الثلاثاء، 7 أبريل 2020

لعبة الإختباء وعدم الظهور







هل يتذكر كل منا عندما كنا صغاراً و نحن نلعب سوياً لعبة الإختباء والظهور. كنا نستمتع كثيراً بأن نجد في كل مرة مكاناً مختلفاً نختبئ فيه وكانت تساعدنا أحجامنا الضئيلة أن نختفي في أضيق الأماكن في المنزل أو حتى عندما نكون خارجه. 

الآن كبرنا وزادت أحجامنا حتى لم يعد من الممكن لنا أن نختبئ خلف أي شئ. حتى وإن وجد ذلك الشئ الذي يخفي أحجامنا فضحتنا أعراض التقدم في السن فإما أن يغلبنا السعال أو العطس فينكشف أمرنا أو يسمع كل من يمر بنا صوت أنفاسنا المتلاحقة التي صارت كاللهاث مع تقدمنا في العمر.

وإن كان لنا العذر ونحن أطفال أن نحاول الإختباء متناسين لضحالة تفكيرنا ولسذاجة أعمالنا حينئذ أن الله مطلع على كل شئ وفي أي مكان وأي زمان "ألا يعلم من خلق وهو اللطيف الخبير". فما هو عذرنا ونحن قد شارفنا على نهاية العمر أننا ما زلنا نحاول الإختباء من الله عز وجل.

كم اختبأنا منه ونحن نعصيه متناسين كما لو أننا مازلنا أطفالاً أنه لا يرانا مستهينين بمعصيتنا و متناسين أنه لولا شفقته علينا ورحمته بنا وحبه الشديد لنا لفضحنا وصرنا خزايا بين الخلق أجمعين وهو القائل " لو خلقتهمـ لرحمتهمـ" وقال أيضاً "إن رحمتي قد سبقت غضبي" .

واليوم يفرض علينا الإختباء الإجباري حتى ونحن نطيع الله. فالقاعدة الثابتة هي أن كل من يرزق بنعمة ولا يحفظها ترفع عنه. وحفظ النعم يكون بشكر الله المنعم عليها. والشكر يكون بعدم معصية الله بنعمه. فقد أنعم الله علينا بنعمة الستر ونحن نعصيه فلم نحفظ تلك النعمة ولم نقدرها حق قدرها فابتلينا بوجوب الستر ونحن نطيعه. وحرمنا من الصلاة في جماعات المساجد التي هي طاعة علنية واجبة علينا. بل وحرمنا التجمع في الحرمين الشريفين والدخول فيهما ولطالما تباهينا أمام العالم كله بكثافة تجمعنا هناك حتى أننا خصصنا محطتين فضائيتين لكل حرم واحدة.

واليوم أيضاً يفرض علينا الإختباء الإجباري في منازلنا وألا يزور أحد منا الآخر وإن خرجنا من منازلنا يفرض علينا الإختباء من الآخر مهما كانت علاقتنا به وإن رآه مصادفة يتوارى منه قبل أن يلحظه فإذا لاحظه فلا سلام بالأيدي ولا معانقة ولا حتى إقتراب ولكن يتجنب كل منا الآخر خشية العدوى.

حتى في داخل المنزل يتجنب كل منا الإقتراب من الآخر. هذا الإقتراب الذي طالما أشعرنا بالإطمئنان والسكينة. السكينة التي هي أساس الحياة الجماعية والعائلية. نعمة أخرى قد فقدناها لمَّا جحدناها.


فليمارس كل منا لعبة الإختباء الإجباري فربما قد حان وقت الإختباء وعدم الظهور مرة أخرى.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق