السبت، 18 أبريل 2020

وعلى الذين يطيقونه . . . .







في مثل هذه الأيام منذ عدة  سنوات  أي ورمضان  على  الأبواب  سألني  صديق لي أين ستصلى صلاة التراويح هذا العام . . . ؟ 

وقبل أن أجيبه على سؤاله الذي لم يخطر لي على بال بادرني  قائلاً أنه  سوف يرسل لي قائمة  بأسماء الشيوخ قراء القرآن المشهورين وأسماء المساجد التي سيتواجد كل منهم فيها ليؤدي بالناس صلاة التراويح والقيام طوال الشهر الكريم ويقوم بختم القرآن أيضاً بنهاية الشهر.

وقبل  أن ينصرف قلت له  إنني عادة  ما أصلي  التراويح  في  البيت  مع  زوجتي وابني وابنتي بالإضافة إلى والدتي  التي  تأتي لزيارتنا كل عام وتظفر بثواب العمرة معنا في شهر رمضان. 

نظر إلي  صديقي نظرة  تعجب  واستغراب  وكأنني أضيع على نفسي فرصة عظيمة في هذا الشهر الكريم.

وبعد انصراف الصديق بدأت في التفكير  فيما قاله. لم لا  أصلي التراويح في المسجد هذا العام كما يفعل صديقي هذا وكل أصدقائي الآخرين . . . ؟ 

وتذكرت صلاتي  مع أسرتي  في البيت  في الأعوام  السابقة  وكيف نستمتع  بها  جميعاً. ننتظر بعضنا البعض لنجتمع  في غرفة  الصلاة  بعد أن نكون قد فرغنا من شرب الشاي سوياً بعد الإفطار. أبسط  سجاجيد الصلاة  وأنادي  "حي على الصلاة"  بصوت   مرتفع ليعرف الجميع أنني قد أبدأ الصلاة في أي لحظة بعدها.

وبعد قليل نبدأ صلاة العشاء تليها صلاة التراويح. ولا أثقل عليهم وإنما أقرأ لهم من قصار السور وأنا أؤمهم في الصلاة.

وإبني يشاكس أخته الصغيرة من خلفي بين ركعات التراويح ويجذب طرف "طرحة الصلاة " فينكشف شعرها فتضطر إلى إعادة ترتيبها مرة أخرى وهي تزمجر بغضب وتكاد أن تضربه وتهدد بعدم إكمال الصلاة وهو يضحك لرد فعلها الغاضب.

والدتي تتململ لما تسببه هذه المشاكسة المتكررة وغيرها في إطالة زمن الصلاة وأنا وزوجتي نبتسم للجميع. 

سأصلي في المنزل إذن مع أسرتي. قرار أتخذه كل عام مع ذهابي إلى المسجد في بعض الأيام القليلة فقط حتى يعتاد الجميع أن يصلوا حتى وإن لم أكن بينهم ولا ترتبط صلاتهم بإمامتي لهم.

تذكرت كل ذلك مع قرب دخول شهر رمضان هذا العام وغياب الكثير من مظاهره. وهنا توقفت عندما خطرت لي خاطرة "مظاهر شهر رمضان" وكيف بدأ الحوار بين الناس في ظل انتشار الوباء وحظر الخروج من المنازل وإغلاق جميع دور العبادة وبدأ النقاش بين الجميع وأصبح هو شغلنا الشاغل بل ومحور دعائنا:

كيف سنصوم رمضان والمساجد مغلقة ؟ 

كيف سنصوم رمضان بدون أن نصلي صلاة التراويح جماعة في المسجد ؟

كيف سنصوم رمضان بدون أن نصلي صلاة القيام جماعة في المسجد ؟

كيف سنصوم رمضان بدون أن نختار خلف أي إمام وفي أي مسجد سوف نصلي ؟

كيف سنصوم رمضان بدون أن يدعوا بعضنا البعض إلى موائد الإفطار الأسرية ؟

كيف سنصوم رمضان بدون موائد الرحمن ؟

كيف سنصوم رمضان بدون السهر حتى الفجر في الشوارع نتسامر مع الأصحاب ؟

كيف سنصوم رمضان بدون السحور في حي الحسين وأداء صلاة الفجر بجوار ضريح حفيد رسول الله ؟

كيف سنصوم رمضان بدون الوقوف في طابور شراء الكنافة والقطايف من دكان "عم فاروق" الشهير القريب من منزل والدتي في العباسية ؟

كيف سنصوم رمضان ولا نتواعد مع الأصحاب للإفطار خارج المنزل ؟

كيف سنصوم رمضان ولا يمر بنا المسحراتي وينادينا لنستيقظ للسحور ونحن لم نخلد للنوم بعد ؟

كيف سنصوم رمضان ؟ 

كيف سنصوم رمضان ؟ 

كيف سنصوم رمضان ؟

أليست هذه كلها "مظاهر شهر رمضان" ؟ . أليس الصوم من العبادات الخفية بين العبد وربه فماذا عن "مخبر شهر رمضان" ؟ 

لماذا يرتبط الصوم وشهره الفضيل بكل هذه المظاهر؟ والتي لا نعتقد أن الشهر يمكن أن يمر أو ينقضي بدونها كلها أو على الأقل بعض منها.

كل ذلك ونحن نسميها باسمها الفعلي الذي هو "مظاهر". ومتى كانت العبادات تقبل إن كان المقصود بها "الظاهر"؟ 

أين جوهر الصيام ومخبره من كل هذه المظاهر التي أعتقد أننا سوف لا نؤجر عليها من قريب أو بعيد ونشغل بها أنفسنا كلما أقبل علينا شهر رمضان ؟ 

هل يلزم قدوم رمضان كل هذه المظاهر؟

هل يلزم إخلاص العبد في عبادة الصوم أي من هذه المظاهر؟

هل يلزم قبول الصوم منا هذه المظاهر؟

أليس من الممكن أن يكون الله عز وجل قد حرمنا من هذه المظاهر الدنيوية وحجبها عنا لأنه يريد تطهيرنا منها بعد أن  أدخلناها على الشهر الكريم وقرناه بها والتي قد تنتقص من قدر عبادة الصيام كما طهر أهل البيت:

"إنما يريد الله ليذهب عنكم الرجس أهل البيت ويطهركم تطهيرا"

أليس من الممكن أن يكون هذا هو إختبار لنا إن كنا نستطيع أن نصوم كما أراد الله أن يكون الصيام ثم يجازينا بصيامنا خيراً إن استطعنا.

ألم يقل الله تعالى : "وعلى الذين يطيقونه . . . . "


هل فعلاً سنطيق صيام شهر رمضان هذا العام مخلصين لله عز وجل في صيامنا بدون أية مظاهر رمضانية . . . ؟


عاطف شوشه

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق