الخميس، 5 سبتمبر 2019

من هنا تبدأ الحكاية



من هنا تبدأ الحكاية.


وعندما يذكر الراوي أي من مشتقات كلمة "يبدأ" فهو حتماً يعرف أنه سوف يذكر في وقت ما أو في مكانٍ ما من روايته إحدى مشتقات كلمة "ينتهي" فكل أمر له بداية فهو حتماً له نهاية هكذا هو منطق الأشياء والمخلوقات سواءاً منها المادية أو المعنوية أي أن لكل أمر "عمراً" سواءاً كان هذا العمر يوماً أو ساعة أو دقيقة أو ثانية أو أقل من ذلك أو أكثر. وخلال هذا العمر يحدث التفاعل مع الأمور الأخرى المحيطة بهذا الأمر إلى أن تحضر كلمة "ينتهي" أو إحدى مشتقاتها.

والراوي خبيث بطبعه فهو يعرف قطعاً ماذا حدث بين الكلمتين من قبل أن يبدأ روايته ولكنه يريد أن يسوق للقارئ - إن وُجد - المبررات التي تبرئه منذ البداية حتى وقوع النهاية. وقد يحدث ذلك فعلاً ولكن للأسف لا يحدث دائماً فمسوغات البراءة التي يسوقها شخص ما قد تفهم بأنها دليل إدانته القطعي عند شخص آخر.

ومجمل الحكاية في كل الأحيان مهما عظم حجم الرواية لا يتعدى مطلقاً بضعة كلمات بسيطة سهلة الفهم وهي "كان هناك شخصٌ عاش دهراً ثم مات". وعاش تتضمن في محتواها معنى البداية ومات بالطبع تتضمن في محتواها معنى النهاية.

وما قبل كلمتي البداية والنهاية وما بعدهما غيب لايعلمه إلا الله والإشتغال أو الإنشغال بالغيب ضرب من الحماقة وتضييع للعمر فيما لا يُدرك ولا يُفيد.

وكل ما بين الكلمتين مما لم يُقصد به وجه الله تعالى مهما عظم أمره وعلا شأنه ومهما ازدهر وتنامى فهو يسقط عن آخره عند حضور النهاية.

وقد كنت أنوي حقيقة أن أحكي حكايتي كلها ومنذ وعيت النظرة الأولى على هذه الدنيا وحتى الآن وكان علي أن أتذكر ما لم أعد أذكره أو أفسر ما عجزت عمري كله عن تفسيره.

وبما أنني أردت أن أروي حكايتي أنا وليس حكاية شخص آخر فأنا حقاً وليس خبثاً لا أعرف كيف ستكون النهاية وإن كنت أعلم النهاية علم اليقين. وقد يكون دهري هذا  سنيناً أو أياماً أو ساعاتٍ أو ثوانٍ أو ينتهي حتى قبل أن أكتب الكلمات الأخيرة من هذا المقال وأتمه وأمهره بتوقيعي الرسمي المعتاد.

وحتى لا يشعر بالإحباط هذا القارئ الذي كان ينتظر بعد هذه المقدمة المملة أن يعرف حكايتي  أو يحس أنني قد ضللته متعمداً أو خذلته قاصداً فلم يعرف في النهاية عني شيئاً فقد قررت أن أروي حكايتي.

وحكايتي أيضاً بسيطة وسهلة الفهم " يوجد هنا شخص يعيش دهره ثم يموت" وما بين الكلمتين لا يعني أحداً.



عاطف شوشه