أحفظ في جيبي منديلاً يحمل صورة وجه باسم
ذلك الوجه الذي لم أكنه أبداً في يوم من الأيام مها حاولت. فأنا يغلب على داخلي وعلى ملامحي التجهم والكآبة دائماً. لا أضحك للنكات الوضيعة. ولا أبتسم للحكايات التافهة. والنكات والحكايات هما شغل الناس الشاغل هذه الأيام وملح مجالسهم.
النهاية القريبة قادمة لا محالة وأنا أنتظرها في هدوء رغم صخبها الذي أسمعه من بعيد وهي تسعى إلي لا لأحدٍ غيري.
سوف أرحل قريباً قبل أن أنهي كثيراً من الموضوعات العالقة ولكن هذا لا يزعجني كثيراُ فمعظم هذه الموضوعات أنا السبب في وجودها وبنهايتي أنا سوف تنتهي هي الأخرى ولن يكون هناك عالقاً غيري ولكن هناك حيث لا يراني أحد حيث لا يعبأ بتجهمي وكآبتي أحد تماما كما هي الحال هنا الآن ولكن الفرق أنه لا أحد غيري هناك أحمل وزر كآبته تأثراً بي.
أما هنا فسوف يشعر الكثيرون بالراحة لنهايتي إذ أن مجرد وجودي بينهم يزعجهم ويصيبهم بالقلق المستمر. أنا أعلم أنني أيضاً سببٌ جوهريٌ في هذا الشعور بالضيق الذي يشعر به من حولي ففي تكويني شئٌ مقلقٌ يحسه الآخرون الذين يحيطون بي. شئ يجعلهم يتحملون عبء التفكير قبل أن يتكلموا أو حتى قبل أن يصيغوا الكلمات في داخلهم فتبقي الجمل حبيسة في صدورهم فيعلوا وجوههم الحيرة والإضطراب.
فليسعد الجميع فإنني راحل عن قريب. وسيكون في رحيلي ذاته موضوعاً جديداً للتندر والتسلية وبالتأكيد للسخرية. وأنا أوافق مقدماً على كل هذه الأشياء فلعل رحيلي أن يكون سبباً للفرح الذي لم أستطع يوماً أن أهبه لمن حولي.
ولكي يكون الأمر مسلياً وباعثاً على البهجة قدر المستطاع فأنا أحتفظ في جيبي بمنديل يحمل صورة وجه باسم ووصيتي لأول شخص يشهد نهايتي أن يخرج هذا المنديل من جيبي ويغطي به وجهي على الفور قبل أن يراني أحد كي أبدو في رحيلي سعيداً ومبتسماً. أريد من كل من يدخل علي ليتأكد من أنني راحلٌ فعلاً أن يراني ضاحكاً للمرة الأولى والأخيرة فيبتسم هو الآخر لهذه المزحة الأخيرة لعل تكون آخر صورة لي في ذاكرة من أتعستهم طويلاً هي وجه باسم فيبتسمون إذا ذكروني وإذا لم يذكروني فهذا أفضل لهم فهم قطعاً سعداء لأنني قد رحلت عنهم.
عاطف شوشه