الجمعة، 26 فبراير 2016

النسيب .... "إبـن قُـتـَيـبـة"







مقال صغير لكاتب لم أسمع عنه من قبل عاش منذ عدة قرون وتوفي في 276 هـ.



المقال في كتاب اللغة العربية بالمرحلة الثانوية. والكاتب هو "إبـن قُـتـَيـبـة". ولا زلت أذكر هذا المقال لما كان له من أثر كبير في نفسي ولما فتح لي من أبواب الأدب العربي القديم وانتهي بيَ الأمر إلى عشق الشعر العربي القديم منه والحديث بل ومحاولة كتابته في بعض الأحيان.

ولا يقف الأمر عند هذا الحد فمن عشق الشعر إلى حب الشعراء الذين يجيدونه إلى محاولة معرفة أخبارهم التي كانت سبباً مباشراً لما كتبوه من أشعار. والأخبار تعني التاريخ وذلك لإرتباط الشاعر ببيئته ووطنه وما أحاط به وأثر عليه من أحداث. فيمتد  بحر المعرفة من الشعر إلى الشعراء إلى تاريخ الأوطان إلى تاريخ الأمم إلى تاريخ الإنسانية.


و"ابن قتيبة" أديب وفقيه ومحدث ومؤرخ عربي ولد في بغداد وسكن الكوفة وولى القضاء لفترة من الزمان.

وقد لفت "ابن قتيبة" إنتباهي في هذا المقال لما شرحه من جزء هام من القصيدة الجاهلية وهو الجزء الذي تبدأ به ويسمى "الـنَـسـيـب" بفتح النون.

 والنسيب هو القسم الذاتي الخاص من القصيدة والذي يخلو فيه الشاعر الى نفسه، فيصوّر ما فيها من نوازع ومواجد ويكون ذلك عادة ببكاء الأطلال وذكر الحبيب والمنازل والديار. وقد يكون بذكر موقفه من الحياة والناس والزمان. ثم يأتي بعد ذلك القسم الثاني من القصيدة والذي يعبر فيه الشاعر عن الغرض الرئيسي للقصيدة من مدح أو هجاء أو فخر وما إلى ذلك من أغراض الشعر الأخرى.

قال ابن رشيق: «ان الشعر قفل، أوله مفتاحه. وينبغي للشاعر ان يجوّد ابتداء شعره، فإنه اول ما يقرع السمع، وبه يستدل على ما عنده من أول وهلة». ثم ضرب مثلاً يمثّل براعة الاستهلال، وهو قول امريء القيس:

"قفا نبك من ذكرى حبيب ومنزلِ"

وعقّب عليه بقوله: «هو عندهم أفضل ابتداء صنعه شاعر، لأنه وقف واستوقف، وبكى واستبكى، وذكر الحبيب والمنزل في مصراع واحد».

ومما أحبه من البدايات قول عنترة:

ولقد ذكرتك والرماح نواهل مني     وبيض الهند تقطر من دمي
فـوددت تـقـبـيـل السـيـوف لأنها      برقت كبارق ثغرك المتبسم

ألف إبن قتيبة كتاب هام جداً يعتبر من المراجع الشيقة في الشعر العربي وسماه "الشعر والشعراء" شرح فيه طريقة بناء القصيدة العربية كما شرح عيوبالشعر مثل عيوب القافية وعيوب الإعراب وغيرها  وأتى بأمثلة عليها من شعر شعراء مشهورين وقصائد معروفة.


قال في مقدمة الكتاب:"وكان أكثر قصدي للمشهورين من الشعراء الذين يعرفهم جلّ أهل الأدب والذين يصح الاحتجاج بأشعارهم في الغريب وفي النحو وفي كتاب الله عزّ وجلّ، وحديث رسول الله صلى الله عليه وسلم".



وقد امتاز الكتاب بمقدمة نقدية قيمة يعدُّها الباحثون من بواكير النقد الأدبي المصحوب بالعلل. وقد بيّن فيها منهج الكتاب والغرض من تأليفه حيث يقول: "هذا كتاب ألّفته في الشعر، أخبرت فيه عن الشعراء وأزمانهم وأقدارهم وأحوالهم في أشعارهم، وقبائلهم وأسماء آبائهم، ومن كان يعرف باللقب أو الكنية منهم، وعما يستحسن من أخبار الرجل ويستجاد من شعره وما أخذته العلماء عليهم من الغلط والأخطاء في ألفاظهم أو معانيهم، وما سبق إليه المتقدمون فأخذه عنهم المتأخرون. وأخبرت فيه عن أقسام الشعر وطبقاته، وعن الوجوه التي يختار الشعر عليها ويستحسن لها ...".


والكتاب أسلوبه سهل شيق ولغته بسيطة بعيدة عن التعقيدات. 


فمن مقال صغير في كتاب مدرسي إنتقلت إلى عالم كبير زاخر بكل المشاعر والمعاني عالم الشعر والأدب. وقد أضع بجانبيعدة دواوين أقرأ منها  في نفس الوقت  لشعراء مختلفين من أزمنة مختلفة لهم أهتمامات متباينة أختار منهم ما يلائم حالتي الشعورية التي لا تثبت على حال وتتعاقب في تغيراتها كتعاقب الليل والنهار وتتغير كتغير الفصول




كاتب المقال: عاطف أبو شوشه

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق