هذا المقال كتبته أيام حكم الإخوان المسلمين بعد أن ضاق الحال بالجميع من حكمهم من كان مؤيداً لهم ومن لم يكن. من أحبهم ومن لم يحبهم. من انتخبهم ومن لم ينتخبهم.
وأود أن أقرر هنا أنه لا يجدي مطلقاً أن نسميهم بغير أسمهم كأن نقول جماعة الإخوان فقط بدون مسلمين أو الجماعة الإرهابية أو أي إسم آخر.
فالأسماء لا تتغير بمرور الزمن وسواءاً كان ولدك صالحاً أو طالحاً بعد أن وصل إلى سن الرجولة فلن يغير هذا من أسمه الذي سميته إياه حين ولادته وكلك آمال عريضة أن يكون شخصاً صالحاً تفخر به بين الناس. وكذلك لن يتبدل حاله إذا تغير أسمه.
ويجب أن ننتبه إلى أن تغيير الأسماء في الحاضر هو نوع من الهروب من أفعال الماضي التي التصقت بالأسم القديم وذلك بأن نقدم أنفسنا للناس بإسم جديد وربما بأفعال جديدة حتى ينسى الناس الماضي الذي حُكم علينا بالرفض المجتمعي بسببه. ولكن إذا كان الأسم الجديد مرتبطاً أشد الإرتباط بالقديم ويذكرنا به دائما فلا جدوى من هذه المحاولة البائسة.
أرسلت هذا المقال إلى جريدة اليوم السابع لتنشره في باب مقالات القراء ولكنه لم يجد طريقه لصفحات الجريده.
واليوم ونحن نمر مرة أخرى بذكرى الثورة أجد انه من المناسب جداً أن أضع هذا المقال هنا ربما يكون فيه عبرة يستفاد منها في وقت ما.
ففروا بدينكم ............
أهدي هذه الواقعة البسيطة إلى كل إخواننا في جماعة الإخوان المسلمين وكذلك إخواننا من الجماعات السلفية.
أعترف و للمرة الأولى أنني شاركت في مظاهرات 18 و 19 يناير عام 1977 والتي أطلق عليها الرئيس الراحل أنور السادات اسم انتفاضة الحرامية ولكني أشهد الله أنني لم أسرق شيئاً وكل ما فعلته هو الاشتراك في المظاهرة التي خرجت من كلية هندسة عين شمس في ميدان عبده باشا في العباسية إلى مجلس الشعب و عندما وصلنا ميدان التحرير جلست مع صديق لي لنستريح من طول المشوار. و أكملت المسيرة طريقها إلى المجلس وما أن غابت في شارع قصر العيني حتى فوجئنا بناقلات جنود الأمن المركزي تغلق الشارع خلف المسيرة و توقعنا الأسوأ فغادرت أنا وصديقي الميدان عائدين إلى منازلنا وكان الله في عون من حوصر هناك يومئذ.
كان لابد من هذه المقدمة القصيرة ليعرف القارئ الفترة الزمنية والظروف التي أحاطت بما سأرويه وإن كان بسيطاً في سرده إلا أنه عميقاً في معناه.
كان لي وقتها صديقان كلاهما اسمه الأول على نفس إسمي ولكن شتان ما بينهما الأول كان من الجماعة الإسلامية بالكلية و الثاني كان مسيحياً ولأنني بطبيعتي مستمع جيد فقد اعتادا أن يتبادلا معي كل على حده أحاديثاً طويلة يحاول فيها كل منهما أن يستميلني إلى مذهبه وعقيدته وكنت أحبهما واحترمهما و أقدر لكل منهما دوافعه.
وكان لنا صديق آخر ينتمي إلى ما يمكن أن يعرف بالبوهيميين شعره طويل دائماً منكوش منفوش ملابسه غير مرتبه يرفض دوماً الالتزام بما يسمى العرف السائد و كنا نطلق عليه اسم محمد مانسون ومانسون هذا لمن لا يعرف كان زعيما لطائفة الهيبيز التي كانت منتشرة في أجزاء كثيرة من العالم في هذا الوقت وكان لها فلسفتها الخاصة تجاه المجتمع والإعتقادات السائدة المسيطرة على العالم.
وإليكم الحادثة التي ما زلت أذكرها حتى الآن. ففي إحدى الأيام رأيت صديقي المنتمي إلى الجماعة الإسلامية يقف غير بعيد مع محمد مانسون ولم أكن في حاجة إلى كثير من الذكاء لأعرف فحوى الحوار بالطبع كان يدعوه إلى ما كنت أتوقعه من التمسك بدينه و البعد عن التشبه بالكفار وعدم مخالطة الفتيات في الكلية وما إلى ذلك ولكن ما كنت فعلاً لا أتوقعه هو ما حدث بعد ذلك فما أن انتهى صديقي المنتمي إلى الجماعة الإسلامية من عرض فكرته بإسهاب واضح حتى رأيته يسرع مبتعداً وفي ارتباك شديد عن محمد الذي لم يوجه إليه إلا بضعة كلمات قليلة رد بها على دعوته له. و لا أخفي عليكم كنت آمل في أن أري حواراً أطول أو ربما أكثر حدة من ذلك بكثير وكنت أترقب اللحظة المناسبة لتدخلي في الحوار و المناقشة ولكنني لم أظفر بشيء من ذلك. توجهت على الفور و أنا في شدة الفضول إلى محمد مستفسراً منه عن الكلمات القليلة التي رد بها علي صديقي المنتمي إلى الجماعة الإسلامية وجعلته يهرول ويفر بعيداً عنه فقال لي: "أبداً ولا حاجه أنا بس قلت له ماتحاولش تقنعني إن الإسلام بيقول كده لأني لو اقتنعت فعلاً ممكن من النهارده أروح أشوفلي دين تاني".
أهدي هذه الواقعة البسيطة إلى كل إخواننا في جماعة الإخوان المسلمين وكذلك السلفيين وأقول لهم هل تدركون مدى الضرر و العطب الذي أصاب الكثير من المسلمين في عقيدتهم نتيجة لممارساتكم السياسية التي أقل ما يقال عنها أنها كانت دعوى صريحة للتندر على الإسلام و المسلمين سواءاً من أهله أو من غير أهله.
لن أسهب في وصف ما فعلتموه أو في وصف القضايا الدينية التي أثرتموها فقد وصف ذلك خصومنا خيراً منا ولكني أعترف أيضاً أنني لم أتخذ موقفاً مؤيداً لكم من أول الثورة وكان اختياري لكم دائماً يجيء الاختيار الثاني هل تعرفون لماذا؟ لأنكم أعلنتم فور خروجكم إلى الناس أنكم أتيتم لتعلموننا الدين الحق وكأننا لم نكن على دين قبل أن تخرجوا إلينا. وأنا الذي أنتمي إلى عائلة عرف عنها دائماً عمق تدينها وتمسكها بتعاليم الإسلام وأنتم بالنسبة لي مجهولون بمذهبكم و شخوصكم.
لذلك أدعوكم إلى الفرار بدينكم وما تعتقدونه من المشهد السياسي كما فر صديقي المنتمي إلى الجماعة الإسلامية قبل أن يصل الضرر بالمسلمين إلى جوهر عقيدتهم أو يخرج أحدهم من الملة بسببكم ولن تستطيعوا وقتها أن تفتونا على من يجب أن يقام الحد .. على الذي خرج من الملة أو على الذي كان سبباً في خروجه منها هذا إذا صح أن كان هناك حداً يقام.
لا تعودوا إلينا إلا إذا خرج منكم حزب إخواني جديد من الشباب يعرفون متى و أين وكيف يعرضون قضايا الدين و العقيدة وما هو منها ما يهم عامة المسلمين وما هو منها لا يهم إلا الخاصة فقط ولا يجب ألا يناقش على الملأ ليفتي فيه كائناً من كان ويتندر عليه الجاهلون.
ففروا بدينكم ............
كاتب المقال: مهندس عاطف أبو شوشه
مصري مقيم بالسعوديه