الأحد، 13 ديسمبر 2020

البديل

 اليوم أصبحنا فارغين تماماً.


نبحث حولنا في كل مكان عن سر هذا الفراغ الغريب المفاجئ. ندور طيلة النهار حول أنفسنا نتخبط في أرجاء المنزل فلا نجد تفسيراً لما نحس به. 


يدخل من الباب زوارٌ كثيرون ويخرجون واجمون متجهمون كما دخلوا. 

سر الفراغ الكبير ليس معهم أو بينهم. وجودهم ورحيلهم سواء. لم يضيفوا شيئاً ولم ينقصوا شيئاً أيضاً. نتوقع أن يأتي المزيد من هولاء ويرحلوا كما فعل من قبلهم بلا أثر يذكر. 


نتيقن تماماً أن سر هذا الفراغ المقلق ليس قطعاً هذا الشخص الذي فقدناه للأبد بالأمس والذي كان سبباً مباشراً في كثرة الزوار بطريقة مملة جداً إذ يجب علينا ليس فقط أن نستقبلهم ونبدي إمتناننا البالغ لتفضلهم بالتواجد معنا في هذا التوقيت الذي لم نشارك في اختياره  ولكن يجب علينا أيضاً أن نشاركهم وجومهم وتجهمهم طوال فترة وجودهم معنا.


حاولنا عدة مرات أن نحيل سبب حيرة الفراغ التي تنتابنا على شخص الراحل ولكن دون جدوى فلم يكن وجوده بيننا بهذه القيمة حتى يسبب لنا رحيله هذه الحيرة العارمة.


إنقضت بضعة أيام وهدأت الزيارات ولا زلنا في حيرة من أمرنا.


ومع بدء عودة الحياة إلى وتيرتها المملة السابقة يزداد هذا الشعور الخفي. ونتساءل بيننا وبين أنفسنا تساؤلات عديدة.

على من سوف نبدأ من جديد في حياكة المؤامرات الصغيرة المسلية التي كانت تشغل معظم أوقات فراغنا. 

على من سوف نحيل كل الأخطاء الكبيرة والصغيرة التي تحل بنا في حياتنا. 

من سيحمل وزر أعمالنا الطائشة ورغباتنا الجامحة رغماً عنه. 

من سنوجه له أصابع الإتهام عندما تسوء بنا الأحوال على الرغم من  يقيننا الجازم بأنه ليس السبب وراء ذلك. 

من سنجرب معه شتى الطرق الملتوية والأفكار المتناقضة لننغص عليه حياته كلها.

من سنتكلم عنه من وراء ظهره ما لا نستطيع أن نواجهه به من كلمات حمقاء تنتقص كثيراً من احترامه. 

من سنطلق عليه مختلف الألقاب التي لا يمكنه أن يتصور أنه هو المقصود بها عندما نذكرها أمامه مصحوبة بابتسامة صفراء تقول له ما أغباك كيف لا تفطن أننا نعنيك أنت بهذه الألقاب المهينة. 





على من سوف نكتم الأسرار مهما كانت صغيرة وعديمة القيمة ونعتبره ليس أهلاً أن يؤتمن على أتفهها. 

من سنفاجئ بأشياء يراها لأول مرة ولا يعلم متى بدأناها وأين كان عندما بدأت وهي وثيقة القرب منه وهو لا يدري عنها شيئاً ونستمتع بنظرة الحيرة البلهاء في عينيه. 

من سنوجه إليه كل الإنتقادات مهما حاول أن يحسن التصرف ومهما بذل من جهد ليظهر أمامنا بصورة أفضل. 

من سنوجه إليه التعليمات بما يجب أن يفعل وما لا يجب في جميع الأحوال والمناسبات. 

من سنقوم بإحراجه أمام الجميع عندما ننتقد علناً أفعاله وكلماته وتعبيراته التافهة.


من سوف يبعث في أنفسنا الشعور بالتميز والفطنة عندما نثبت له أنه دائماً لا يحسن التصرف في كل الأمور.


لقد كان هو من نستطيع أن نستعمله في كل هذه الأمور بلا أدنى مشقة وتعب فقد كان دائماً في متناول أيدينا نستخدمه متى نشاء. 


أما وأنه قد رحل للأبد فنحن نظن الآن أنه قد يشعر بالراحة لأنه لم يصبح في مرمى أعمالنا بعد اليوم. 

ولكنه هذا الخبيث قد تركنا بلا سابق إنذار وقبل أن نجد بديلاً له نستعمله في كل هذه الأشياء الهامة لنا. 

وإحقاقاً للحق لم نفكر يوماً أن نبحث له عن بديل إذ كنا نعتقد أنه سوف يصمد عمراً أطول من ذلك بكثير. 

ثم كيف يجرؤ هو على أن يرحل بدون أن نأذن له بالرحيل وقبل أن يتأكد أننا قد جهزنا البديل المناسب وقبل أن ننتهي من أعمالنا معه. 


إستراح هو وأتعبنا نحن من بعده إذ أنه ليس من المعقول أن نستخدم أحداً منا بدلاً منه. فيجب علينا أن نتحمل مشقة أن نبحث عن شخص آخر قريب منا لنستعمله في تلك الأمور. فإذا لم يكن هناك شخص قريب بالدرجة الكافية فلنبحث عن شخص نقربه ثم نستعمله على أن تكون فيه كل المواصفات المطابقة والمناسبة لاحتياجاتنا.


سوف نظل نعاني من هذا الشعور الغريب بالفراغ حتى نعثر على هذا الشخص أو سيضطر كل منا إلى استعمال الآخر واستعباده وتعذيبه ليضطلع بهذه المهمة التي يقوم عليها كل وجودنا وتتسق بها حياتنا حتى نجد البديل.