السبت، 22 فبراير 2020

الحمد لله الذي أماتنا


الليل مهما طال فلابد من طلوع الفجر والعمر مهما طال فلابد من دخول القبر


الحمد لله الذي أماتنا بعدما أحيانا وإليه النشور.

يوماً ما سوف أصبح أنا أيضاً تاريخاً مدوناً في أجندة أحدهم يكتفي بأن يُذَكِرُه بي  مرةً كل عامٍ جرساً قد إختار له نغمة  حزينه.

"أبكت تلكم الحمامة أم غنت على فرع غـصنها المياد"

 كنت دائما أتجنب النظر إلى أجندتي وأكتفي منها بتذكيري بين الحين والآخر بأحداث سعيدة و أخرى حزينه. 

واليوم لسبب لا أعرفه قررت أن أنظر في أجندتي. وكانت المفاجأة. لقد امتلأت معظم أيام العام بأحداث ما. وتقاربت جداً حتى أنه في اليوم الواحد يوجد حدثين أو حتى ثلاثة. بعضها  أحداث ميلاد وبعضها أحداث زواج أو خطبة وبعضها أحداث رحيل وفراق ووفاة. بعضها عمره سنوات قليلة وبعضها عمره عشرات السنين. 

وبدأت أفكر في سبب هذا الإمتلاء والتقاطع في الأحداث. هل سببه تقدمي في العمر أم سببه القدرة على تسجيل الأحداث واسترجاعها بدون الإعتماد على الذاكرة التي ولا شك في أنها قد ضعفت وأصبحت لو اعتمدت عليها لا تتذكر الكثير من الأحداث الهامة وإذا تذكرتها ذكرتها متأخرة عن ميعادها مما يفقدها الكثير من الأحساس والتأثر بها. 

وتزداد الحيرة عندما يتقاطع حدثي ميلاد ووفاة في يوم واحد هل أفرح وأهنئ بالميلاد أم أحزن وأواسي بالوفاة. 

وأنا في الحالين هو أنا الذي يفرحه أن يتذكر يوم ميلاد عزيز لديه بل وقد أذكر ذلك اليوم وكيف أسعدنا وأتى لنا بفرحة جديدة وليدة غمرت حياتنا بالسعادة. هو ذاته أنا الذي يحزنه ذكريات الفقد ولحظات الرحيل بجميع تفاصيلها الأليمة وكيف ألقينا النظرة الأخيرة على من نحب قبل أن نتركه في مكان مهجور وديعة عند الله وندير له ظهرنا ونبتعد عنه في المكان و الزمان إلى الأبد. 

لقد من الله علينا بنعمة النسيان حتى لا نتألم كثيراً وحتى أيضاً لا نفرح كثيراً ونكون دائماً في منزلة بين المنزلتين حتى تستقيم لنا معيشتنا في هذه الحياة ولا نفقد قدرتنا على الأستمرار حتى يحين الأجل الذي قدره الله لكل منا. ولكننا غَبَنا  هذه النعمة وهجرناها وأرهقنا عقولنا وأتعبناها بالتذكير القسري لأنفسنا بكل شئٍ مؤلمٍ حزينٍ أوجميلٍ سعيدٍ في حياتنا.

 الآن أعرف لماذا نظرت اليوم في أجندتي. ذلك أن البعض أرسلوا لي رسائل صباحية مبكرة جداً يهنؤنني بيوم مولدي الذي تحل ذكراه اليوم ولقد أوقعتني هذه الرسائل في الحيرة ذاتها. فاليوم يوافق أيضاً ذكرى رحيل جدتي الحبيبة التي لم ينسها أي فرد من أفراد العائلة صغيرها وكبيرها في يوم من الأيام. 

فهل أسعد اليوم أم أحزن أم أظل واقفاً في منزلة بين المنزلتين. 


عاطف شوشه

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق