الجمعة، 3 أبريل 2020

صلوا في رحالكم . . . صلوا في بيوتكم


كان جدي الحاج عبد الصبور رحمه الله يصلي فروضه في البيت إماماً لبناته الست وزوجته التي هي جدتي لوالدتي. رحم الله من توفاهم منهم وأنعم بالصحة والعافية على من لا زال بيننا. وكان جميع الجيران في المنازل المجاورة لهم يسمعون تأمينهم على قراءة جدي للفاتحة. وما كان ذلك عن قصد منهم ولكن لعددهم الكبير وكذلك لتلاصق المنازل في حارتهم الضيقة بجوار مسجد سيدنا الحسين. وكانت جدتي رحمها الله على قدر كبير من التدين والعلم الديني وأذكر أنها كانت تقوم بالتدريس للنساء في حلقات علم بالمساجد المجاورة للبيت المقابل لمسجد سيدي مرزوق الأحمدي. 

وكان والدي الأستاذ عبد اللطيف يصلي بنا في البيت إماماً ونحن أربعة أبناء ووالدتنا. أنا بجانبه لصغر سني والباقون يصطفون خلفنا. ولا أذكر كيف ومتى تعلمت الوضوء والصلاة إنما هي القدوة العملية بغير إكراه أو تكلف.

وأعتقد أن هذا كان هو الحال في معظم بيوت عائلتنا وعائلات من نعرفهم. الأب يصلي جماعة في البيت مع أبنائه وزوجته.

وعندما كبرنا وتزوجنا وأصبح لدينا أبناءاً جاءنا من يقول لنا بكراهة الصلاة في البيت مع وجود مسجد في الحي. وأكثر من ذلك يوزعون علينا شرائط كاسيت لشيوخ أجلاء لا نعرفهم تحثنا على الصلاة في المسجد ومنشورات وكتيبات تحت إسم "جار المسجد". وملخص هذه الحملة هو حديث عن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : " هَممتُ أن آمُرَ بالصَّلاةِ فتُقَامَ ، ثمَّ آمُرَ رجلًا فيصلِّي بالنَّاسِ ، ثمَّ أنطلقُ مَعي برجالٍ إلى قومٍ لا يشهَدون الصَّلاةَ ، فأُحرِّقَ عليهِم بيوتَهم بالنَّارِ ".

وتتوعد هذه الحملة بالعقاب الرباني لمن يخالفها . ومع كثرة الإلحاح تركنا الصلاة في بيوتنا ونزلنا للصلاة في المسجد غير عابئين بمن تركناهم خلفنا في المنزل من نساء وأطفال وإن كنا نكتفي بسؤالهم عند عودتنا إذا كانوا قد أدوا الصلاة على خير وجهها وكان الرد يأتينا دائماً بالإيجاب فتطمئن قلوبنا إلى مالم نراه وأن كل شئ قد سار كما يجب أن يكون.

وبغض النظر عن صحة هذا الحديث او عدمه نتعجب الآن من نفس هؤلاء الشيوخ الذي يعددون لنا فوئد صلاة جماعة في البيت مع الزوجة والأبناء. هم شيوخ الشئ ونقيضه والفتوى وعكسها في نفس المقام. 

وهناك مقالة على موقع "د. عمر خالد" عنوانها "صلاتك في بيتك لها فضائل كثيرة الآن.. تعرف عليها".

أين كانت هذه الفضائل قبل أن يحظر علينا دخول المساجد والصلاة فيها. هل كانت نقائص تقلل من ديننا وتديننا. أم كانت مختبئة في مكان لا نعلمه وظهرت فجأة هذه الأيام. أم كانت معلومة لديهم من البداية ولكنهم كانوا يخفونها عنا فجعلوا الدين قراطيس يبدون بعضها ويخفون كثيراً منها كما قال الله في سورة الأنعام ". .  ۖ تَجْعَلُونَهُ قَرَاطِيسَ تُبْدُونَهَا وَتُخْفُونَ كَثِيرًا ۖ وَعُلِّمْتُم مَّا لَمْ تَعْلَمُوا أَنتُمْ وَلَا آبَاؤُكُمْ ۖ . . .  (91)"

أم هو خوف هؤلاء الشيوخ أن يسألهم سائل وماذا عن دعوتكم أن الصلاة لا تصح إلا في المساجد فبادروا بإصدار الفتوى المضادة لما قد يحتمل أن يكون سؤالاً.

وأذكر هنا أنني سمعت بنفسي أحد الشيوخ في برنامج تليفزيوني يسأل المذيع بعد أن لم يفهم جيداً سؤال السائل على التليفون: " لم أفهم جيداً ماذا أراد هذا بسؤاله أهو يطلب منا الفتوى بالتحليل أم بالتحريم". 
 ياللمصيبة كلتا الفتوتين جاهزتين عنده ولك فقط أن تطلب أيهما تحب فتقدم إليك بأدلتها من الكتاب والسنة المهم أن تكون راضياً عن البرنامج وعن الشيخ الذي يتلقى أجراً على فتاويه وليس المهم أم تكون على الدين الصحيح. ليس هذا فقط بل والمهم أيضاً أن تكون الفتوى متماشية مع المذهب الديني الذي نريدك أن تكون عليه رضاً منك أو قهراً لا يهم. وفي سبيل تحقيق ذلك الغرض نرفع من شأن بعض الأحاديث ونحط من شأن أحاديث أخرى. بل حتى إن إضطررنا إلى تأويل كلام الله في كتابه العزيز ونلوي ذراعه بل وعنقه أيضاً ليتماشى مع مذهبنا نحن الذي لا يصح مذهباً غيره. 

ومما أفزعني كثيراً أنني قد سمعت منذ أيام المفكر الإسلامي العراقي "رشيد الخيون" وهو يقول: " نحن الآن على دين الفقهاء ولسنا على دين الله"

وأتسائل هل كان رسول الله ليحرق علينا منازلنا إذا أتانا ووجدنا نصلي في جماعة مع أهل بيتنا؟



عاطف شوشه

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق