الحنين.
كلمة ناعمة تنساب في خدر رقيق وتمس حواس الجسد الخفية. تحمل معها الكثيرمن الأسى والمعاني والمشاعر. فيها معنى التذكر لأشياء مضت والشوق إليها. فيها من الحب معظمه (الحـ). وفيها من الأنين أيضاً معظمه (نين). فهي مزيج مريح بين الحب والأنين. مزيج فيه التأمل والإستسلام والحزن والسكينة والرضا. فيه إنتظار أبدي لما يمكن ألا يجئ أبداً.
لم يحدث أن أسرني كتاب بهذا الشكل الذي ينم عن قدر غير قليل من التعلق العاطفي الذي لا أعلم كيف بدأ. الكتاب عبارة عن ديوان شعراسمه "الدم في لحدائق". وهو ديوان مشترك لثلاثة شعراء يخصني منهم بكل هذا الشغف الشاعر "محمد مهران السيد".
كنت قد عثرت على هذا الديوان بين مجموعة من الكتب القديمة وأنا في مقتبل العمر أوفر القروش القليلة وأمضي سيراً على الأقدام من العباسية حتى ميدان العتبة ومنه إلى ميدان الأوبرا حيث تزدهر جميع حواسي إذ أجد أمامي "سور الأزبكية".
لماذا أسرني هذا الديوان؟
هل هي هذه الصورة الغريبة على غلافه؟ لا أعتقد ذلك فلقد إنتبهت إليها بتفاصيلها في مرحلة متأخرة عن حبي للكتاب.
هل هي سيرة شاعر مبدع لم يلق حظه من الشهرة سجن في عهد الثورة ، كأغلب المثقفين ممن كانوا على قائمة اليسار فتاه بين الماضي والحاضر وظل أسمه مغموراً لا يعرفه الكثيرون ؟ ربما هذا هو أول الإحتمالات الصحيحة.
هل هي تلك القصائد الحزينة التي كتبها الشاعر"محمد مهران السيد" بعمق وإحساس ينفذ مباشرة إلى الشعور؟ هذا إحتمال آخر صحيح.
الحنين هي الكلمة الدقيقة التي تصف شوقي إلى قصائد هذا الديوان الصغير والذي كثيرا ما كان ينتابني أثناء سفري. وكان أول شئ أفعله عند عودتي هو إخراجه من مكمنه ووضعه إلى جواري أعيد قراءة قصائد شاعري مرات ومرات.
حاولت جاهداً أن أبحث عن أعماله الأخرى المطبوعة ولكن دون جدوى فلا أحد يذكر هذا الإسم من قريب أو بعيد. ولكن وجدت له بعض القصائد المتفرقة.
وأود أن أعترف بأن كثيرا من قصائد "محمد مهران السيد" قد ناسبت تماما شعوري الداخلي وتناغمت معه لدرجة عالية.
"عن الحب والمدينة"
لما كنا من مخلوقات مدينتنا البراقة
صرنا لعبتها المحشوة من أطراف القدمين إلى الرأس
بصنوف الفزع المشحوذ الحدين وأنواع اليأس
تصلبنا فوق الأعمدة المغروسة والأشجار
وتمزقنا تحت العجلات المجنونة كالإعصار
وتدحرجنا طول اليوم على الأسفلت
عشنا نجتر ضآلتنا في كف مدينتنا العملاقة
يجلدنا الرعب
عبر شوارعها المتشنجة القسمات
وأزقتها والحارات
رغم تطلعنا وتعلقنا بمآذنها الألف
حتى لما فاجأنا الحب
ذات أصيل بقطار الصيف
عانقناه سويا لكن في خوف
.....
هذا ما كان
فلندع الأشياء .. تمر
المائع والسكر والمر
ماذا كان سيحدث .. إن لم ..
إن لم يسقط من يدك السيف
في هذا الصيف
"ما قالته الليلة الماضية "
ما أنت بحي
هم شنقوك بني
لكن الموت بهذا الزمن المخضوب الشفتين
قد يترك رأسك هذا يتأرجح أعواما فوق الكتفين
....
وتركت البيت مساء
يتوكأ نصفي المشلول على الحي
أغلقت الباب على أشيائي وتركت الحي
قبل مجيئك من أرض الغربة
.....
إن كان الزبد الأسود قد غطاك إلى الرأس
لا تعتب واشرب خلف جدار الصمت الكأس وراء الكأس
وتجشأ حتى لو أورق في داخلك المر
فهناك الماضي والحاضر سيدهم
هذا السوط سيجلدهم
ويمزق أجفان الإغضاء ويأمرهم
فتشبث .. لا تفلت من يدك الشعر
بدايات الأغاني
هل أنت غاضبةٌ علي
كم ألف زنبقة أحمّلها الوداد, تعود ناقمة إليّ
ما زلت أنفض عن مواجيدي الغبارَ, ليصدحَ الصوتُ العليّ
أنا لست (حلاج) الزمان, ولست (ذا النون) العتي
أخطو على درب اللقا حذرا
فقبلي ضاع أكثر من فتِيّ
سُلْطانُهُ العرش المجنَّح في سماء الجمر
.. هل أمضي إلى الحتف المدون
أم أسير إلى هزيم الرعد, في القلب الغَوِيّ
لفِّي اندفاعي بالصبابات العُلا
واستمتعي باليأس رقراقا, ومحمولا على دمعي العصي
صليت مليونا من الركعات
واحتمل الجبين شواظ نار الجوع
والشوق المعذب في يديّ
لا شيء يهزمني سوى صمتي المدوي في حنايا جانبيّ
كنتُ الكثير إذا ضحكتِ
وإذا عبستِ, فكنت أغرق في سمارك, مغمض
العينين أخفي في ضفائرك الحيية, ناظري
يا أيها الوجه المحمَّص في أتون شقائنا منذ الأبد
يا أيها الوجه المضمخ بالعصارات التي كانت بدايات
الأغاني, وانتفاضات الجسد
هل خلَّقتك مشيئة اللوح المخبأ في سماوات
الدخان, فكنت واحدها الأحد
يا أيها الوجْد الصمد
لي مثل وجهك واللسان فكيف لا أدعوك في صمتي
المتوج بالزبد
... يا أيها الوجه المحمَّل بارتعاشات الفصول وبالذي
قد كان أو ما يستجدّ
فلتبق مِشكاة الحقيقة في يديَّ, ولا تمانع
أن أكون لك المريد .. وكيف لا .. حتى الأبد
كم ألف زنبقة أحمّلها الوداد, تعود ناقمة إليّ
ما زلت أنفض عن مواجيدي الغبارَ, ليصدحَ الصوتُ العليّ
أنا لست (حلاج) الزمان, ولست (ذا النون) العتي
أخطو على درب اللقا حذرا
فقبلي ضاع أكثر من فتِيّ
سُلْطانُهُ العرش المجنَّح في سماء الجمر
.. هل أمضي إلى الحتف المدون
أم أسير إلى هزيم الرعد, في القلب الغَوِيّ
لفِّي اندفاعي بالصبابات العُلا
واستمتعي باليأس رقراقا, ومحمولا على دمعي العصي
صليت مليونا من الركعات
واحتمل الجبين شواظ نار الجوع
والشوق المعذب في يديّ
لا شيء يهزمني سوى صمتي المدوي في حنايا جانبيّ
كنتُ الكثير إذا ضحكتِ
وإذا عبستِ, فكنت أغرق في سمارك, مغمض
العينين أخفي في ضفائرك الحيية, ناظري
يا أيها الوجه المحمَّص في أتون شقائنا منذ الأبد
يا أيها الوجه المضمخ بالعصارات التي كانت بدايات
الأغاني, وانتفاضات الجسد
هل خلَّقتك مشيئة اللوح المخبأ في سماوات
الدخان, فكنت واحدها الأحد
يا أيها الوجْد الصمد
لي مثل وجهك واللسان فكيف لا أدعوك في صمتي
المتوج بالزبد
... يا أيها الوجه المحمَّل بارتعاشات الفصول وبالذي
قد كان أو ما يستجدّ
فلتبق مِشكاة الحقيقة في يديَّ, ولا تمانع
أن أكون لك المريد .. وكيف لا .. حتى الأبد
بدلاً من الكذب
لو أنها قالت سنلتقي غداً أو بعدَ غد
و اعتذرَتْ عن المجىءِ بعدَها...بلا سبب
لو أنها
لقلتُ في نفسي...لِمَ الضلالُ و السؤالُ و الكمد؟
و أنَّ للغيابِ ما يبرِّرُه
و ما استطاعَ أن يدينَني أحد
لكنَّنا لن نلتقي و لو للحظةٍ قصيرةِ الأمد
كنا كسائلينِ أعرجينِ في مدينةٍ
تعجُّ بالصَخَب
نُحسُّ مثلما يُحسُّ أهلُها بذلك الذي يحومُ فوقَنا
و أنَّ شيئاً ما يقومُ بيننا
كما يقومُ بينهم
و كان عجزُنا القديمُ_كالحياةِ لحظةَ الفراقِ_عجزَهم
و أنَّنا و أنَّهم
ننوءُ بالرؤى الحزينة
لكنهم كانوا على الدوامِ...يحتمونَ من شقائِهم بنا
و يهربونَ في جلودِنا
و يدفنونَ عُريَهم كما النعامِ في صقيع عرينا
و كلَّما مرَّتْ بنا الأيامُ في طريقِها
تُضيفُ للمخزونِ في عروقِنا
ففي الصباحِ لا نودُّ أنْ نعيشَ للظهيرة
و ساعةَ الغروبِ نحسدُ النهارَ إذ يموتُ قبلَنا
و عندما تسيلُ رعشةُ النجومِ في عيونِنا الضريرة
نقولُ من صميمِنا...يا ليتَها الأخيرة
لكي نغوصَ في سكينةِ الأبد
و ذاتَ يومٍ فُوجىءَ الصباحُ...أنَّها مضَت
تحجَّرَتْ بجانبي ظلالُها
و أنَّني أغمضْتُ عيني إذْ مضَتْ, و خنتُها
و بالسنينِ في مساربِ الخداعِ...بعتُها
و لن أراها مرةً أخرى لأعتذر
بأنني بشر
و منذُ أن فقدتُها
أموتُ في النَّهارِ مرَّتين...لو نسيتُها
و اعتذرَتْ عن المجىءِ بعدَها...بلا سبب
لو أنها
لقلتُ في نفسي...لِمَ الضلالُ و السؤالُ و الكمد؟
و أنَّ للغيابِ ما يبرِّرُه
و ما استطاعَ أن يدينَني أحد
لكنَّنا لن نلتقي و لو للحظةٍ قصيرةِ الأمد
كنا كسائلينِ أعرجينِ في مدينةٍ
تعجُّ بالصَخَب
نُحسُّ مثلما يُحسُّ أهلُها بذلك الذي يحومُ فوقَنا
و أنَّ شيئاً ما يقومُ بيننا
كما يقومُ بينهم
و كان عجزُنا القديمُ_كالحياةِ لحظةَ الفراقِ_عجزَهم
و أنَّنا و أنَّهم
ننوءُ بالرؤى الحزينة
لكنهم كانوا على الدوامِ...يحتمونَ من شقائِهم بنا
و يهربونَ في جلودِنا
و يدفنونَ عُريَهم كما النعامِ في صقيع عرينا
و كلَّما مرَّتْ بنا الأيامُ في طريقِها
تُضيفُ للمخزونِ في عروقِنا
ففي الصباحِ لا نودُّ أنْ نعيشَ للظهيرة
و ساعةَ الغروبِ نحسدُ النهارَ إذ يموتُ قبلَنا
و عندما تسيلُ رعشةُ النجومِ في عيونِنا الضريرة
نقولُ من صميمِنا...يا ليتَها الأخيرة
لكي نغوصَ في سكينةِ الأبد
و ذاتَ يومٍ فُوجىءَ الصباحُ...أنَّها مضَت
تحجَّرَتْ بجانبي ظلالُها
و أنَّني أغمضْتُ عيني إذْ مضَتْ, و خنتُها
و بالسنينِ في مساربِ الخداعِ...بعتُها
و لن أراها مرةً أخرى لأعتذر
بأنني بشر
و منذُ أن فقدتُها
أموتُ في النَّهارِ مرَّتين...لو نسيتُها
غربتي والموت
كأنَّكِ القدر
كأنكِ الظلالُ.. لا تفارقُ البشر
وذلك النَّاقوسُ.. في المساء
إن دقَّ.. غرّد القمر
فكلَّما ابتعدتُ عنكِ..ساعةً.. رجعتُ
رجعتُ أستظلُّ، أرتوي.. ولائِذاً بِصُحْبتِكْ
وحين يَرْتَخي على أريكتك
جسْمي الذي أَتْلفهُ الضَّياعُ، والحنين للمطر
أحسنُّ بالأمان، والرِّضا، ومنعة الثراء
حولي بغرفتِكْ
أحيا ولا أعيشُ أيَّامي.. وأنتظر
وحينما أكونُ بينهمْ.. أغوصُ في الضَّجرْ
ويَسْمُـكُ الجدارُ بيننا، ويَرْتَفعْ
وكلما رأيتُ خيطاً من خيوطِ الحَبْلِ.. ينقطعْ
أدركتُ من فَوري لمَ الإنسانُ - أيّاً كان - ينتحر
في سالفِ الأيامِ كم صنعتُ قارباً وراء قاربٍ
من الورقْ
وكم نقشتُ أَوَّلَ الحروف من إسمي عليه
وكنت كلّما رأيتُ واحداً منها.. مع التَّيارِ ينزلق
فرِحْت
سيَّان عامَ.. أو غَرق
ولم أكنْ أسألُ.. أيَّ واحدٍ على الطَّريق
لِمَ الزوارقُ الصِّغار
والجارياتُ في البحارْ
تدورُ دورتَينِ.. حَوْل نَفسها.. وفجأةً تغوصُ
ولم تزلْ جديدةَ الطِّلاءْ
وقبل أن تُغادِرَ الميناءْ
وها أنا على مَشارفِ الخريفِ.. قَدْ وقفت
ولم يَزَلْ عمري - برغْمِ الشيب - ساعه
ولم أَسِرْ في الأرضِ.. إلاَّ خُطْوتيْن
ولم أَذُقْ بعد حلاوة الهَوى.. برغِم ما أصَبْت
ولم أعِ الحروفَ كلَّها
ولم تزل نفْسي غريبةً - كهذا البحر - عنِّي
وكل ما جمعت
ذراتُ رملٍ، أفلتت.. في اللَّيْل منِّي
وعارياً أعودُ مثلما.. وُلِدْت
قُدِّرَ لي.. في الأربعين.. أن أُحِسَّهُ بجانبي
وأن أراهُ في عيونِ من أحبْ
وينزع القناع عن.. عُريي
وأن تقولَ لحظةُ انْتصارِه.. بأنني جبنت
.. وأنَّني هُزِمْت
كأنكِ الظلالُ.. لا تفارقُ البشر
وذلك النَّاقوسُ.. في المساء
إن دقَّ.. غرّد القمر
فكلَّما ابتعدتُ عنكِ..ساعةً.. رجعتُ
رجعتُ أستظلُّ، أرتوي.. ولائِذاً بِصُحْبتِكْ
وحين يَرْتَخي على أريكتك
جسْمي الذي أَتْلفهُ الضَّياعُ، والحنين للمطر
أحسنُّ بالأمان، والرِّضا، ومنعة الثراء
حولي بغرفتِكْ
أحيا ولا أعيشُ أيَّامي.. وأنتظر
وحينما أكونُ بينهمْ.. أغوصُ في الضَّجرْ
ويَسْمُـكُ الجدارُ بيننا، ويَرْتَفعْ
وكلما رأيتُ خيطاً من خيوطِ الحَبْلِ.. ينقطعْ
أدركتُ من فَوري لمَ الإنسانُ - أيّاً كان - ينتحر
في سالفِ الأيامِ كم صنعتُ قارباً وراء قاربٍ
من الورقْ
وكم نقشتُ أَوَّلَ الحروف من إسمي عليه
وكنت كلّما رأيتُ واحداً منها.. مع التَّيارِ ينزلق
فرِحْت
سيَّان عامَ.. أو غَرق
ولم أكنْ أسألُ.. أيَّ واحدٍ على الطَّريق
لِمَ الزوارقُ الصِّغار
والجارياتُ في البحارْ
تدورُ دورتَينِ.. حَوْل نَفسها.. وفجأةً تغوصُ
ولم تزلْ جديدةَ الطِّلاءْ
وقبل أن تُغادِرَ الميناءْ
وها أنا على مَشارفِ الخريفِ.. قَدْ وقفت
ولم يَزَلْ عمري - برغْمِ الشيب - ساعه
ولم أَسِرْ في الأرضِ.. إلاَّ خُطْوتيْن
ولم أَذُقْ بعد حلاوة الهَوى.. برغِم ما أصَبْت
ولم أعِ الحروفَ كلَّها
ولم تزل نفْسي غريبةً - كهذا البحر - عنِّي
وكل ما جمعت
ذراتُ رملٍ، أفلتت.. في اللَّيْل منِّي
وعارياً أعودُ مثلما.. وُلِدْت
قُدِّرَ لي.. في الأربعين.. أن أُحِسَّهُ بجانبي
وأن أراهُ في عيونِ من أحبْ
وينزع القناع عن.. عُريي
وأن تقولَ لحظةُ انْتصارِه.. بأنني جبنت
.. وأنَّني هُزِمْت
قادم من النجوع
فرخ ورديّ اللحمْ
وصبيّ, أعرجُ في الساحه
في (الفلفو) المنقضَّة كالسهم
وجه يتمرس خلف الأصباغ .. يقيء وقاحه
كانت أمي تشكو لي, منذ اللحظات الأولى .. كيف
ـ شوتها الجنيات بقاع أتون قدَّدها, حتى لم تعرف
إلا نوم الجنب الواحد
والصحن الواحد
والولد الواحد
والبسملة الغادية الروّاحة
كل الأشياء لديها, من عبث الجنيات, وكيد عفاريت
ـ الأرض السفلية
كانت
كالوادي الضيق في سوهاج
يضغطه عملاقان, يمجَّان الذرة الصفراء, وأبخرة الشمس اللفّاحة,
وشقوق الأرض المضروبة بالعطش المسعور, وحوقلة الحلقاتِ
الدوارة في الليل وتهويم الأرواح
ونتوءات الأكواخ المسكونة بالأشباح
كان التاريخ الفرعوني, وأيام الفتح كناطورٍ من حجر الجير المتفتت
تتثاءب تحت السقف البوصي, وفي قِدْر الفول
ـ المطبوخ, وفوق حواف الصمت المتسلط
والكانون الموقد
يتنفس أوجاع ذئاب جوعى
ـ للجيف المتفاعلة مع الليل المسمط
كان الولد المتوحد
يتداخل في ليل النجع المسترخي بعد نهارات طوَّقها
ـ الطمي الفوار, وغاصت في المد
كان ظلام الغرفة, مثل سماء الخارج يزخر ببريق
ـ القطط الأرواح
والسقف البوصي, مساحات من قصب السكر
مأوًى للجثث المنتفخة .. في أنهار الثأر
أو غابة أذناب عقارب زيتونيه
بينا يتململ في الخارج, قمر كرغيف شمسي لوّحه الصهد
يغرس أسنان الضوء النازف في الجدران اللبنية
كان الصيف غليظا
وجلودُ الناس تشيط
وقطار الأقصر يعوي فوق الجسر
والذهبيات ارتدت الأضواء, وراحت تتأود
ـ صاعدة في النهر
قالت أمه
من فيها جُبِلوا من ذهب سلطاني منقوع تسعة أشهر في ماء الورد
(كان النجع يعج بأطفال, خرجوا من أفران الفخار)
رد أبوه
الناس معادن, يا أم محمد
لكن الولد المتوحد
كان يراقب خفاشا, يتدلى كالثدي الممطوط من السقف الأسود
سنوات العمر الناشف, كالبوص, وعيدان الفول
كانت حقلاً, للشوك الشيطاني, وأرضا تنشقّ عن الغسلين
وتجري بالحمأ المسنون
لكن كانت لا تخلو من أقماع السكر, واللهو المغلول
وصبيّ, أعرجُ في الساحه
في (الفلفو) المنقضَّة كالسهم
وجه يتمرس خلف الأصباغ .. يقيء وقاحه
كانت أمي تشكو لي, منذ اللحظات الأولى .. كيف
ـ شوتها الجنيات بقاع أتون قدَّدها, حتى لم تعرف
إلا نوم الجنب الواحد
والصحن الواحد
والولد الواحد
والبسملة الغادية الروّاحة
كل الأشياء لديها, من عبث الجنيات, وكيد عفاريت
ـ الأرض السفلية
كانت
كالوادي الضيق في سوهاج
يضغطه عملاقان, يمجَّان الذرة الصفراء, وأبخرة الشمس اللفّاحة,
وشقوق الأرض المضروبة بالعطش المسعور, وحوقلة الحلقاتِ
الدوارة في الليل وتهويم الأرواح
ونتوءات الأكواخ المسكونة بالأشباح
كان التاريخ الفرعوني, وأيام الفتح كناطورٍ من حجر الجير المتفتت
تتثاءب تحت السقف البوصي, وفي قِدْر الفول
ـ المطبوخ, وفوق حواف الصمت المتسلط
والكانون الموقد
يتنفس أوجاع ذئاب جوعى
ـ للجيف المتفاعلة مع الليل المسمط
كان الولد المتوحد
يتداخل في ليل النجع المسترخي بعد نهارات طوَّقها
ـ الطمي الفوار, وغاصت في المد
كان ظلام الغرفة, مثل سماء الخارج يزخر ببريق
ـ القطط الأرواح
والسقف البوصي, مساحات من قصب السكر
مأوًى للجثث المنتفخة .. في أنهار الثأر
أو غابة أذناب عقارب زيتونيه
بينا يتململ في الخارج, قمر كرغيف شمسي لوّحه الصهد
يغرس أسنان الضوء النازف في الجدران اللبنية
كان الصيف غليظا
وجلودُ الناس تشيط
وقطار الأقصر يعوي فوق الجسر
والذهبيات ارتدت الأضواء, وراحت تتأود
ـ صاعدة في النهر
قالت أمه
من فيها جُبِلوا من ذهب سلطاني منقوع تسعة أشهر في ماء الورد
(كان النجع يعج بأطفال, خرجوا من أفران الفخار)
رد أبوه
الناس معادن, يا أم محمد
لكن الولد المتوحد
كان يراقب خفاشا, يتدلى كالثدي الممطوط من السقف الأسود
سنوات العمر الناشف, كالبوص, وعيدان الفول
كانت حقلاً, للشوك الشيطاني, وأرضا تنشقّ عن الغسلين
وتجري بالحمأ المسنون
لكن كانت لا تخلو من أقماع السكر, واللهو المغلول
ترجمة الشاعر
*ولد عام 1927 في سوهاج
حصل على دبلوم المعلمين 1947
*عمل في الصحافة بمجلة الثقافة (القديمة) ومجلة الشعر, والملحق الأدبي والفني لمجلة الموقف العربي, ومجلة الشرق السعودية, ومجلة الإذاعة والتلفزيون, إلى أن أحيل إلى التقاعد 1987
حصل على دبلوم المعلمين 1947
*عمل في الصحافة بمجلة الثقافة (القديمة) ومجلة الشعر, والملحق الأدبي والفني لمجلة الموقف العربي, ومجلة الشرق السعودية, ومجلة الإذاعة والتلفزيون, إلى أن أحيل إلى التقاعد 1987
*نشر شعره في الكثير من الصحف والمجلات العربية
*دواوينه الشعرية
بدلاً من الكذب 1967
الدم في الحدائق (مشترك) 1971
ثرثرة لا اعتذار عنها 1979
زمن الرطانات 1980
طائر الشمس 1991
وله مسرحيتان شعريتان هما: الحرية والسهم 1971 ـ حكاية من وادي الملح 1975
*حصل على جائزة الدولة التشجيعية للشعر 1993
*توفي عام 2000
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق