الجمعة، 8 أبريل 2016

الــديــن و .. الــعــلـمــاء


وماذا بعد.


كأني أحاول أن أشرب من كوب مثقوب إذا رفعته لم يصل إلى فمي منه إلا ماعلق بجداره من قطرات. فلا الكوب يمتلأ أبداً ولا أنا أرتوي أبداً.




نظرت إلى كتاب "إحياء علوم الدين" الذي كتبه أبو حامد الغزالي ويحتوي على عدة آلآف من الصفحات. فيه من علوم الظاهر والباطن الكثير. وهو كتاب موسوعي قرأت منه فصولاً طويلة. وله أيضاً "تهافت الفلاسفة"
وبالمقابل هناك "تهافت التهافت" تأليف أبن رشد الأندلسي.


نظرت حولي في سكون المنزل وخلوه إلا مني وبدأت أفكر.


تنتشر مجموعات مختلفة من الكتب في أرجاء المنزل. منها ما قرأته ومنها ما لم أكمل قراءته ومنها مالم أبدأ في قراءته بعد. هذا بالإضافة إلى ماهو موجود من الكتب في المكتبة وماهو علي جهاز الكمبيوتر من مجلدات ضخمة وماهو على جهاز المحمول أيضاً. وكتب أخرى قرأتها في مكتبة البارودي العامة بالعباسية. ومازال في فكري وفي مفكرتي أسماء لكتب كثيرة جداً أتمنى أن أجدها مازلت أبحث عنها.



تمتلأ مخيلتي بمكتبات عظيمة لأشخاص مهمين جداً في عالم الدين والثقافة.


"علامات القيامة الصغرى والكبرى" للشيخ الشعراوي.

"تفسير القرآن بين القدامى والمحدثين" - جمال البنا.

هذا كتاب سعدت جداً أني إقـتـنـيـته "الحكم العطائية" أربعة مجلدات كل منها عدة مئات من الصفحات شرح الشيخ "سعيد رمضان البوطي" الذي أغتاله النظام في سوريا وهو يلقي أحد دروسه في المسجد.  الحكم العطائية هي حكم من تأليف إبن عطاء الله السكندري مُنَظر وحكيم الشاذليه وتلميذ أبو العباس المرسي. قال الشاذلي: "ربي لم سميتني شاذلي وأنا لست من شاذله قال أنت الشاذ  لي"

"درة التنزيل وغرة التأويل في بيان الآيات المتشابهات في كتاب الله العزيز" للخطيب الإسكافي.

"مقام العقل في الإسلام" - د. محمد عماره

"موسوعة تصحيح المفاهيم" - أ.د. أحمد شوقي إبراهيم

"لطائف المعارف فيما لمواسم العام من الوظائف" لإبن رجب الحنبلي. "ويوم عاشوراء يصومه الوحش والهوام و كنت أفت الخبز للنمل كل يوم فلما كان يوم عاشوراء لم يأكلوه" وكذلك ذكر القزويني العالم العربي مؤلف كتاب"عجائب المخلوقات وغرائب الموجودات" أن يوم عاشوراء تصومه النمل والوحوش."

"أسباب النزول" للنيسابوري أضعه بجوار القرآن لأعرف أسباب نزول الآيات التي أقرأها. 

"جناية قبيلة حدثنا" - جمال البنا.
بعض تفاسير القرآن الكريم.

وماذا بعد.

لم يزل لدي الكثير من التساؤلات التي تتعلق بالدين. هل أقتني مزيداً من الكتب أم ماذا أفعل؟ قال أحدهم "القراءة مدرسة لا يتخرج منها الإنسان مادام حياً."

هل فهم الدين يحتاج إلى كل هذه القراءات؟


الدين أنزله الله إلى جميع الناس على إختلاف جنسياتهم ولغاتهم. بعضهم يتعلم العربية ليقرأ القرآن فقط وهذا في حد ذاته إنجاز عظيم. هل يحتاج هولاء إلى أن يقرأوا مثل هذه الكتب ليعرفوا دينهم على وجه الدقة؟



ماذا عن الذين يعرفون العربية ولايقرأون ؟ هل سيحاسبون على أنهم لايقرأون؟


ماذا عن الأميين الذين لا يعرفون القراءة والكتابة؟ هل يأثمون بعدم تعلمهم؟

ماذا عن الذين لم يعاصروا نشأة هذه العلوم الشرعية وكتابة مثل هذه الكتب الدينية؟


المنطق يقودنا إلى أن الدين الذي أنزله الله للناس كافة لابد وأن يكون من السهولة و اليسر بحيث يكون معلوماً لكل هؤلاء الناس. ومما لا نشك فيه أن معرفة ربهم بأحوالهم قد سبقت خلقهم.

"قل آمنت بالله ثم إستقم". هكذا بمنتهى البساطة التي تبعث على الراحة النفسية والطمأنينة الداخلية. لا تعـقـيدات. لا تـفـسيرات. لا فلسفة. لا رجال دين. لا كهنوت. لا وساطة بين العبد وربه. 

شاب سعودي يدرس في إحدي الدول الأجنبية وجد شاباً يهودياً يقف في الشارع يدعو لدينه فقرر في اليوم التالي أن يقف في الجانب الآخر من الطريق يدعو للإسلام. جاءه رجل وامرأة سألوه كيف نعرف أن الإسلام هو الدين الحق؟ فقال لهما سأتلو عليكم نصين وأسالكم بعد ذلك سؤالاً واحداً. وكانا لا يعرفان اللغة العربية. فتلى عليهم نصاً ليس من القرآن ولكنه رتله كالقرآن ثم رتل عليهم قرآناً وسألهم ما الفرق بين النصين؟ قالا النص الأول عادي جداً ولكن عندما بدأت تقرأ النص الثاني أحسسنا بشعور غريب من الهيبة والجلال.

وجه مقدم البرنامج سؤالاً إلى الأستاذ جمال البنا الذي كان ينتقد كل تفاسير القرآن المتداولة بين الناس. وأي التفاسير القرآن ترشح لنا؟ رد الأستاذ بمنتهى البساطة: القرآن ليس بحاجة إلى تفسير.


إذا كان القرآن يعرف بالإحساس البديهي من بين النصوص الأخرى ولا يحتاج إلى تفسير. والسنن المتواترة معروفة للجميع ولا إختلاف عليها. والحديث إذا وافق القرآن كان صحيحاً وإذا لم يوافقه لا ينظر إليه.


فما هو الإشكال إذن.



المشكلة في من وقفوا بيننا وبين الله عز وجل وفسروا لنا آية "واسألوا أهل الذكر إن كنتم لا تعلمون" بأنهم هم أهل الذكر فيجب أن نسألهم لأنهم يعلمون ونحن لا نعلم. ونحن أيضاً طرفاً أساسياً في هذه المشكلة فقد استمرأنا هذه الفكرة تماماً وعلى الأخص أن ذنب الخطأ إن وقع لن يقع علينا بل على "أهل الذكر". 




المشكلة في من حصروا عن قصد تفسير كل آيات القرآن التي أتى فيها ذكر العلم والعلماء على المحمل الشرعي فقط. فيكون بذلك العلم المذكور في القرآن هو العلم الديني فقط وكذلك العلماء هم فقط علماء الدين والشريعة. أما العلوم الدنيوية كالكيمياء والفيزياء والطب والهندسة وما إلى ذلك فهي ليست مقصودة في القرآن.







وتكون النتيجة الحتمية لذلك الحصر المقصود تدني المسلمين في التقدم العلمي الدنيوي كما الحال في حاضرنا المعاصر.

وأستدل على ذلك بالسطور التالية التي ختم بها كاتبها مقالة عن "فضل العلماء في الإسلام". وهي نموذج لكل المواقع الإسلامية الأخرى التي تتحدث عن نفس الموضوع وعلى من يريد التأكد أن يحاول البحث ويستقصي النتائج.

"وجميع ما ذكر في فضيلة العلماء إنما هو في حق العلماء الربانيين المتقين, الذين قصدوا بعلمهم وجه الله الكريم, فكانوا أحق الناس بالمحبة والتعظيم والتوقير بعد الله، وبعد رسوله - صلى الله عليه وسلم -؛ لأن العلم ميراث الأنبياء، والعلماء ورثته، ومحبة العالم تحمل على تعلّم علمه واتّباعه، والعمل بذلك دين يدان به.
نسأل الله العظيم رب العرش الكريم أن يحفظ لنا علماءنا، وأن يطيل في أعمارهم، وأن يردنا إلى دينه مرداً جميلاً إنه ولي ذلك والقادر عليه، وصلى الله على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم تسليماً كثيراً، والحمد لله رب العالمين."



وبذلك التفسير لآيات القرآن يكون لزاماً علينا أن نلجأ دوماً لعلماء الدين وأن نقرأ جميع كتبهم إن إستطعنا إلى ذلك سبيلاً. أن نقرأ كتباً ومجلدات ضخمة كالتي ذكرتها سابقاً. وإلا كنا مقصرين في حق ديننا وكان فهمنا للدين ناقصاً. وهذا ما أثبتنا بطلانه من سهولة الدين وتيسير الله له لكل الخلائق. 

ولكنني في نهاية الأمر أعود فأقول أنني لم أكن لأصل لمثل هذه النتيجة لو لم أقرأ ما قرأت وأطلع على ما إطلعت عليه. وانا لست نادماً أبداً على العمر الطويل الذي قضيته في القراءة وسوف أستمر قطعاً في المطالعة وفي إقتناء الكتب وقراءتها.







الأربعاء، 6 أبريل 2016

نوبة الحراسة




















منذ عدة سنوات وأنا أعمل في وظيفة سرية.


أتوجه إلى مقر عملي هذا ليلاً. أحرص على ألا يراني أحد من قاطني البناية في صعودي أو نزولي. إذا صادفت رجلاً على السلم ألقي السلام بسرعه وأمضي. لا أزيد أبداً على السلام. إذا صادفت إمرأة فإنني أتوقف حيث أنا وأدير وجهي للحائط ونظري إلى الأرض حتى تمر من خلفي. لاأتذكر أبداً وجه أي أحد من قاطني المبني سواءاً رجالاً كانوا أو نساءاً.



في الصباح أنسل خارجاً وأنزل السلم بسرعة أخشى أن يراني أحد من سكان البناية.



وظيفتي السرية هي الحراسه.







أحرس أشياءاً لأناس غادروا ولا يعودون إلا نادراً. عشقت أشياءهم لأنها ببساطة شديدة .. أشياءهم. أحرص على ألا يتبدل مكان الأشياء حتى إذا عادوا وجدوا كل شيئٍ كما تركوه في مكانه. لذا أنفض التراب عن الأشياء بحرصٍ بالغ. 

بصمات أصابعهم على الأشياء أحرص دوماً على ألا أمسحها.

أصبحت هناك علاقة خاصة بيني وبين الأشياء حولي. أصبحت مثل أمي التي كنت أسمعها تخاطب الأشياء في المنزل وهي تتعامل معها يومياً. كأن تقول للطعام إذا تأخر غليانه على الموقد "أأنت في جنه" لأن الجنة عكس النار. ولكن الفرق بيني وبين أمي أنني أخاطب الأشياء بدون كلام مسموع.

أجوب المكان كل ليلة عدة مرات أتفقد الأشياء كلها قبل أن أطفئ الأنوار. أعدل مواضع صورهم على الجدران. أتلو آيات القرآن في كل الأركان. أدعو الله أن يحفظهم.

حالة من السكون والسكينة والخمول تنتابني في فترات غيابهم عن أشيائهم. أترقب عودتهم كل مساء حتى في أيام يستحيل فيها إمكانية العودة. وكم أغواني الليل الطويل بانتظارهم حتى بزوغ الفجر.

آخر عودة لهم كانت منذ عدة أشهر. أرقب تحركاتهم في المكان بشغف بالغ. الأشياء إشتاقت للمساتهم أكثر من إشتياقي لهم. لم يلبثوا إلا ليلة واحدة ثم غادروا سريعاً لتتصل من جديد فترات غيابهم الطويل. لم يكن الوقت كافياً لأن يلمسوا كل الأشياء. لم يكن الوقت كافياً حتى أن ألمسهم.

عندما يغادرون وإتباعاً للعادة المصرية القديمة لا "أكنس" البيت بعد خروجهم فهذا فأل سيئ آملاً أن يعودوا مرة أخرى.

أفزع تماماً إذا دق جرس الباب أو الهاتف لأن الصوت يكسر بحدة مفاجئة  حاجز الصمت المطبق حولي والأهم من ذلك أنه يقطع هذا الحوار الداخلي المستمر الطويل بيني وبين الأشياء بطريقة مباغتة. لا أرد على الهاتف ولا أفتح الباب لأن أصحاب الأشياء التي أحرسها لازالوا في فترة الغياب.


أن يحال بينك وبين الأشياء التي تحبها بلا مبرر منطقي أمر مؤلم جداً. 

إنتظار الفراق أصعب من الفراق. 

الإنتظار قنبلة موقوتة. 

بدأ العد التنازلي 
باقي من الزمن 
 سـنة 
 شهر
 أسبوع 
 يــوم 
ساعات 
دقائق 
ثواني 

إنتهى الوقت
دق جرس الإنتباه
حان موعد  فراق الأشياء
ودعت المكان
وإنتهت نوبة الحراسة.