الاثنين، 15 فبراير 2016

الدم في الحدائق




الحنين.

كلمة ناعمة تنساب في خدر رقيق وتمس حواس الجسد الخفية. تحمل معها الكثيرمن الأسى والمعاني والمشاعر. فيها معنى التذكر لأشياء مضت والشوق إليها. فيها من الحب معظمه (الحـ). وفيها من الأنين أيضاً معظمه (نين). فهي مزيج مريح بين الحب والأنين. مزيج فيه التأمل والإستسلام والحزن والسكينة والرضا. فيه إنتظار أبدي لما يمكن ألا يجئ أبداً.

لم يحدث أن أسرني كتاب بهذا الشكل الذي ينم عن قدر غير قليل من التعلق العاطفي الذي لا أعلم كيف بدأ. الكتاب عبارة عن ديوان شعراسمه "الدم في لحدائق". وهو ديوان  مشترك لثلاثة شعراء يخصني منهم بكل هذا الشغف الشاعر "محمد مهران السيد".

كنت قد عثرت على هذا الديوان بين مجموعة من الكتب القديمة وأنا في مقتبل العمر أوفر القروش القليلة وأمضي سيراً على الأقدام من العباسية حتى ميدان العتبة ومنه إلى ميدان الأوبرا حيث تزدهر جميع حواسي إذ أجد أمامي "سور الأزبكية".






لماذا أسرني هذا الديوان؟
هل هي هذه الصورة الغريبة على غلافه؟ لا أعتقد ذلك فلقد إنتبهت إليها بتفاصيلها في مرحلة متأخرة عن حبي للكتاب.

هل هي سيرة شاعر مبدع لم يلق حظه من الشهرة سجن في عهد الثورة ، كأغلب المثقفين ممن كانوا على قائمة اليسار فتاه بين الماضي والحاضر وظل أسمه مغموراً لا يعرفه الكثيرون ؟ ربما هذا هو أول الإحتمالات الصحيحة.

هل هي تلك القصائد الحزينة التي كتبها الشاعر"محمد مهران السيد" بعمق وإحساس ينفذ مباشرة إلى الشعور؟ هذا إحتمال آخر صحيح.

الحنين هي الكلمة الدقيقة التي تصف شوقي إلى قصائد هذا الديوان الصغير والذي كثيرا ما كان ينتابني أثناء سفري. وكان أول شئ أفعله عند عودتي هو إخراجه من مكمنه ووضعه إلى جواري أعيد قراءة قصائد شاعري مرات ومرات.

حاولت جاهداً أن أبحث عن أعماله الأخرى المطبوعة ولكن دون جدوى فلا أحد يذكر هذا الإسم من قريب أو بعيد. ولكن وجدت له بعض القصائد المتفرقة.

وأود أن أعترف بأن كثيرا من قصائد "محمد مهران السيد" قد ناسبت تماما شعوري الداخلي وتناغمت معه لدرجة عالية.

"عن الحب والمدينة"

لما كنا من مخلوقات مدينتنا البراقة
صرنا لعبتها المحشوة من أطراف القدمين إلى الرأس
بصنوف الفزع المشحوذ الحدين وأنواع اليأس
تصلبنا فوق الأعمدة المغروسة والأشجار
وتمزقنا تحت العجلات المجنونة كالإعصار
وتدحرجنا طول اليوم على الأسفلت
عشنا نجتر ضآلتنا في كف مدينتنا العملاقة
يجلدنا الرعب
عبر شوارعها المتشنجة القسمات
وأزقتها والحارات
رغم تطلعنا وتعلقنا بمآذنها الألف
حتى لما فاجأنا الحب
ذات أصيل بقطار الصيف
عانقناه سويا لكن في خوف
.....
هذا ما كان 
فلندع الأشياء .. تمر
المائع والسكر والمر
ماذا كان سيحدث .. إن لم ..
إن لم يسقط من يدك السيف
في هذا الصيف 



"ما قالته الليلة الماضية "

ما أنت بحي
هم شنقوك بني
لكن الموت بهذا الزمن المخضوب الشفتين
قد يترك رأسك هذا يتأرجح أعواما فوق الكتفين
....

وتركت البيت مساء
يتوكأ نصفي المشلول على الحي
أغلقت الباب على أشيائي وتركت الحي
قبل مجيئك من أرض الغربة
.....

إن كان الزبد الأسود قد غطاك إلى الرأس
لا تعتب واشرب خلف جدار الصمت الكأس وراء الكأس
وتجشأ حتى لو أورق في داخلك المر
فهناك الماضي والحاضر سيدهم
هذا السوط سيجلدهم
ويمزق أجفان الإغضاء ويأمرهم
فتشبث .. لا تفلت من يدك الشعر



أربعة قصائد للشاعر "محمد مهران السيد" وجدتها على أحد المواقع لم أعرفها من قبل.

بدايات الأغاني 


هل أنت غاضبةٌ علي
كم ألف زنبقة أحمّلها الوداد, تعود ناقمة إليّ
ما زلت أنفض عن مواجيدي الغبارَ, ليصدحَ الصوتُ العليّ
أنا لست (حلاج) الزمان, ولست (ذا النون) العتي
أخطو على درب اللقا حذرا
فقبلي ضاع أكثر من فتِيّ
سُلْطانُهُ العرش المجنَّح في سماء الجمر
.. هل أمضي إلى الحتف المدون
أم أسير إلى هزيم الرعد, في القلب الغَوِيّ
لفِّي اندفاعي بالصبابات العُلا
واستمتعي باليأس رقراقا, ومحمولا على دمعي العصي
صليت مليونا من الركعات
واحتمل الجبين شواظ نار الجوع
والشوق المعذب في يديّ
لا شيء يهزمني سوى صمتي المدوي في حنايا جانبيّ
كنتُ الكثير إذا ضحكتِ
وإذا عبستِ, فكنت أغرق في سمارك, مغمض
العينين أخفي في ضفائرك الحيية, ناظري
يا أيها الوجه المحمَّص في أتون شقائنا منذ الأبد
يا أيها الوجه المضمخ بالعصارات التي كانت بدايات
الأغاني, وانتفاضات الجسد
هل خلَّقتك مشيئة اللوح المخبأ في سماوات
الدخان, فكنت واحدها الأحد
يا أيها الوجْد الصمد
لي مثل وجهك واللسان فكيف لا أدعوك في صمتي
المتوج بالزبد
... يا أيها الوجه المحمَّل بارتعاشات الفصول وبالذي
قد كان أو ما يستجدّ
فلتبق مِشكاة الحقيقة في يديَّ, ولا تمانع
أن أكون لك المريد .. وكيف لا .. حتى الأبد 
محمد مهران السيد  






ترجمة الشاعر

*ولد عام 1927 في سوهاج  
حصل على دبلوم المعلمين 1947 
*عمل في الصحافة بمجلة الثقافة (القديمة) ومجلة الشعر, والملحق الأدبي والفني لمجلة الموقف العربي, ومجلة الشرق السعودية, ومجلة الإذاعة والتلفزيون, إلى أن أحيل إلى التقاعد 1987 
*نشر شعره في الكثير من الصحف والمجلات العربية 
*دواوينه الشعرية 
بدلاً من الكذب 1967 
الدم في الحدائق (مشترك) 1971 
ثرثرة لا اعتذار عنها 1979 
زمن الرطانات 1980 
طائر الشمس 1991 
وله مسرحيتان شعريتان هما: الحرية والسهم 1971 ـ حكاية من وادي الملح 1975 
*حصل على جائزة الدولة التشجيعية للشعر 1993 
*توفي عام 2000






ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق