الاثنين، 22 فبراير 2016

قبة الفداوية .. (العباسية حبيبتي 5)

مسجد قبة الفداوية - العباسية



كان مسجد "قبة الفداوية" قبل بناء كلاً من مسجدي "الوحدة" و"النور" بالعباسية  هو الذي يتجه إليه أهل الحي لأداء الصلاة وخاصة صلاة الجمعة والأعياد. وقد أحببت هذا المسجد كثيراً لبنائه الضخم الذي يشعرك بالراحة الجمالية إذا نظرت إليه وتأملته من الخارج ويشعرك بالراحة النفسية والطمأنينة والألفة بمجرد أن تدخل من بابه السفلي الضيق أو من بابه العلوي الكبير بعد أن تصعد السلالم الرخامية الشديدة البياض. وهذه الراحة النفسية والطمأنينة والألفة هي نفسها التي أحسها وأستمتع بعمقها ونفاذها الطاغي إلى داخلي كلما دخلت أحد المساجد المملوكية والتي تزخر بها القاهرة الفاطمية مثل مسجد الغوري ومسجد أبو الدهب. هذه الراحة النفسية التي لا توجد في المساجد السعودية على الرغم من الأموال الطائلة التي تنفق في عمارتها ويستثنى من ذلك الجزء القديم من المسجد النبوي الشريف.



والمسجد في دوره العلوي على قدر كبير من الإتساع المبهج الذي لا يشعرك بالوحدة أوالضآلة. به سلم حجري داخلي يهبط إلى الطابق السفلي المكون من عدة غرف. أما الشبابيك فهي على قدر كبير من الإرتفاع والإتساع حافتها السفلية لا ترتفع إلا قليلاً عن أرضية المسجد وكان يحلو لنا الجلوس فيها والإستماع لخطبة الجمعه ونطل من خلالها على الحديقة الجميلة التي تمتد أمام المسجد. 









وللحديقة مدخلين جانبيين أحدهما من ناحية الشارع المسمى على إسم المسجد حيث ترتفع الحديقة بمقدار بضعة درجات حجرية كبيرة. والمدخل الآخر من ناحية شارع مدرسة ولي العهد. وتمتد الحديقة من أمام المسجد حتى شارع العباسية ويفصلها عنه سور حجري مرتفع.








ومما أذكره جيداً أنه وبطول حديقة المسجد من ناحية شارع قبة الفداويه كان يوجد موقفاً شبه رسمي لعربات الكارو التي تجرها الحمير والبغال والجياد والتي كانت تستعمل في نقل الأمتعة والأثاث وجهاز العرائس. وفي الأعياد يركبها الأطفال وتدور بهم في الأحياء وهم يغنون ويطبلون ابتهاجاً بالعيد. وقد قرأت في أحد كتب التاريخ أن هذه العربات كانت تستخدم في مناسبة موكب رؤية هلال رمضان حيث يجلس فوقها شيوخ الحرف المختلفة وتدور بهم في أحياء القاهرة حيث يشاهدهم الناس وهم يمارسون حرفتهم. 

وفي المقابل لهذا الموقف من الناحية الأخرى لشارع العباسية كان يوجد موقفاً  شبه رسمي أيضاً لعربات الحنطور السوداء الجميلة المزركشة بمصابيحها النحاسية وضؤها الخافت ومقاعدها الجلدية السوداء العريضة والتي كانت تجرها الجياد المرفهة المدللة المزينة وكانت تستعمل هذه العربات لنقل الناس من حي إلى حي آخر.

وفيما يلي المعلومات التاريخية والمعمارية لهذا المسجد الجميل والذي يعد من أحد معالم حي العباسية.


قبة الفداوية بالعباسية

تقع هذه القبة فى منطقة العباسية بالقاهرة. أنشأها الأمير يشبك بن مهدي أحد أمراء المماليكالجراكسة. وكان الأمير فى الأصل أحد مماليك الظاهر أبو سعيد جقمق، وتقلب فى عهده فى عدة وظائف وعين كاشفا للصعيد في عهد الظاهر خوشقدم، وفى أيام السلطان قايتباى وصل إلى أرقى المناصب فعين دويدارا وأسندت إليه أيضا الوزارة والاستادارية (نظام الخاصة الملكية) وصار صاحب الأمر والنهى في الدولة. 

كان يشبك محباً للعلوم والفنون شغوفاً بالعمارة والتنظيم، فعمل على إصلاح الطرق وتوسيعها وتجميل الواجهات المطلة عليها. وقد كانت المنطقة الواقعة شمال حي الحسينية الآن مشتملة على كثير من المقابر والدور، فأمر بهدمها وأقام مكانها مناظر (جمع منظرة وهى استراحة للنزهة) وحوض كبير وقبة كبيرة أمامها بساتين ومشاتل. وأقام إلى الجنوب من هذه القبة تربة كبيرة ألحق بها مساكن للصوفيه وشيخهم، وبنى تجاه التربة مسجدا وسبيلا وحوضا لشرب الدواب ثم شق ترعة كبيرة لتوصيل المياه إلى البساتين حتى صارت المنطقة من أبهج المتنزهات. وكان الغرض الأصلى من إنشاء هذه القبة هو أن تكون منظرة ينزل بها يشبك أو السلطان للراحة والرياضة وأقيم بها محراب للصلاة. ولم يبق من هذه المنشآت سوى القبة التى نتكلم عنها الآن، وقد أنشأها سنة 884 هجرية /1479م، وتوفى الأمير يشبك سنة 885 هجرية/ 1480م، ولما تكمل بعض أعمال بداخلها، إذ يقول ابن إياس إن الملك الأشرف قايتباى زارها فى سنة 886 هجرية/1481م وأمر الأمير تغرى بردى بأن يكمل عمارتها. 

منظر القبة من الخارج بسيط وقاعدتها المربعة مبنيّة بالحجر وبوجهتها القبلية المدخل. والقبة مبنية بالطوب وليس بها زخارف سوى صف من الشبابيك المعقودة والمفتوحة برقبتها. ويتوصل إلى المدخل ببعض درجات من الرخام. وتغطي المدخل مقرنصات جميلة كتب بأسفلها آية قرآنية ثم اسم قايتباى وأدعية له. كما كتب اسم قايتباي أيضا فى طراز مكتوب على يمين ويسار المدخل. وهذا المدخل يؤدي إلى مربع فسيح طول ضلعه 14.30 متراً تغطيه القبة. وأهم ما يلفت فيها منطقة الانتقال من المربع إلى استدارة القبة. فهى تتكون - فى كل ركن من أركان المربع- من عقد كبير ينتهى بمقرنصات ويحتضن طاقية مزخرفة أسفلها طاقتان. ونجد فى هذه القباب عموماً مقرنصات متعددة الحطات تنقل المربع إلى الاستدارة. ويعلو منطقة الانتقال فى هذه القبة طراز مكتوب به آيات قرآنية وأدعية للملك الأشرف قايتباي وفي نهايته تاريخ حج قايتباي سنة 884 هجرية. كما يغطى القبة ومنطقة الانتقال زخارف من الجص الملون. ويقوم مربع القبة على طابق أرضي مكوّن من ثلاث قاعات مستطيلة مغطاة بقبوات وبالجهة البحرية منه سلم يؤدي إلى أرضية القبة.










أصل التسمية

عرف الحى الذي يقع بين حى العباسية والحسينية باسم القبة الفداوية وغلبت هذه التسمية على اسم السلطان قايتباى وعلى اسم الأمير يشبك. و الفداوية هى طائفة من الشيعة الإسماعيلية ، يعتقدون كما يقول ابن فضل الله العمرى (أن كل من ملك مصر كان ظهيرا لهم ولذلك يرون إتلاف نفوسهم في طاعته. وكان لمشايعتهم هذه لملوك مصر أكبر الأثر في إرهاب أعدائهم. وكان من تقاليدهم أن من جبن عن أداء رسالته أو هرب. قتله أهله، ولا يبالى الفداوى أن يؤدى رسالته ولو قتل بعدها.


وقد ورد في قوانين دواوين المماليك البحرية أنه كان يدخل في اختصاص رئيس ديوان الإنشاء النظر في أمر الفداوية، وكان لملوك الإسلام عناية كبيرة بهم. وممن عنى بهم الملك الظاهر بيبرس البندقدارى ، فقد عهد إليهم ببعض الأعمال في الحروب التي خاضها ضد المغول في عين جالوت وفى معاركه ضد الصليبيين و التي كتب له النصر فيها جميعا وكذلك عنى بهم الملك الأشرف خليل بن قلاوون والناصر محمد بن قلاوون فرتبوا لهم المرتبات والهبات الكثيرة وخلعوا عليهم الخلع كما قرروا لهم دورا ومساكن خاصة).

وقد عرفت طائفة الفداوية في البلاد العربية والإسلامية بإسم الإسماعيلية أما بلاد الفرنجة فقد كانت تطلق عليهم الحشيشية. وأما في مصر فقد عرفوا بالفداوية وذلك لاسترخاصهم الحياة في سبيل سيادتهم الروحية، وقد أنشأ لهم الأمير يشبك مساكن بجانب القبة فعرفت القبة باسمهم ومن بعدها الحى كله.

وفى القرن الثامن الهجري عرفت طوائف الفداوية بإسم (المجاهدين) كما أطلق على كبيرهم (اتابك المجاهدين). وفى القرن الثاني عشر الهجري كانوا يسمون كبيرهم والمتحدث باسمهم (مقدم الفداوية) أو شيخ الفداوية ، بل إنهم بلغوا من الشهرة أن كان يطلق لقب الفداوية على الأشداء من الرجال.

أما القبة الثانية التي أنشأها الأمير يشبك سنة 884، و التي ما تزال قائمة حتى اليوم بحى القبة، فقد نسبت خطأ إلى السلطان الغورى ، ونشأ هذا الخطأ أن السلطان كان كثير التردد عليها للنزهة. وقد بنى الناس قرية جديده حول هذه القبة في القرن الحادي عشر الهجري ، أى في العصر العثماني عرفت باسم قرية القبة نسبة إليها، ومن هنا أتى اسم الأحباء المعروفة الآن باسم حدائق القبة و سراى القبة وحمامات القبة وكوبرى القبة من ضواحى القاهرة الشمالية.

وقد عنيت لجنة حفظ الآثار العربية فى آخر القرن التاسع عشر بإصلاح هذه القبة وأخلت ما حولها. وفى سنة 1907م نقلت إليها منبر مسجد كاتم السر بشارع درب الجماميز بعد أن أصلحته. وهو المنبر الصغير الموجود الآن بالقبة. 




مسجد قبة الفداوية - العباسية







ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق