الاثنين، 1 فبراير 2016

كلموني تاني عنك فكروني ... (العباسية .. حبيبتي 3 )



"كلموني تاني عنك فكروني   صحو نار الشوق في قلبي وفي عيوني"

تركت الراديو في الصالة بصوته الخفيض وأم كلثوم تغني أغنيتها الجميلة "فكروني".
لم أرفع صوت الراديو وأنا أتجه للجلوس في الشرفة التي تطل على "حارة وصفي". بالكاد أسمع صوت الراديو من هنا ولكني أسمع أم كلثوم تصدح بأغنيتها من كل الإتجاهات من حولي ويصلني صوتها جلياً واضحاً لا يفوتني منها كلمة ولا نغمة. ذلك لأنه في هذا الوقت بالتحديد من اليوم لا يوجد مكان به راديو في الحارة كلها إلا ويكون مفتوحاً على إذاعة أم كلثوم فتسمع أغانيها تنساب إليك ناعمة رقيقة في كل مكان تذهب إليه.




قهوة "الحاج زكي" قرب نهاية الحاره من ناحية شارع "أحمد نجيب" يرتفع صوت الراديو منها إلى أعلى. يليها محل بائعة الدجاج "سندس" على ناصية الحارة. أما محل عم حامد لإصلاح كاوتش السيارات فيقع بعد القهوة إلى الداخل من الحارة. صوت إرتطام العتلة الحديدية التي يستعملها حين يلقيها على الأرض أصبح مألوفاً جداً ولايزعج أحداً. على الطرف الآخر من الحارة يوجد محل "الحاج داود" وهومن أمهر من قاموا بتنجيد الكراسي ويسكن في دورعلوي في نفس العمارة التي بها محل عمله.

"بعد ما اتعودت بعدك غصب عني بعد ما نسيت الأماني والتمني "


يسكن في أول طابق من المنزل فوق سندس صديقي "أحمد الشاطر" يقيم في شقة عائلته هذه مع إخوانه ووالدته. الشقة غرفها واسعة جداً ذات أسقف عالية تطل عل ثلاثة إتجاهات. أراه عندما يخرج إلى الشرفة التي في ناحية الحاره. يصغرني بعدة سنوات تعرفت عليه في مدرسة الدمرداش في غرفة الموسيقى ونحن نعد لحفلة آخر العام مع "أبله ورده" مدرسة الموسيقى. يعزف أحمد على البيانو ببراعة رشحته ليكون قائداً لفريق الكورال الذي انا أحد أعضائه. عندما دخلت منزله لأول مرة إنبهرت بالبيانو الكبير في إحدى الحجرات. أخوه الأكبر يعمل معلماً للموسيقى. وعلى سطح هذا المنزل كانت تسكن بعض الفتيات مع والدتهن وكن يرقصن ويبدلن ثيابهن بدون أن يغلقن الشباك الوحيد في غرفتهن.

"وابتدى قلبي يدوبني بآهاته وابتدى الليل يبقى أطول من ساعاته "


العمارة تقاطع شارع أحمد نجيب مع شارع رمسيس والتي أرى معظمها يسكن فيها صديقنا وزميل دراستنا "حسين" وهو خفيف الظل نحيل الجسم. وفي طابق آخر تسكن "أبله بثينة" والتي كانت تدرسنا جميع المواد حتى الفرقة التالثة الدراسية. وكانت أيضاً مسئولة الكنتين تبيعنا الحلويات في الفسحه مقابل تعريفه (نصف قرش) للقطعة. وكنت أشتري قطعة حلوى واحدة كل يوم وأدخر نصف القرش الآخر في حصالتي.

"تسوى ايه الدنيا وانت مش معايا هي تبقى الدنيا دنيا إلا بيك."


البناية أمامنا مباشرة يسكن فى الطابق المقابل لنا منها ضابط في الجيش وزوجته وبنتيهما التوأم وخادمه صغيرة السن. كانت الخادمة تعتني بالبنتين وأيضاً ترتدي ثياب سيدتها ونظارتها الشمسية بعد خروجها من المنزل للعمل مما أضطر والدتي لإخبارسيدتها بذلك. 
وفى الشقة المجاورة كانت تسكن "ناني" مع عائلتها وهم مالكي البناية. صديقة لأخواتي وجاراتنا يتبادلن الأحاديث سوياً من الشرفات. تظهر لنا لوحة زيتية لإمرأة عارية فوق السرير في غرفة نوم والديها.
في الطابق الأسفل كانت تسكن جارتنا "أم بطه" التي لم نعرف يوماً أسمها الحقيقي وإبنتيها بطه وسهام وإبنيها سيد ومحمد.

"يا حياتي انا كلي حيره ونار وغيره وشوق اليك نفسي اهرب من عذابي نفسي ارتاح بين ايديك".







عند الغروب إعتلى شاب سطح إحدى البنايات فى الشارع الذي يلي الحاره ثم تسلق السلم الخاص بالبناء الخشبي الذي يربي فيه الحمام وأخذ يصفر ويلوح بعلم من القماش وبدأ الحمام يستجيب له ويعود بعد دورانه في السماءعدة دورات ويهبط إلى أعشاشه.

"آه يا حبيبي حياتي بعدك مستحيله ..... آه يا حبيبي الحياة أيام قليلة"


عندما تميل الشمس للمغيب ويبدأ الظلام في الزحف على أسطح المنازل. لا يضاء أي نور في أي من  الشرفات المطلة  على  الحارة.  الجميع  يتحرك  في  خفوت  و هدوء ويكتفون بنور هادئ يأتي من إحدى الغرف الداخلية. سكان الحارة كلهم  من المتعلمين ومن الطبقة الوسطى  المحترمة جداً. لا يرفع أحد  صوته لأي سبب كان. الحارة دائماً هادئة. 


"تنتهي الأيام وتطوي العمر بينا وانت حبك انت للأبد مالوش نهاية حبك انت مالوش نهاية."











ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق