الجمعة، 22 يناير 2016

العباسية ... حبيبتي

ضريح أحمد ماهر

رحم الله أبي.


كان أبي في طريقه إلى منطقة حدائق القبة ليستأجر شقة فيها لغرض الزواج هكذا تحكي لنا  أمي أطال الله في عمرها. ولكنه ركب الترام الخطأ الذي أوصله إلى حي العباسية بدلاً من حدائق القبة.





وانبهر أبي وهو إبن القرية وخريج كلية الزراعة بلقب مهندس زراعي بالعباسية أيما إنبهار. والسبب في ذلك هو الحدائق الفسيحة والخضرة الممتدة على مرمى البصر. وكان قراره سريعاً وحاسماً "سوف تكون العباسية هي الحي الذي أسكن فيه" هكذا أتخيل أنه اتخذ قراره التاريخي.

وجال أبي النظر حوله يختار من البنايات الحديثة البناء  ما يصلح للسكن الزوجي ويحقق في نفس الوقت متعة مشاهدة هذه المساحات الخضراء. واختار البيت وصعد معه الحارس النوبي "عم أحمد" وهكذا كنا نناديه لاحقاً صعد معه ليريه الشقق الخالية ليختار منها ما يشاء واختار أبي أعلى شقة في الدور الخامس حتى لا يكون بينه وبين منظر الحدائق الممتدة أي عائق يذكر. وقد كان واستأجر أبي الشقة التي ولدت أنا فيها دوناً عن أخواني الثلاثة الذين يكبرونني سناً.

هذا ملخص سريع عن سبب وجود عائلتنا في العباسية ولا أشك أن والدتي والتي مازالت تسكن هذه الشقة لا يزال لديها الكثير من التفاصيل المتعلقة بهذا الموضوع.





قصر الزعفران


كان مما رآه أبي حدائق الزعفران وهكذا كان يسميها لي والتي تمتد من بعد مستشفى الدمرداش وحتى تصل إلى ميدان العباسية الذي كان كله مساحات خضراء ماعدا شارع رمسيس الذي يمر به في كلا الإتجاهين وتتخطاه الحدائق حتى تصل إلى قصر الزعفران الذي هو سبب تسميتها  والذي هو قائم حتى الآن وتشغله إدارة جامعة عين شمس.

كانت الحدائق أكثر ما تكون إتساعاً عند ميدان العباسيه. من شارع رمسيس في الميدان كنا ندخل الحديقة ونسير مسافة طويلة في الممر الرملي الأصفر حتى نصل إلى مكتب التليغراف وخلف المكتب كنا نسير مسافة مماثلة حتى نصل إلى حائط عالٍ جداً ومائل لدرجة لا تسمح بارتقائه حيث يوجد في أعلاه قضبان قطار لا نعلم من أين يجيء وإلى أين يدهب. في هذا الجزء من الحديقة كان يوجد الكثير من أشجار التين البنغالي الضخمة المعمرة والتي سماها لي أبي والتي تتميز بلحاءها المتدلي من فروعها حتى يصل إلى الأرض فيلتحم بها وتكون له جذور فيها.

وفي جزء الحدائق المقابل لمستشفى "دار الشفاء" كان بالحديقة كشك خشبي جميل يمثل مقر المهندس الزراعي المشرف على منطقة الحدائق الشاسعة بأشجارها وأحواض زهورها وممراتها الرملية هكذا قال لي أبي بافتخار شديد.     و قريباً من هذا الكشك ولكن إلى الداخل كان يوجد "كازينو مصر والسودان" المختفي تقريباً بين الأشجار والذي كان ملاذاً آمناً للمحبين والعاشقين بأنواره الخافتة وهدوئه الدائم في قلب الحديقة. 










وهناك حديقة أخرى تقع أمام مستشفى دار الشفاء مباشرة وهي حديقة جميلة وصغيرة نسبياً وبها يقع ضريح أحمد ماهر باشا ويفصل بينها وبين حدائق الزعفران شارع رمسيس.









ضريح أحمد ماهر باشا


العباسية كانت حينئذٍ من أجمل أحياء القاهرة ومسكن للأغنياء والمشاهير وخاصة العباسية الشرقية وهي التي تقع على الجانب الآخر من شارع العباسية ناحية شارع السرايات حيث تقع كلية الهندسة التي تخرجت منها لاحقاً أنا وأخي الأكبر وأختي التي تكبرني مباشرة وكذلك المستشفيات اليوناني والإيطالي والخاصة بالرعايا اليونانيين والإيطاليين. 

العباسية الشرقية كانت تتميز بأن كل مساكنها من الفلل الخاصة التي يحيط بها الحدائق الغنية برائحة الورد والفل والياسمين. وكنا ونحن صغاراً إذا وصلنا إلى هناك نستمتع كل الإستمتاع بالهدوء حيث سكان الفلل قليلون وكذلك نستمتع بنسمات الصيف الباردة  والمحملة بالروائح الجميلة التى تغلفها رائحة الخضرة الرطبة المروية عند الغروب. 


لذلك كانت العباسية الشرقية مقصداً طبيعياً للعشاق المراهقين الرومانسيين يمشون في شوارعها الجميلة الهادئة الحالمة بأنوارها الخافتة و يجلسون عند أسوار الفلل تحت الأشجار الممتدة خارجها ويتهامسون بأحاديث الرومانسية والحب العذري. وكانت آذاننا ونحن نمر بمثل هذه المشاهد الرائعة تلتقط بعض عبارات الغزل الرقيقة وتلحظ أعيننا إشتباك الإيدي والخجل البادي في العيون العاشقة لحظة إلتقائها.

هذه هي العباسية الجميلة التي وعيتها في طفولتي المبكرة وسوف أحدثكم لاحقاً عن حياة العباسية اليومية التي عشتها بكل تفاصيلها فللحديث بقية.




كتب المقال وحرره: عاطف أبو شوشه



بعض الروابط التي تتحدث عن العباسية

http://lite.almasryalyoum.com/extra/79608


https://arz.wikipedia.org/wiki/%D8%A7%D9%84%D8%B9%D8%A8%D8%A7%D8%B3%D9%8A%D9%87_(%D8%AD%D9%89)



https://ar.wikipedia.org/wiki/%D8%A7%D9%84%D8%B9%D8%A8%D8%A7%D8%B3%D9%8A%D8%A9_(%D8%A7%D9%84%D9%82%D8%A7%D9%87%D8%B1%D8%A9)




ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق