الجمعة، 1 مايو 2020

العلم والمعرفة في القرآن




إن معرفة الفرق بين معاني الكلمات المتشابهة أو المترادفة يعمق الإحساس بفهم ما تقرأه ويعطي القدرة على التعبيرالأدق عن المعنى المقصود عند الكتابة. 

كلنا نلاحظ أن اللفظين أعلم و أعرف يتكرران كثيراً في القرآن الكريم بكل إشتقاقاتهما. ونحن نقرأ القرآن الكريم تلاوة أو تجويداً وغالباً ما يغلب على فهمنا أن اللفظين لهما نفس المعنى أو نفس المدلول اللغوي.


ومن المؤكد أنه ليس المقصود بهما واحد في الفهم فإن والله جل وعلا حين يضع كلمة في مكان ما في كتابه فلابد أن تعبر هذه الكلمة عن مراد معنوي محدد ووحيد يقصده الله ولن تعبر عنه أي كلمة أخرى لو وضعت في مكانها.


وللتفصيل المفيد الجميل نذكر رأي بعض كتب التراث في هذا الموضوع ولكننا سوف نقتصر على مصدر واحد أو مصدرين على الأكثر لوفرة المصادر التي تبحث في هذا الأمر وكذلك تنوعها وتباينها وقد تفاجأت  بالفعل للأهمية التي أولاها الكثير من الباحثين على مر القرون السابقة للبحث في هذا الفرق. 


وأيضاً لن نتطرق في هذا الموجز إلى هذه المعاني عند السادة الصوفية إذ أن هذا يتطلب بحثاً منفصلاً لما قد يتضمنه من الكثير من التفاصيل بل وأيضاً المعاني التي قد تكون غريبة على الكثيرين.

* المصدر الأول:

يقول " ابن قيم الجوزية " في كتابه " مدارج السالكين " :

والفرق بين العلم والمعرفة لفظاً ومعنى ، أما اللفظ : ففعل المعرفة يقع على مفعول واحد ، تقول : عرفت الدار ، وعرفت زيدا ، قال تعالى : " فعرفهم وهم له منكرون" ، وقال : " يعرفونه كما يعرفون أبناءهم" .

وفعل العلم يقتضي مفعولين ، كقوله تعالى : " فإن علمتموهن مؤمنات" وإن وقع على مفعول واحد ، كان بمعنى المعرفة ، كقوله : " وآخرين من دونهم لا تعلمونهم الله يعلمهم" وأما الفرق المعنوي فمن وجوه :

الوجه الأول : أن المعرفة تتعلق بذات الشيء ، والعلم يتعلق بأحواله ، فتقول : عرفت أباك ، وعلمته صالحاً عالماً ، ولذلك جاء الأمر في القرآن بالعلم دون المعرفة ، كقوله تعالى : " فاعلم أنه لا إله إلا الله" ، وقوله : " اعلموا أن الله شديد العقاب" ، وقوله : " فاعلموا أنما أنزل بعلم الله ".

فالمعرفة : حضور صورة الشيء ومثاله العلمي في النفس ، والعلم : حضور أحواله وصفاته ونسبتها إليه ، فالمعرفة : تشبه التصور ، والعلم : يشبه التصديق .

الوجه الثاني: أن المعرفة في الغالب تكون لما غاب عن القلب بعد إدراكه ، فإذا أدركه قيل : عرفه ، أو تكون لما وصف له بصفات قامت في نفسه ، فإذا رآه وعلم أنه الموصوف بها ، قيل : عرفه.

قال تعالى : " وجاء إخوة يوسف فدخلوا عليه فعرفهم وهم له منكرون"  

وقال تعالى : " الذين آتيناهم الكتاب يعرفونه كما يعرفون أبناءهم" لما كانت صفاته معلومة عندهم ، فرأوه : عرفوه بتلك الصفات.

وقال تعالى : " وكانوا من قبل يستفتحون على الذين كفروا فلما جاءهم ما عرفوا كفروا به" فالمعرفة : تشبه الذكر للشيء ، وهو حضور ما كان غائبا عن الذكر ، ولهذا كان ضد المعرفة الإنكار ، وضد العلم الجهل  

وقال تعالى : "يعرفون نعمة الله ثم ينكرونها" ويقال : عرف الحق فأقر به ، وعرفه فأنكره.

الوجه الثالث: أن المعرفة تفيد تمييز المعروف عن غيره والعلم يفيد تمييز ما يوصف به عن غيره ، وهذا الفرق غير الأول ، فإن ذاك يرجع إلى إدراك الذات وإدراك صفاتها ، وهذا يرجع إلى تخليص الذات من غيرها ، وتخليص صفاتها من صفات غيرها .

الوجه الرابع: أنك إذا قلت: علمت زيداً ، لم يفد المخاطب شيئاً ؛ لأنه ينتظر بعد : أن تخبره على أي حال علمته ؟ فإذا قلت : كريماً أو شجاعاً ، حصلت له الفائدة ، وإذا قلت : عرفت زيداً . استفاد المخاطب ، أنك أثبته وميزته عن غيره ، ولم يبق منتظراً لشيء آخر ، وهذا الفرق في التحقيق إيضاح للفرق الذي قبله .

الوجه الخامس: وهو فرق العسكري في فروقه وفروق غيره : أن المعرفة علم بعين الشيء مفصلا عما سواه ، بخلاف العلم فإنه قد يتعلق بالشيء مجملا ، وهذا يشبه فرق صاحب المنازل ، فإنه قال : المعرفة إحاطة بعين الشيء كما هو ، وعلى هذا الحد : فلا يتصور أن يعرف الله ألبتة ، ويستحيل عليه هذا الباب بالكلية فإن الله سبحانه لا يحاط به علما ، ولا معرفة ولا رؤية ، فهو أكبر من ذلك وأجل وأعظم ، قال تعالى : "يعلم ما بين أيديهم وما خلفهم ولا يحيطون به علما" بل حقيقة هذا الحد : انتفاء تعلق المعرفة بأكبر المخلوقات حتى بأظهرها ، وهو الشمس والقمر ، بل لا يصح أن يعرف أحد نفسه وذاته ألبتة .
والعسكري هو " أبو هلال العسكري " واضع كتاب أسمه " الفروق اللغوية".

* المصدر الثاني: 

وقد جاء في كليات أبي البقاء أن :

المعرفة : تقال للإدراك المسبوق بالعدم ، ولثاني الادراكين إذا تخللهما عدم ، ولإدراك الجزئي ، ولإدراك البسيط
والعلم : يقال لحصول صورة الشيء عند العقل ، وللاعتقاد الجازم المطابق الثابت ، ولإدراك الكلي ، ولإدراك المركب 

والمعرفة : قد تقال فيما تدرك آثاره ، وإن لم تدرك ذاته
والعلم : لا يقال إلا فيما أدرك ذاته

والمعرفة : تقال فيما لا يعرف إلا كونه موجوداً فقط
والعلم : أصله أن يقال فيما يعرف وجوده وجنسه وكيفيته وعلته

والمعرفة : تقال فيما يتوصل إليه بتفكر وتدبر 
والعلم : قد يقال في ذلك وفي غيره

 و" الكليات " هو كتاب للقاضي الحنفي " أبي البقاء أيوب " وهو معجم موسوعي فريد من نوعه في المصطلحات والفروق اللغوية.



وإن كان هذا المقال يبحث في الترادف بين كلمتين فقط ففي مقال لاحق سوف نبحث عن الترادف اللغوي بصفة عامة وأثره في فهمنا للدين الإسلامي.


عاطف شوشه






















ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق