديان أخرى روايات تفيد بأن أنبيائها صعدوا أيضاً إلى السماء.
وإذا كنا نعرض هنا ما ترويه الأديان الأخرى من صعود أنبيائها إلى السماء لمقابلة ربها لسبب قد قرره الرب إما للتأكيد على وجوده أم لأخذ التعاليم الدينية عنه أو للرؤية والمشاهدة والتمتع بالقرب من الخالق كجائزة إلهية يمنحها الخالق للصادقين في عبادته أو لكل هذه الأسباب مجتمعة.
ونحن بالطبع لا نستطيع الجزم بحدوث هذا الصعود في مثل هذه الأديان من عدمه. ولكن إذا كنا نصدقه على نبينا محمد فهو من الأمور الممكن حدوثها بفضل الله عز وجل وقدرته ومشيئته.
وإذا كنا لا نعلم علم اليقين إذا كانت هذه الديانات سماوية أم لا إستناداً لقول الله عز وجل "ومنهم من لم نقصص عليك" فهناك الإحتمال القائم أن تكون سماوية وأن يكون صعود أنبيائها مماثل لصعود نبينا.
وإذا وضعنا هذا الإحتمال قيد الإعتبار منطبقاً على دين مشكوك في سماويته فإنه بالنسبة إلى دين مؤكدة سماويته لا يكون إحتمالاً بل حقيقة مؤكدة.
الصعود إلى السماء عند " الشامانية " : سيبيريا ووسط آىسيا
الشامانية هي أقرب لكونها ظاهرة دينية من كونها ديناً، كما هي تقنية الوَجْد ، بين قبائل سيبيريا ووسط آسيا . تقوم الشامانية على الاعتقاد بانفصال الروح عن الجسد ، في حالة حدوث الوجد الكامل ، أي الغيبوبة ، وطيران الروح إلى السماء ، من خلال ثقب يساعدها عبوره على الانتقال من سماء لأخرى ، وصولا للسماء العليا ، فلقاء الإله وجها لوجه .
طقوس تنصيب الشامان أي رجل الدين، ، تعتمد إعادة تمثيل صعود الروح إلى السماء بعد الوصول لحالة الوجد العميق ، بالحركات والإشارات الصعود الصعب من سماء إلى سماء ، حتى السماء التاسعة . وإذا كان قويا فحتى السماء الثانية عشرة ، وحتى للأعلى ، ويخاطب رب العالم العلوي ، بخشوع ، مبتهلا إليه منحه حمايته وبركاته . وكما قلنا يحدث ذلك لحظة الوصول بحالة الوجد إلى الذروة.
الصعود إلى السماء عند السومريين – أرض الرافدين
وتزودنا الآداب السومرية بأسطوريتين من أساطير الصعود إلى السماء ، تعود الأولى منهما إلى العصر السابق على عصر نشوء الممالك في أرض الرافدين ، بينما تنتمي الثانية إلى عصر لاحق .
الأولى: صعود أدابا
تحكي الأسطورة الأولى قصة صعود حكيم اسمه "أدابا" ، من "إريدو" ، إلى السماء ومشاهدته عن قرب لبهاء وتألق الإله "آنو" – كبير الآلهة السومرية - ، هذا البهاء الذي " لا يمكن لبشري أن يتحمله " .
تبدأ قصة الصعود من أن الإله "إيا" ، إله الحكمة والمعرفة والخلق ومهارة الصنع الإله القريب من البشر ، اختار "أدابا" العالم والقديس ذا اليد الطاهرة الساهر على إقامة الطقوس وتقديم القرابين المختلفة اختاره لتعليمه الحكمة و" ليكون مثالا بين البشر ، حكيم لا يمكن لأحد رفض كلمته " ، وأراد له " أن تصبح كلمته مماثلة لكلمة "آنو" ولذلك فقد " منحه إدراكا واسعا يمكنه من كشف المصائر في البلاد . وهبه الحكمة ولكنه لم يمنحه الحياة الأبدية " .
وصل رسول "آنو" لحمل "أدابا" إلى السماء :" جعله الرسول يأخذ طريق السماوات ، وأُصْعِدَ إليها " . وأخيرا عبر بوابة "آنو" ومَثُلَ أمامه .لكن "أدابا" كان قد "تأمل السموات ، من قاعدتها حتى سمتها ، وأمكنه التمتع برؤية تألق "آنو" الإلهي الذي لا تُحْتَمل رؤيته " . وقرر الإله "آنو" :" كل ما ستسببه ريح الجنوب من شر للبشر ، وأي مرض ستضعه في جسم البشر ، مع "أدابا" ستتمكن "نينكازاك" – إلهة الصحة والشفاء – من تهدئتهما ، وعند ذلك فليتبدد الشر وليبتعد المرض " .
والثانية: صعود "إيتانا"
تقول الأسطورة الثانية ان "إيتانا" ملك "كيش" ، كان رجلا صالحا يخدم الآلهة باستقامة وورع ، ينحر القرابين ويحترم أرواح الموتى ، لكنه لم يرزق بابن يخلفه على عرش كيش . تضرع "إيتانا" للإله "شمش" طالبا مساعدته في الحصول على العشبة التي تساعد زوجته على الحمل . الإله "شمش" دله على نسر ملقى في حفره ، منزوع ريش الجناحين ، يصارع الموت جوعا وعطشا ، عقابا له على خيانة عهد التزم به ، وهو من يعرف مكان العشبة . "إيتانا" وصل إلى الحفرة ، أنقذ النسر ، رعاه شهورا ، حتى عاد ريش جناحيه واستعاد كامل قواه.
ويشير النسر الذي اعترف بجميل "إيتانا" إلى أن العشبة عند "عشتار" التي تجلس على عرشها في سماء فوق سماء "آنو". يتفق على حمله إلى سماء "آنو". يحمله على ظهره ويصعد به ، وكلما ارتفع يسأل "إيتانا" عما يراه. ولأن الألواح المكتوب عليها الأسطورة عُثِر عليها مهشمة ومشوهة ، بقيت تفاصيل باقي الرحلة والوصول لسماء "آنو" ومن ثم لسماء "عشتار" فالعودة للأرض غير واضحة ، لكن يفهم منها أن "إيتانا" عاد ، أكمل حكم "كيش" 635 سنة في رواية ، و1500 سنة في رواية أخرى ، وأن ابنه خلفه وحكم "كيش" 400 سنة ".
قصة صعود أخنوخ – إدريس
أخنوخ هو النبي إدريس عند المسلمين . وتُجمع كتب العهد القديم كما القرآن في سورة مريم الأية 56 ، تجمع هذه الكتب المقدسة على أن أخنوخ رُفع إلى السماء لأنه نال رضى الله .
ويروي سفر أخنوخ – مخطوطات قمران تفاصيل رحلة الصعود الأولى إلى السماوات ، ومقابلة أخنوخ للرب ، والتعاليم التي كلفه الرب بنقلها إلى الأرض . تلك التعاليم التي أفرغها أخنوخ في 360 كتابا كما قال ، والتي أمهله الرب شهرا واحدا لنقلها لأبنائه ، فإصعاده للسماء بعدها { ورفعناه مكانا عليا } حسب القرآن .
يبدا سفر أخنوخ رواية الصعود الأولى بالقول أن أخنوخ حلم في نومه ، بعد إتمامه من العمر 365 سنة بملكين عظيمين . أيقظه الملاكان ، تحول الحلم إلى حقيقة ،وأبلغاه بأمر الرب إصعاده إلى السماء . أبلغ أبناءه بالأمر.
حمله الملاكان على أجنحتهما إلى السماء الأولى ، ثم أخذا ينقلانه ، بعد إتمام الجولة فالمشاهدات في كل سماء ، من سماء لأخرى حتى السابعة ، ليجد نفسه أمام عرش الرب ، وحيث يلتقيه وجها لوجه ، بعد أن شجعه الملاك جبرائيل وأزال الرهبة التي تلبسته .
وكان قد رأى في يمين السماء الثالثة الفردوس التي أعدها الرب لعباده الأبرار ، وفي شمالها شاهد جهنم التي أعدت للظالمين .
وفي السابعة أمر الرب أحد رؤساء الملائكة ، واسمه "وارويل" ، بإعطاء أخنوخ قصبة من مستودعات الكتب . أمضى "وارويل" ثلاثين يوما وثلاثين ليلة وهو يلقي التعاليم التي أمر الرب بها على أخنوخ دون أن تسكن له شفة ، وحيث أمضى أخنوخ أربعين يوما وأربعين ليلة لهضمها وحفظها . بعدها ،وبأمر الرب ، أعاده الملكان إلى الأرض لينقل كل ما سمع ورأى لأبنائه ، وليفرغها في 360 كتابا . وبعد إكمال المهمة عاد الملاكان ، وحملاه من جديد إلى السماء ، ولتفيض روحه ، بعد وقت ، هناك .
الزرادشتية – بلاد فارس ( إيران )
تقول الأسطورة الفارسية أن زرادشت ، قبل بعثته ، رأى ، وهو يقف على رأس جبل ، نورا يسطع فوقه ، وإذا بالنور صادر عن كبير الملائكة الذي جاء ليقوده إلى السماء ، ولكي يلقى الرب ويستمع منه إلى تكليفه بأمر النبوة والرسالة . صعد زرادشت إلى السماء على ظهر حصان طائر . وبعد السماء الأولى رافقه إلى السماء السابعة ملاك عظيم . وفي السماء السابعة وقف بين يدي الرب. وبعد تلقي الرسالة ، والتكليف بالبعثة ، طاف على السماوات ، وشاهد ما فيها.
بعد العودة إلى الأرض تم توثيق موضوعات الرحلة كتابة ، نقوشا ورسومات على الأعمدة والحجر، وحيث ما زال أكثرها قائما حتى يومنا هذا.
بعد مرور قرون ، وتعاقب أجيال ، طرأ نسيان لتعاليم زرادشت . اختارت السماء واحدا من أهله وقع عليه سبات . انفصلت الروح عن جسده الذي بقي في حالة السبات ، وسافرت الروح إلى السماء .
وبقيادة رئيس الملائكة ارتقى طبقات السماء ، بدءا من طبقة الكواكب – السماء الأولى - ، مرورا بطبقة القمر – السماء الثانية – ، فطبقة الشمس – السماء الثالثة – ، وحتى وصل السماء السابعة . وبعد مقابلة الرب طاف على الجنة كما شاهد النار. وبعد العودة تم تدوين أحداث الرحلة في كتاب " أرتاويرف نامك ".
صعود النبي إيليا
ويحكي لنا العهد القديم من الكتاب المقدس – التوراة - قصة صعود النبي إيليا – مار الياس – إلى السماء . لكن رحلة الصعود هذه لم تكن لملاقاة الرب وتعلم الحكمة والتزود بتعاليم يعود بها لهداية الناس . كانت نوعا من الإختطاف استهدف حماية إيليا من تهديدات بالقتل لاحقته أينما حل .
ذلك أن النبي إيليا واجه ردة أهل مملكة السامرة إلى دينهم الأصلي ، الكنعاني . شيدوا للبعل معبدا على الكرمل ، أقام كهنة البعل فيه الطقوس وقدموا الأضحيات للبعل.
استدرج إيليا كهنة البعل إلى مناظرة تفضي نتيجتها إلى اعتراف الخاسر بفساد ديانته وصلاح ديانة الفائز . فاز إيليا . قتل 450 كاهنا . حرق المعبد ودمره . لاحقه أتباع البعل بطلب قتله ، حيث نجح في حرق وقتل سريتين من الجنود لاحقتاه.
لكن تواصل ملاحقته دفعه لمواصلة الهرب ، جنوبا إلى بئر السبع ثم غربا إلى جبل طور سيناء ، حيث قضى أربعين يوما وليلة مختبئا في مغارة هناك وبعدها استأنف الهرب شرقا هذه المرة ، فعبور نهر الأردن ، بصحبة النبي أليشع ، فالاختطاف والصعود إلى السماء.
وقائع الاختطاف – الصعود - سجلها الإصحاح الثاني من سفر الملوك الثاني وعلى النحو التالي : [ وأخذ إيليا رداءه ولفه وضرب الماء فانفلق إلى هنا وهناك وعبرا كلاهما في اليبس 9 ولما عبرا قال إيليا لأليشع اطلب ماذا أفعل لك قبل أن أؤخذ منك . فقال أليشع ليكن نصيب اثنين من روحك علي 10 فقال صعبت السؤال ، فإن رأيتني أؤخذ منك يكون لك كذلك وإلا فلا يكون 11 وفيما هما يسيران ويتكلمان إذا مركبة من نار وخيل من نار ففصلت بينهما وصعد إيليا في العاصفة إلى السماء 12 وكان أليشع يرى وهو يصرخ يا أبي يا أبي مركبة إسرائيل وفرسانها . ولم يره بعد ذلك . فأمسك ثيابه ومزقها قطعتين 13 ورفع رداء إيليا الذي سقط عنه ورجع ووقف على شاطئ نهرالأردن 14 ] . وضرب أليشع مياه نهر الأردن برداء إيليا فانفلق النهر إلى هنا وهناك.
صعود المسيح إلى السماء
جاء صعود المسيح مقاربا لصعود إيليا في الهدف. لم يكن هدف الصعود ، في الحالتين ، منح الصاعد الحكمة ، أو تكليفه بحمل الرسالة ، أو تعليمه فروض الدين الجديد . كان الهدف إنقاذ إيليا من قبضة أعدائه ، ورفع جسد المسيح من قبره وحفظه من البلاء . صعد إيليا جسدا وروحا بمركبة وبخيل النار ، فيما لم يقل لنا العهد الجديد شيئا عن كيفية صعود جسد المسيح .
صعود النبي محمد نبي الإسلام إلى السماء
وحديث المعراج لم يرد به نص صريح في القرآن ، وتعددت الروايات عنه منسوبة للحديث على لسان النبي نفسه ولأن الفروقات في عرضها واسعة ، فقد اخترت عرضي البخاري ومسلم في الصحيحين . لكن ولأن الحديث المنسوب إلى أنس بن مالك في الصحيحين ؛ 3207 و3887 في البخاري و259 في مسلم ، جاء مختلفا في الصياغات ، ولأنه طويل ، فقد اجتهدت في تلخيصه بحذف التكرار ، معتمدا الجوهر ، وعلى النحو التالي :
انفرد البخاري في الإشارة إلى عملية شق لصدر النبي ، إخراج قلبه وحشوه بالإيمان ، قبل البدء في رحلتي الإسراء والمعراج.
تلا العملية إحضار البراق الذي هو دابة بيضاء بين الحمار والبغل.
يقول البخاري أن النبي ركب البراق وانطلق به جبريل حتى السماء الأولى ، يقول مسلم أن النبي حين الوصول إلى بيت المقدس ربط البراق بالحلقة التي يربط بها الأنبياء ،
وبعد الصلاة ركعتين في المسجد جاءه جبريل بإناءين ، واحد من خمر والآخر من لبن فاختار اللبن. فيما يقول البخاري أن العرض شمل ثلاثة أواني ، للخمر واللبن والعسل ، وأن العرض وقع في السماء السابعة وأن جبريل علق على اختيار النبي للبن بالقول : هي الفطرة أنت عليها وأمتك .
وتتفق رواية الشيخين في أن جبريل ظل عند الوصول لبوابات السماوات يستفتح حارس البوابة ، أي يطرق على البوابة مستأذنا تنفتح البوابة ، ويرحب حارسها بالنبي ، ويتكرر المشهد بذات الأسئلة والردود عند البوابات الست التالية .
يلتقي النبي بآدم عند البوابة الأولى وبعيسى المسيح ويحيى بن زكريا عند البوابة الثانية ويوسف الصديق ، والذي أُعطي شَطْر الحُسْن حسب مسلم ، عند الثالثة ،وإدريس عند الرابعة ، وهارون عند البوابة الخامسة ، وموسى عند السادسة ،وإبراهيم عند السابعة ، والذي كان مسندا ظهره للبيت المعمور حسب مسلم .
وفيما باركه آدم وإبراهيم بالقول :" أهلا بالابن الصالح والنبي الصالح " وباقي الأنبياء بالقول :" أهلا بالأخ الصالح والنبي الصالح " حسب البخاري.
وفي السابعة رُفِع النبي إلى سدرة المنتهى أولا ثم إلى البيت المعمور.
في طريق العودة وفي السماء السادسة سأل موسى وأجاب النبي بفرض خمسين صلاة في اليوم والليلة عليه وعلى أمته . نصحه موسى بالعودة إلى الله وسؤاله التخفيف . حتى استقر الفرض على خمس صلوات ، قال موسى أنها كثيرة وأن أمتك يا محمد لن تطيق . ويجيب النبي :" لقد رجعت إلى ربي حتى استحييت منه "
تتحدث الروايات الأخرى ، ومنها رواية ابن عباس مثلا ، عن وصف النبي للسماوات ، مادة تكوينها ، واحدة من حديد وثانية من فضة ..الخ وعن المسافات بينها ، سمكها ، مسير خمسمائة سنة ، أعداد الملائكة الغادين والرائحين في كل منها ، كما وتطنب رواية ابن عباس في عرض النبي لمشاهداته في الجنة والنار ، مما لا أظن أن هناك حاجة لعرضه هنا.
بعض الروايات قد قالت بأن الصعود استمرار للإسراء ، وأنه تم على ظهر البراق ، قالت روايتا البخاري ومسلم أن جبريل هو من تولى تنفيذ عملية الصعود.
والسؤال الذي يطرحه البعض عن قصص الصعود إلى السماء هو:
ما حاجة الإله ، وهو الذي إذا أراد شيئا أن يقول كن فيكون ، إلى استقدام مخلوق هو خلقه ، ليلقنه تعاليم دينه ، وليبعثه إلى قومه يبشرهم بهذه التعاليم وينذرهم بسوء العاقبة إن رفضوها أو خرجوا عليها ؟
والله أعلم.
عاطف شوشه